القضية الفلسطينية ما بعد إدارة أوباما

بقلم: أشرف طلبه الفرا

شكل تنصيب الرئيس الأمريكي باراك أوباما في نوفمبر 2008م، حدثاً فريداً في تاريخ الولايات المتحدة والمنطقة، ليس فقط باعتباره أول رئيس أسود يتسلم الإدارة الأمريكية، وإنما لإعادته الأمل لدى الفلسطينيين والعرب حول امكانية احداث تقدم حقيقي باتجاه حل الصراع الفلسطيني- الاسرائيلي، أو على الاقل اقامة دولة فلسطينية بدلاً من السياسة التي اتبعها "بوش الابن" في قضايا منطقة الشرق الأوسط، وإعطاء القضية الفلسطينية أولوية ثانوية بعد محاربة الإرهاب. وعلى الرغم من الخطوات التي اتخذتها إدارة اوباما تجاه القضية الفلسطينية لاستئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي مثل الاستعانة بالسيناتور جورج ميتشل وقيام الرئيس الأسبق جيمي كارتر بزيارة المنطقة وكذلك وزير الخارجية جون كيري، ورغم استثمار بعض الدول العربية علاقاتها المتميزة مع الولايات المتحدة  مثل مصر والاردن والسعودية من أجل إقناع أوباما لإيجاد رؤية واضحة لملف الصراع العربي- الإسرائيلي وخصوصاً القضية الفلسطينية، إلا أن إدارة الرئيس "اوباما" لم تفعل شيئاً لتصويب أخطاء الإدارات الأمريكية السابقة فيما يتعلق بعملية السلام أو إذكاء الخلاف بين الفلسطينيين، بل على العكس هناك العديد من المراهنات على هذا الخلاف، واستمرت السياسة الأمريكية على انحيازها المبدئي لإسرائيل، وخاصة بعد عودة اليمين المتطرف إلى الحكم في إسرائيل، وصعود حركة حماس كطرف فاعل ورئيس في تفاعلات القضية الفلسطينية، ولعل ما يصب في هذا الاتجاه موافقة الإدارة الأمريكية قبل أيام على زيادة المساعدات المقدمة لإسرائيل لتبلغ 4 مليارات و500 مليون دولار سنوياً، لمدة 10 سنوات، وذلك في أعقاب تعهد واشنطن بتعويضها عن زيادة إنفاقها الأمني على خلفية توقيع الاتفاق النووي مع إيران. والسؤال هنا ما هو مستقبل القضية الفلسطينية بعد الفترة الرئاسية لإدارة أوباما؟ وما طبيعة وشكل الادارة الامريكية الجديدة جمهورية أم ديموقراطية؟ وهل تستطيع هذه الادارة فرض حلول عملية للقضية الفلسطينية؟ وهل ستسعى إلى تطوير مدخل جديد لحل الصراع؟  وهل ستتمسك بخيار حل الدولتين والوصول إلى سلام من خلال مفاوضات ثنائية؟ وما مدى قدرة القيادة الفلسطينية والدول العربية للتأثير على الادارة الامريكية الجديدة؟ وما البديل عندما يفشل الرهان الفلسطيني والعربي على هذه الادارة؟

نقول بغض النظر عن التساؤلات السابقة فإن أية إدارة أمريكية ستخلف إدارة أوباما لن تغير سياسة الولايات المتحدة الثابتة تجاه إسرائيل من حيث التحالف الاستراتيجي والالتزام بأمن وتفوق إسرائيل، واستخدام "الفيتو" لإجهاض أي دور للأمم المتحدة للحيلولة دون صدور قرار يدين إسرائيل ويلزمها بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، وفي مقدمتها قيام الدولة وممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير مصيره . وعليه فإن أمريكا ومعها المجتمع الدولي ما يزالوا ينحازون لإسرائيل ويغمضون العين عن كل ممارساتها، وحتى الدعوة التي تنادي بها السلطة الفلسطينية لعقد مؤتمر دولي للسلام من أجل حل القضية الفلسطينية لن يتحقق واقعياً لأن الأولويات السياسية في المنطقة اليوم لأمرين، هما: ملف "الإرهاب" الذي يسعى الغرب لجعله الأبرز على خريطة السياسات الدولية، وملف سوريا والصراع على النفوذ في الشرق الأوسط بين واشنطن وموسكو. أو أن يتم العمل على اعادة إدارة ملف الصراع الفلسطيني الاسرائيلي فقط دون تقديم رؤية واضحه لحل يلوح في الافق يحقق آمال الشعب الفلسطيني نحو إقامة دولته المستقلة.

وبالتالي فالمطلوب حقيقةً هو السير بخطوات جادة نحو انهاء حالة الانقسام الفلسطيني، والعمل ضمن برنامج وطني فلسطيني واضح يمكن تطبيقه على أرض الواقع يكون محل اتفاق بين مكونات الحركة الوطنية الفلسطينية يتضمن تشكيل حكومة انتقالية، والتوجه نحو إجراء انتخابات عامة، مع إعادة بناء منظمة التحرير وهيكلة مؤسساتها بالشكل الذي يعبر عن الإجماع الوطني، وعدم عودة السلطة الفلسطينية إلى طاولة المفاوضات واللقاءات السرية أو العلنية طالما لم تحقق المطالب الفلسطينية، ويكون هذا بالتوازي مع تفعيل الدور الفلسطيني والعربي الجاد لتحريك المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل، وذلك بتغير المفهوم الدارج لمبادرة السلام العربية عام 2002م، والذي ربط عملية السلام والتفاوض بالمصالحة العربية مع إسرائيل. فقد أعلن العرب مسبقا عام 1991م، بقبول المشاركة مع إسرائيل في محادثات متعددة الأطراف، وشارك معظم العرب في قمم اقتصادية تهدف إلى الشراكة التجارية، وقيام الأعمال المشتركة، سواء عامة أو خاصة، لذلك فعلى الدول العربية إظهار إن السلام مع إسرائيل سيعود بفوائد ملموسة لكل دول المنطقة، وأن استمرار العناد الإسرائيلي دون تسوية مقبولة، أمر يؤثر بالسلب في المصالح الحيوية، والأمن القومي الأمريكيين. وسوف تُتخذ مواقف وخطوات عربية تجبر إسرائيل على السلام الحقيقي في المنطقة، ولعل أهمها تشجيع جهود بناء المؤسسات التي تقوم عليها الدولة الفلسطينية، والوقوف الحقيقي بجانب السلطة الفلسطينية في معركتها القانونية مع إسرائيل داخل المؤسسات الدولية، ومساندة الهبة الشعبية بتقديم الدعم المادي والسياسي اللازمين لصمود الشعب الفلسطيني وقيادته السياسية في مواجهة إسرائيل، وذلك بتامين شبكة الأمان العربية للسلطة الفلسطينية حال اقدمت اسرائيل ومعها الولايات المتحدة على فرض اجراءات عقابيه ضد الشعب الفلسطيني، وكذلك توسع الخيارات العربية دولياً والبحث عن مظلة أخري غير أمريكية  لتسوية القضية الفلسطينية. وما دون ذلك سوف تظل القضية الفلسطينية على وضعها الراهن، في ظل تباطؤ الإدارات الأمريكية السابقة والحالية والقادمة في التعامل مع هذا الملف.

د. أشرف طلبه الفرا