المشكلة في المعارضة أيضاً !

بقلم: رجب أبو سرية

افتقاد أي نظام سياسي لأدوات أو مؤسسات لمساءلة ومراجعة، وحتى محاكمة السلطة التنفيذية، يؤدي مباشرة لتحول تلك السلطة التنفيذية لسلطة مستبدة، أيا كانت مرجعيتها وطبيعتها، وحدث هذا عبر التاريخ، ويحدث الآن، في أكثر من مكان، خاصة في الشرق الأوسط، في مجتمعاتنا ودولنا العربية والإسلامية.
ولعل أسوأ أو أصعب أو أقسى أنظمة الحكم المستبدة، هي تلك التي تعتمد على أو تدعي المرجعية الدينية، أو تخلط بين الدين والسياسة، أو توظف الدين سياسيا، ذلك أن الدين مقدس عند الناس ولا مجال لمناقشة نصوصه المقدسة، وليس أمرا من غير دلالة، أن أكثر دولتين تؤثران على مجتمعاتنا العربية / المسلمة ترفعان راية الدين، وتستمدان قدرتهما على "إلغاء" مظاهر الديمقراطية باسم المرجعية الدينية، ونقصد بذلك كلا من إيران والسعودية، وإذا كانت السعودية تقوم على أساس النظام الملكي، حيث إن الملك غير منتخب ولا يسأل أو يراجع أو يحاسب فيما يتخذه من قرارات، فإن إيران جمهورية، لكنها اخترعت مكانا للمرجع الديني الأعلى فوق الدولة وهو بمثابة الملك، وهكذا فان انتخابات إيران، لا تغير من حقيقة الأمر كثيرا.
المهم، أننا نحن كفلسطينيين، ومنذ تشكيل السلطة قبل أكثر من عشرين عاما، وتحديدا في العام 1994، أشكل علينا في العمل السياسي، ذلك أن السلطة استندت إلى أكبر فصيل في حركة التحرر الوطني، وهو حركة فتح، التي خاضت أول انتخابات لرئاسة السلطة وبرلمانها عام 96 كفصيل حركة تحرر، وليس كحزب سياسي يخضع لقانون الانتخابات، وبقي الأمر هكذا حتى الانتخابات الثانية عام 2006 والتي شهدت منافسة ومشاركة من كل الفصائل، حتى تلك التي كانت تعارض أوسلو من الأساس وقاطعت الانتخابات الأولى.
حين كنا ننتقد الأداء الداخلي أو الفصائل في سياساتها، أو حتى وهي سلطة، كانوا يردون علينا بالقول بأننا ما زلنا حركة تحرر، علينا أن نولي ما هو وطني، أي المواجهة مع الاحتلال الاهتمام أكثر ونقدمه على الصراع أو الخلاف الداخلي، وربما لهذا السبب ما زالت الوحدة الوطنية أثيرة على قلوب الجميع، يرغب فيها الكل الوطني، رغم أنها حلم بعيد المنال، أو حتى وهم، لا يمكن أن يتحقق بالمطلق، ولا بد له من شروط لها علاقة بسيادة القانون المدني، في ظل دولة مواطنة، وليس هكذا "على البركة".
يضاف لذلك أن نظام الحكم فيما يسمى بمناطق ولاية السلطة، ما هو إلا حكم ذاتي، أي ليس هو بدولة ولا بسلطة احتلال، وما قبلت به منظمة التحرير الفلسطينية كواقع مؤقت، لا تتجاوز مدته الخمس سنوات ( من عام 94 _ 99 ) تحول إلى دائم، أو انه بقي لأكثر من عشرين عاما، لذا فانه حتى لو افترضنا جدلا بان إنهاء الانقسام سيحدث غدا، وان السلطة المركزية ستتسلم قطاع غزة في التو واللحظة، فان واقع غزة الخالية من الاحتلال بداخلها على الأقل مختلف عن واقع الضفة التي تبدو كمثل قطعة الجبن "المخردقة" بالوجود الاحتلالي عبر عشرات المستوطنات ومئات الحواجز الاحتلالية.
وجود سلطة طوال عشر سنوات دون مجلس تشريعي يراقب أداءها، ودون وجود أحزاب تنتقد سياساتها، بل مع وجود فصائل ( تتصارع فتح وحماس على السلطة ) فتدعوهما الفصائل للوحدة ! أي دون أحزاب معارضة وفق القانون وفي إطار الأدوات والوسائل الديمقراطية لممارسة الاختلاف السياسي، يعني بأن المشكلة مركبة، فهي ليست مقتصرة على السلطة المنفردة، حتى لا نقول المستبدة في الضفة وفي غزة، مع وجود سلطة في غزة ما زالت تمارس خطابا معارضا وتستند إلى "مقدس المقاومة" _ من يمكنه أن ينتقد سلطة القسام حتى وهو يحكم بالإعدام على أعضائه خارج إطار القانون والمجتمع _ وسلطة في الضفة بلا رقابة برلمانية ولا معارضة حزبية، وهي سلطة حكم ذاتي، ليست سلطة دولة، كما أنها تستند إلى فصيل وطني، ما زال في حقل حركة التحرر؟! من يمكنه أن يستجوب الفصائل ويسألها عن مصادر تمويلها الذي حين يكون خارجيا يرهنها لأجندات خارجية، ويربط سياساتها بقوى إقليمية، ومن يجبر الفصائل على إجراء انتخاباتها الداخلية ودمقرطة مؤسساتها، ومنع أمنائها العامين من البقاء للأبد؟! ومن يمكنه أن ينزع السلاح من الفصائل والمجموعات المسلحة، حين تستخدمه لفض الخلاف السياسي الداخلي، أو في فرض موقف سياسي على المجتمع والناس؟!
المفارقة تتضاعف، مع وجود "فتح" التي باتت اقرب للحركة السياسية أو لحزب الدولة الحاكم مع قوة وتأثير الجناح السياسي ( اللجنة المركزية ) فيها أكثر من الجناح العسكري ( كتائب الأقصى )، في الضفة الغربية التي ما زالت محتلة، ووجود "حماس" التي هي اقرب لحركة التحرر، فقوة التأثير بداخلها هي للجناح العسكري ( كتائب القسام ) أكثر من الجناح أو القيادة السياسية في غزة المحررة من الاحتلال، مع انه ربما كان أفيد أي أكثر فائدة للقضية الوطنية تبادل الأدوار بينهما، أي أن تحكم "فتح" في غزة، وان تقود "حماس" الضفة، لذا فانه، لا بد من القول بان ما سبق وان أهمل، أي الكفاح السياسي الداخلي، لا بد من إعادة الاهتمام به، ولا بد من مواجهة حكم السلطة في غزة والضفة بمعارضة حزبية / سياسية، مع مواجهة الاحتلال بفصائل تحرر وطني، فلن يستوي الصراع مع الخارج دون ممارسة معارضة فعالة وايجابية داخليا، أي لا يمكن انجاز التحرر الوطني دون حرية سياسية داخلية، ولنا في الشعوب العربية خير دليل ومثال، فقد انهارت دول عربية مركزية، بعد انجاز "تحررها الوطني" وإقامة الدولة القطرية بسبب من الاستبداد، وتحويل الشعوب إلى شعوب "معاقة" سياسيا، مع الاعتذار للمصطلح، لذا فمن باب أولى لشعب لم ينجز تحرره الوطني بعد أن يحقق ما يضمن له التحرر وبقاء الدولة المستقلة.

رجب أبو سرية
2016-02-26
[email protected]