حماس "تستغفل" الناس!

بقلم: رجب أبو سرية

من سوء حظ أو ربما من عدم قدرة على التدقيق وعدم التوفيق في الرد على وزير الداخلية المصري اللواء مجدي عبد الغفار، ذكر الناطق باسم حركة حماس سامي أبو زهري أن اتصالات حركته لم تنقطع مع مصر طوال الفترة الماضية.
وقد جاء ذلك في سياق رد أبو زهري على ما أعلنه وزير الداخلية المصري في مؤتمر صحافي من تورط حركة حماس في عملية اغتيال النائب المصري العام هشام بركات قبل نحو عام، وذلك بناء على توجيهات من قيادة جماعة الإخوان في تركيا، حيث تم تدريب خلية الاغتيال في معسكرات حماس بغزة.
في الوقت ذاته كان ناطق آخر باسم حماس، إسماعيل رضوان، يرد على ما ذكر في أوساط حركة فتح من أن الحركة لديها وسائل عديدة لاسترجاع غزة، في إشارة فهم منها البعض، أنها تلميح من حركة فتح، لاسترجاع غزة بالقوة، أو من خلال اعتبارها إقليماً متمرداً أو ما إلى ذلك. يقول: إن حركته لن تتعامل مع الكل الفلسطيني إلا بالحوار ويتهم فيه بنفس الوقت حركة فتح بالاستقواء بالآخرين على الأطراف الداخلية، وفي ذلك استغفال للمواطن الذي يتابع الشأن الداخلي ويعيش تفاصيله يوماً بيوم.
فرغم أن رضوان، على غير طبيعة، أبو زهري، هادئ ومتزن، وعادة ما يقول كلاما معتدلاً، إلا أنه استغفلنا هذه المرة، مثل زميله، فالمعروف هو أن حماس هي الحركة التي تستقوي بتحالفاتها الخارجية، بما في ذلك التمويل والتدريب والعتاد (من إيران وحزب الله وسورية سابقاً، ومن قطر وتركيا والإخوان حالياً)، ولولا ذلك، لتم وضع حد للانقسام، منذ وقت طويل، بل ربما إنه لم يقع أصلاً. هذا ولم يمر بعد الكثير من الوقت، حتى نفقد الذاكرة أو ننسى ما حدث عام 2007 وما تلاه، من ممارسة للقتل، فحماس أخذت غزة بقوة السلاح، وما زالت تحتفظ بها بقوة السلاح، وقتلت في سبيل ذلك، أكثر من سبعمائة فلسطيني خلال أسبوع، وقتلت بعد ذلك، وتسببت في مصرع الآلاف من الفلسطينيين، بسبب إصرارها على الانقلاب والتفرد، أكثر مما قتلت من الإسرائيليين!
وحماس سبق لها وأن دست أنفها في الشأن السوري، بعد أن انقلبت على تحالف الممانعة، وانضمت لتحالف قطر - تركيا - الإخوان، وأخذتها العزة بالإثم بعد وصول الإخواني محمد مرسي العياط لسدة الرئاسة والحكم في مصر، وشاركت النصرة في ريف دمشق وساهمت في توريط مخيم اليرموك مع جماعات المعارضة الأخرى في الحرب السورية، ما جعل النظام السوري يضع أرجله في الحائط ويرفض، حتى وهو يواجه الضائقة الميدانية، المصالحة مع حماس، حين عرضها عليه حزب الله وإيران.
وحماس لم تنف يوماً كونها تنظيماً إخوانياً هدفه النهائي والأصيل والأهم من تحرير فلسطين أو إقامة دولتها، هو هدف إقامة "الخلافة" التي كانت قد سقطت في الحرب العالمية الأولى _ أي الخلافة العثمانية.
وكلنا يذكر كيف احتفلت حماس بفوز مرسي العياط في انتخابات الرئاسة المصرية، حيث دار إسماعيل هنية بنفسه "بصواني" الكنافة والحلويات على الناس في غزة، فيما كان القسام يطلق الرصاص ابتهاجاً في الهواء.
لكن، مع ذلك، كل ذلك لا يثبت تورط حماس، قضائياً في عملية اغتيال المستشار بركات، ولا في عملية تهريب مرسي العياط من السجن، أو في اقتحام سجن اللطرون وتهريب العياط وعدد من كوادر القسام (منهم أيمن نوفل)،  لكن يمكن القول هذه المرة: إن الموقف المصري، يعتبر موقفاً رسمياً، ذا طبيعة سياسية / قضائية.
فالإعلان جاء على لسان وزير الداخلية، ولم يأت في أجواء من الشحن الإعلامي، كما كان الحال سابقا، ولم يأت الاتهام من توفيق عكاشة أو احمد موسى، وفي ظل أجواء هادئة، تخللتها اتصالات لم تنقطع بين حماس ومصر، حسب أبو زهري.
مع كل ذلك، نقول: دائماً هناك حل، على قاعدة، البينة على من ادعى واليمين على من أنكر، ولم يعد يكفي _ برأينا _ إعلان الاتهام، دون كشف الأدلة على الملأ، كما لم يعد مقبولا، الرد برفض الاتهام، والقول ببراءة حماس وحرصها على الأشقاء، ولها سوابق بعمليات القتل، قامت بها بحق الفلسطينيين، كما أن الأصل الإخواني معروف بإرثه في ممارسة الاغتيال السياسي.
والحل، برأينا، يكمن، في أحد أمرين: إما أن تتعامل مصر، مع تورط محتمل وحتى ممكن لأفراد من حماس، دون علم الحركة (خاصة وأن حماس تمنح مساحة واسعة من التصرف للجناح العسكري، الذي تفصله تنظيميا عن التنظيم السياسي) في عمليات أو أحداث يجرمها القانون المصري، كأفراد، فتطالب بتسليمهم للقضاء، أو تتعامل مع الأمر بالخلفية السياسية وتعتبر حركة حماس خصماً سياسياً، متورطاً كتنظيم في تلك العلميات أو الأحداث، وتوافق على تشكيل لجنة تحقيق عربية، مكونة من: مصر، السلطة الفلسطينية، السعودية وقطر، وأية دول عربية أخرى، لمراجعة كل الملف والبت فيه، وإغلاقه نهائيا.
فإن تمت تبرئة ساحة حماس، يتم إغلاق كل الأبواق الإعلامية المصرية التي تهاجم الحركة، وإن تم تجريمها، تعلن كحركة خارجة عن الإجماع العربي، غير مقبول التعامل معها بل ويحظر ذلك على الدول والمنظمات التابعة للجامعة العربية، حتى لو وصل الأمر إلى اعتبارها خارجة عن القانون العربي، وملاحقتها قضائياً وسياسياً ومالياً.

رجب أبو سرية
2016-03-08
[email protected]