نحن ندرك تماماً أن السياسة الأمريكية عموماً تستند إلى نظريات تأخذ من الواقع الجيو استراتيجي والمصالح الحيوية في أقليم أو جغرافيا ما، ومن أهم هذه الاستنادات أنها تعتمد على الحلفاء سواء اقليميين اوالمحليين في تأمين مصالحها، وأنها تغدر بحلفائها عندما يتحولون إلى حالات مستعصية، وأنهم أصبحوا عبئاً عليها سواء لأنهم فقدوا دورهم أو لأنهم يتعرضون لخطر الإسقاط... وهذا أسلوب متعارف عليه ، وبالتالي تتخلى عن حلفائها لصالح بدلائهم الأقوياء الجدد بسرعة البرق ، عندما تتمكن من تأمين معظم مصالحها القائمة ولو لفترة معينة، حيث أن المهم لدى أمريكا مصالحها المحلية والإقليمية بدرجة معينة لكن لا يعنيها فقدان حليف مهما كان ومهما طالت مدة ونوع خدماته التي قدمها، وهي كذلك تزرع جيوشا في جغرافيا الحلفاء بوصفها جيوشا متقدمة كقوة احتياط تستخدم عند انهيار النظام القائم في الدول الأخرى، وتعتمد على سياسة القيادة المنفردة للعالم والتحكم بالتجارة العالمية وامتلاك القوة العسكرية العالمية، وتضمن تحالف أوروبا معها في سياساتها الدولية وأن شذت في بعض التفاصيل بل وبالسياسات الاقتصادية تجاه بعض الدول الأوروبية.
وأبرز التحديات التي تواجه السياسة الأمريكية بعد الربيع العربي المزعوم تراجع نظرية استقرار الهيمنة والكسب من طرف واحد ، كذلك التحول في في الشرق الأوسط لا يتناسب مع نظريات سياسية سادت بدعم الدكتاتوريات ما دامت تخدم مصالح أمريكا.أيضاً تفاقم المخاطر الامنية على الكيان الإسرائيلي بسبب صعود تيارات سياسية لها موقف جذري أيديولوجي من المشروع الصهيوني، وهي تقود الحملة ضده في المنطقة، وتدعم المقاومة الفلسطينية .
وفيما يتعلق بالتحولات السياسية في الساحة العربية سواء ما يتعلق بالثورات الشعبية حتى اسقاط الأنظمة والاحتجاجات والمظاهرات الضاغطة فقد تلقت السياسة الأمريكية ضربة قوية خرجت قدراتها وأطرافها عن الحسابات لدى أجهزة الاستخبارات، حيث أن مراقبة ردود الفعل
الأمريكية الأولية على هذه التحولات أعطت الانطباع بأن ثمة صدمة تعرض لها عقل الإدارة الأمريكية، وأنها تحاول أن تبحث عن مساعد واتجاه يمكن لها من خلاله التدخل بشكل أو بآخر في عمليات التحول أو على الأقل في مخرجاتها الانتقالية، تمهيدا للمحافظة على مصالحها الحيوية في المنطقة في مرحلة ما بعد الثورات والتحولات.
وهذا ما يفسر لنا السلوك السياسي الأمريكي بمحاولة التفاهم مع الحركات الموجودة في الساحة العربية، قبل أن تتخذ سياسة ربما تتسبب بضرر بليغ تجاه مصالح الولايات المتحدة، وبرغم صعوبة الأمر بسبب التباينات الأيديولوجية غير أن التيار الإسلامي بدأ ينتقل من التفكير كأحزاب معارضة إلى قادة دول، وهو ما يجعل الطريق سالكاً من جهته لأي تفاهمات مع المجتمع الدولي، فيما لا تزال الولايات المتحدة تتمترس حول مواقفها وسياساتها السابقة، ولا تستجيب بعد لضغوط هذه القوى لتغيير بعضها وتعديل بعضها الآخر، ما يجعل الحوار والتواصل يعاني من بطء وصعوبات، وتساهم مراكز التفكير الأمريكية والأوروبية اليوم في محاولة تفكيك الوضع والتوصل إلى معادلة لا بد أن تكون عدد من عواملها ومعاملاتها جديدة، وتحترم التحول السياسي الجديد، وتحقق مصالح شعوب المنطقة العربية، إن أرادات أن تحقق مصالحها غير العدوانية أو التي ترسم على قدم المساواة بين الطرفين.
بقلم :غادة طقاطقة