روسيا لم تنسحب من سوريا، ولماذا تنسحب ؟؟

بقلم: رشيد شاهين

ما إن تم الإعلان عن إبلاغ الرئيس بوتين نظيره الأسد نيته سحب جزء من قواته في سوريا، حتى تهافت البعض محللا لا بل ومقررا، إن الوضع بين سوريا وروسيا بات على كف عفاريت كثيرة وليس عفريت واحد.

في الواقع، ليس هكذا تبدو الأمور، ولا هكذا يمكن النظر إلى العلاقة بين البلدين الصديقين أو الحليفين، ولا يمكن للعلاقات بين الدول أن تكون مبنية على المزاجية أو القرارات المتسرعة، وخاصة كما في الحالة السورية الروسية.

القرار بسحب جزء من تلك القوات، لم يأت سوى بعد أن حقق الرئيس بويتن العديد من الأهداف في موضوع التدخل، وهي أهداف كانت بالنسبة لروسيا إستراتيجية و"مصيرية"، لا يمكن التراجع عنها مهما كلف الأمر. أما وقد تحققت بنسبة عالية، فلا بأس من الإعلان عن سحب جزء من تلك القوات.

من أهم تلك الأهداف، ان الجيش السوري والقوى الوطنية السورية، استطاعت استعادة أنفاسها وتحقيق نجاحات في حربها ضد الإرهاب وفرض وقائع جديدة على الأرض ملموسة تماما.

كما ان ترسيخ الوجود الروسي في المنطقة من خلال قاعدة بحرية بطرطوس، وقاعدتين جويتين، يعتبر من أهم الأهداف التي سعت إليها روسيا، عدا عن الرسالة المدوية التي أرسلتها روسيا للعالم، بأنها ستبقى لاعبا مهما في الشؤون الدولية برغم انحسار دورها لقترة ليست قليلة بعد الانهيار الكبير للاتحاد السوفييتي وتفرد أمريكا في المنطقة والعالم.

لم يكن أمام بوتين سوى ان يتدخل بشكل صارخ عندما أظهرت الوقائع على الأرض ما يشبه حالة "انهيار" للقوة السورية التابعة للنظام، وهو أدرك ببعد نظره انه إذا ما "انهار" النظام السوري، فهذا يعني خروج روسيا من المنطقة وانحسار دورها كلاعب رئيسي، وهذا ما لا يمكن ان يتقبله "عقل" مثل عقل الرئيس بوتين.

بقاء روسيا في المنطقة خاصة في ظل السقوط الكبير لعديد الأنظمة التي كانت قريبة أو صديقة وحليفة للروس، بات ضرورة، ومن هنا لم يتردد بوتين في اتخاذ قراره إرسال قوات لسوريا، حيث طالما بقي الأسد فان المصالح الروسية ستبقى قائمة، وإلا فان غياب الأسد يعني خروج روسيا من سوريا وبالتالي من المنطقة.

بالإضافة إلى ذلك، فانه وفي الواقع، لن تنسحب القوات الروسية جميعها، حيث سيتم الإبقاء على قوة "معتبره" في القواعد الروسية، تكون كافية للتدخل المستمر عند الضرورة، وقد أثبتت روسيا انها يمكنها التدخل العملي عن بعد أيضا من خلال الصواريخ بعيدة المدى، كما ان عودة الطائرات المقاتلة المتطورة لن يأخذ الكثير من الوقت للوصول إلى ساحات القتال.

الانسحاب لبعض القوة الروسية، سيعطي إشارات إلى أمريكا أيضا وحلفائها بان الروس جادين في الوصول إلى حل سياسي في الموضوع السوري، وهذا كان جليا من جميع التصريحات التي تلت تلك الخطوة، والتي جاءت على ألسنة الكثير من المسؤولين العرب والدوليين وفي المقدمة السعودية وأمريكا.

كذلك، فان تلك الخطوة سوف توقف تراجع أسعار العملة الروسية وتسهم في عدم تردي الوضع الاقتصادي الروسي، إضافة إلى ان سحب العديد من الطائرات سيوفر الكثير من الأموال على الخزينة الروسية.

روسيا وبسبب مصالحها الإستراتيجية وحفاظا على حصنها الأخير في المنطقة، ولتبقى لاعبا أساسيا في الشؤون الدولية، لن تنسحب كليا من سوريا، برغم ما قد يبدو أحيانا من خلافات على السطح بين الفهم والتحليل السوري والروسي.

بقلم/ رشيد شاهين