الحل الأمني " الإسرائيلي " ولعبة " الغمّيضة " الفلسطينية

بقلم: رامز مصطفى

وجبة معلومات سياسية تتعلق باتصالات واجتماعات ومفاوضات بين الجانبين الفلسطيني و" الإسرائيلي " ، تقدمها الصحافة العبرية ، وجديد هذه الوجبات ما كشفته صحيفة " هآرتس " العبرية ، عن لقاءات واجتماعات جمعت مسؤولين فلسطينيين و" إسرائيليين " ، في شباط الماضي ، حضرها عن الجانب الفلسطيني حسين الشيخ مسؤول الارتباط للشؤون المدنية وماجد فرج رئيس المخابرات وزياد هب الريح رئيس الأمن الوقائي . وعن الجانب " الإسرائيلي " ، الجنرال يوأف مردخاي منسق شؤون المناطق وروني نوما قائد الجبهة الوسطى ، وبرعاية وإحاطة من المنسق الأمني الأميركي الجنرال بيرد رودشهايم . وتلخصت المفاوضات حول مبادرة حملها الجانب " الإسرائيلي " إلى الجانب الفلسطيني ، بالآتي :-

1. وقف شبه تام لاقتحامات الجيش الإسرائيلي للمنطقة " A " ما عدا حالات الطوارئ المسماة " القنبلة الموقوتة " ، حيث تحتفظ " إسرائيل " لنفسها في حق العمل في تلك المنطقة ، ليس من خلال قائد اللواء في المنطقة ، بل بأمر قائد المنطقة ، أو من هو أعلى من تلك الرتبة .

2. وكاختبار لحسن النوايا والسلوك الفلسطيني ، تبدأ تلك الخطوة وتطبيقها أولاً في مدينتي رام الله وأريحا . وإذا نجح النموذج الأول وأفضى إلى نتائج إيجابية واستتبَّ الوضع الأمني ، يعمد " الجيش الإسرائيلي " إلى تقليص نشاطاته في مدن أخرى .

3. مطالبة الأجهزة الأمنية الفلسطينية العمل على تقديم معلومات استخباراتية للجانب " الإسرائيلي "عن جهات إرهابية تعمل في المنطقة " A " ، والعمل بحزم إلى وقف كل أشكال وأعمال التحريض .

وإن كانت جولة المفاوضات هذه لم تصل للنتيجة المرجوة " إسرائيلياً " ، بسبب ما أسموه رفض رئيس السلطة السيد محمود عباس ، بعد أن عُرض الاقتراح " الإسرائيلي " عليه ، ومطالبته مغادرة قوات الاحتلال بشكل كامل دون العودة إليها . إلاّ أن الجانب " الإسرائيلي " لا يزال يأمل بحلحلة الأمر بالرهان على تدخلات دولية لا سيما الأمريكية منها ، وإقناع أبو مازن القبول من خلال تأثير بعض من حضر اللقاءات من الجانب الفلسطيني . خصوصاً أن سربته الصحيفة العبرية حول هذه اللقاءات والدوافع " الإسرائيلية " التي تقف ورائها هي صحيحة ، حيث يجمع قادة الأجهزة الأمنية وحتى قادة الجيش ، أن تهديدات السلطة بوقف التنسيق الأمني على خلفية الممارسات الإجرامية التي يرتكبها الاحتلال بحق شباب وشابات الانتفاضة ، هي تهديدات تتصاعد لتتحول من التلويح بها إلى تنفيذها مع استمرار تلك السياسات والممارسات ، وهذا ما سيُلحق أفدح الضرر بالكيان جراء وقف التنسيق الأمني ، على عكس ما يهولون به لجهة أن المتضرر هم الفلسطينيين وليس " الإسرائيليين " . هذا من جهة ، ومن جهة ثانية محاولة إلى قطع الطريق على أية مبادرات دولية بخصوص تحريك المفاوضات من أجل إنجاز تسوية سياسية ، على غرار المبادرة الفرنسية سيئة الصيت . لذلك سارع الجنرالين يوأف مردخاي وروني نوما إلى تقديم مقترح لكل وزير الدفاع جيش الاحتلال " موشي يعالون " ورئيس أركانه " غادي آيزنكوت " ، اللذين أطلعا نتنياهو على المبادرة ومضمونها ، موافقاً بدوره عليها .

المبادرة " الإسرائيلية " من المؤكد أنها تأتي في سياق تلمس قادة الكيان الأثار والتداعيات التي تركتها الانتفاضة منذ ما يزيد عن الخمسة أشهر ، وبالتالي التداعيات الأمنية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي يعيشها الكيان " الإسرائيلي " بكل قطاعاته وأطيافه وألوانه ، دفعت إلى حمل تلك المبادرة على عجل من الجانب " الإسرائيلي " ، وهي تعيد للأذهان في العودة إلى الوراء ما يزيد عن العقدين ، أي منذ ما قبل التوقيع على اتفاقات " أوسلو " عام 1993 ، عندما طرح " اسحاق رابين " على منظمة التحرير ورئيسها الراحل أبو عمار " غزة – أريحا " أولاً ، مما يوحي بشكل جلي أن نتنياهو يريد القول للسلطة أن مقاربة جديدة ل" أوسلو " على أساس أمني ، قد آن أوانها .

وختام القول إلى متى ستبقى السلطة الفلسطينية تمارس لعبة " الغميضة " مع الشعب الفلسطيني وفصائله ونخبه ، وإبقائهم أسيري ما تقدمه لهم الصحافة العبرية من معلومات ، ثبُتَ في سياق التجارب السابقة أنها صحيحة ، نقولها بشكل مؤسف ، ونحن ندرك أن الهدف من وراء هذه التسريبات التي تتعمدها الصحافة " الإسرائيلية " ، هو دق الأسافين بين السلطة وناسها ، الذي فقد إلى حدٍ كبير الثقة بقيادته . هذا شق من ختام القول ، أما الشق الثاني ، إلى متى ستظل السلطة الفلسطينية فاقدة لإرادة تنفيذ ما تقرره المؤسسات الوطنية الفلسطينية من قرارات تتعلق بوقف التنسيق الأمني ، وإغلاق أبواب التفاوض واللقاءات والاتصالات ، والمساهمة في تقطيع الوقت الذي يتعمده الاحتلال ، من دون المس بتوجهاته وسياسات الإجرامية بحق الشعب الفلسطيني .

بقلم/ رامز مصطفى