في أعقاب تنفيذ ثلاث عمليات يوم الثلاثاء الماضي، اجتمع وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، جلعاد أردان مع مفوض الشرطة الإسرائيلية وقادة الأمن في جلسة طارئة، لتقييم الموقف، حيث أكد المجتمعون على عدم وجود علاقة بين العمليات الثلاث، والتي يرجح أن تكون قد حدثت بناء على مبادرات فردية.
هذا الاستنتاج ليس جديدا على أجهزة الأمن الإسرائيلي، وإن كانت تنطوي على أهمية، كون أنه منذ فترة طويلة لم يحدث أن تزامن تنفيذ ثلاث عمليات في يوم واحد، والأهم هو أنها جميعها نفذت وراء الخط الأخضر في القدس وبتاح تكفا ويافا، وهذا أمر برأينا مهم جدا، حيث اعتادت إسرائيل على جعل المناطق العربية والفلسطينية ساحات لحروبها، حتى تكون حتى الخسائر الاقتصادية في الجانب الآخر .
المهم انه بعد مرور أقل قليلا من ستة أشهر على هبة القدس، ورغم وجود كوابح إسرائيلية وذاتية فلسطينية تحول حتى اللحظة دون تطور الهبة إلى انتفاضة شاملة، لا تتسع فيها ساحات وميادين ( مدن وقرى ) المواجهة والمشاركة وحسب، ولا يتسع فيها نطاق المشاركة بحيث يشمل من هم غير الشباب والفتيات، ولا تتنوع وسائل وأدوات المواجهة، بحيث تشمل السلاح الناري _ كما كان الحال في الانتفاضة الثانية مثلا _ وفقط، إلا أن انتقال ساحات المواجهة إلى داخل الخط الأخضر، يعني بان النار تصل للأصابع الإسرائيلية التي تحرق اخضر ويابس الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية، وان عمليات الإعدام الميداني التي طالت أكثر من مائتي شهيد حتى الآن، لا يمكن أن تمضي دون عواقب، حتى لو أن تلك العواقب تم احتواؤها من مثل، قطع الطريق على تقديم الشكاوى لمنظمات الأمم المتحدة، والمطالبات بتقديم قادة إسرائيل للمحاكم الدولية بتهم تنفيذ الإعدام الميداني والعقاب الجماعي وما إلى ذلك.
الرابط بين العمليات الثلاث الذي أشارت له الأوساط الإسرائيلية، هو زيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن للمنطقة والذي كان في ذلك المساء يلتقي بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية، ما يعني بأن الوعي المقاوم للذين نفذوا العلميات حاول إرسال الرسالة الواضحة للإدارة الأميركية، ومفادها أن مواصلة احتلال إسرائيل لفلسطين هو برميل البارود، الذي ينذر المنطقة بحريق واسع وشامل، وان إسرائيل لن تكون بأمان طالما ظلت فلسطين بلا أمن ولا أمان.
ويقيناً بأن مصرع السائح الأميركي ليس هو السبب الذي دفع بايدن لأن يطالب بوقف ما سماه "الإرهاب" حتى يمكن فتح الطريق أمام العملية السياسية، ويقصد بالطبع المقاومة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي، وفي ذلك قلب للحقيقة وللعدالة الإنسانية التي تشرع فيها كل الأديان السماوية والأمم المتحدة مقاومة الاحتلال بكل الوسائل الممكنة بما في ذلك الكفاح المسلح.
لكن أميركا لم تكن يوما مع المظلومين أو مع حركات التحرر، وهي في الوقت الذي تساند فيه بعض شعوب المنطقة في إسقاط بعض الأنظمة في الشرق الأوسط، دون أخرى، فإنها لا تتورع عن فعل ذلك، وهي ترى سقوط مئات آلاف الضحايا، فكيف تستنكر أو تستبعد سقوط أفراد أو حتى عشرات الأفراد على مذبح الانعتاق من ربقة الاحتلال، وهو أسوأ كثيرا من كل أنظمة الاستبداد في الدنيا كلها؟!
ولأن الأميركيين تعودوا أن يبيعوا الفلسطينيين الكلام "الفاضي" فكان أن كرر بايدن في رام الله الحديث عن حل الدولتين، فيما كان مع نتنياهو يشد على يده المحتلة والقاتلة، لا يدين لا الاحتلال ولا الاستيطان، ولا القتل الميداني، بل مقاومة الضحايا ومحاولة البعوضة إيذاء مقلة "الأسد"!
لم تكن زيارة بايدن مهمة، حتى تستحق كتابة مقال عنها، بل كان تزامن ثلاث عمليات معا وتنفيذها وراء الخط الأخضر هو المهم، لأنها تقول بوضوح بان الشعب الفلسطيني لن يموت ولن يهدأ، إلا بعد أن يكنس بيديه العاريتين الاحتلال الإسرائيلي، وبعد أن يفرض العدالة والمساواة الإنسانية بين البشر من سكان هذه المنطقة من العالم، وليبق بايدن واوباما يحاولان الاستمرار في ذر الرماد في بعض العيون، والتشدق بالكلام الفارغ، وذلك للاستمرار في تقديم الخدمة لإسرائيل، باحتواء المبادرة الفرنسية، وربما لتسهيل الطريق أمام المرشحين الديمقراطيين في الانتخابات الرئاسية، وربما لجبر خاطر نتنياهو، بعد اعتذار اوباما عن استقباله في واشنطن، لذا فقد أرسل له نائبه، ليقول له : صافي يا لبن، وليرد عليه : حليب يا قشطة !
رجب أبو سرية
2016-03-11