منذ 50عاما...تعرفت عليها ..كنت صبيا وكانت صبية ..التقينا لاول مرة في مكتبة خان يونس الوحيدة والمهداة من مصر عبد الناصر للاطفال والكبار..اخدتني من عالمي المسحور بمصباح علاء الدين والسندباد والسندريللا والف ليلة وليلة .. الى عالم الواقع على رصيف دموع هارون هاشم رشيد ومع حرافيش نجيب محفوظ وحرام يوسف ادريس ووسادة حسان عبد القدوس..!!
تلاقينا رغم شدهة الهزيمة سرا مع شعرالمقاومة المهرب من دالية فدوى طوقان الى زيتونة محمود درويش وصوانة توفيق زياد ومارشات سميح القاسم ومعركة معين بسيسو !!
بلغنا سن الشباب...والتقينا من جديد في مكتبة دار المعلمين برام الله ..جمعتنا حالة فريدة من العشق والوله في فضاءات جديدة عرفت فيها رومانسية جبران وفضيلة المنفلوطي وبؤساء موباسان وعروبة الجواهري ومطرالسياب وخزان غسان كنفاني وام مكسيم غوركي و رأس مال ماركس وديالكتيك لينين واعترافات جان جاك رسو....!!.
تزوجتها شعرا على سنة الله ورسوله..والشهود اولاد المخيم وكان مهرها (غربة ).. اول قصيدة تنشر لي في مجلة البيادر جنبا الى جنب مع قصائد الاسماء الكبيرة التي قرأت لها سرا وجهرا ...وقضينا شهر العسل على ضفاف بابلو نيرودا وفي ازقة ناظم حكمت..وهضاب جارسيا لوركا ..!!
تعرفنا في زمن ثوري جميل تحت الاحتلال الاسود الثقيل على احمد فؤاد نجم والشيخ امام و رفاق الكلمة ..شركاء الطحر والمعاناة من خلال عرس عبد الحميد طقش ووحش محمد ايوب و طوق غريب عسقلاني وعربة عبد الله تاية وعطش زكي العيلة ودبابيس عمرحمش وسعدية صبحي حمدان وقلق باسم النبريص وخبيزة عثمان خالد.!!
حفرنا في الصخر.. وقاتلنا الخوف والقهر ..وقتلنا الوقت بحثا عن نفق ..وكتبنا على صفحات قدس احمد عبد احمد و شعب المختطف يوسف نصري و فجر على الخليلي واحتضننا الملتقى الفكرى و العم محمد البطراوى لفترة .. بدل فيها بعض الكتاب البراجماتيين على مهل ثياب اليسار بثياب الختيار ..!! ثم أصبح لنا رغم انف الجنرال يتسحاق مردخاي موطئ قدم في لا ممكن ا لحنين اسميناه اتحاد الكتاب الفلسطينيين..!!
لم يكن الاتحاد مثاليا أو ملائكيا في ظل منخفضات سياسية وحسابات فصائلية ..!! لكنه كان بيتا ثقافيا فلسطينيا ينبض بالحب والابداع بين فكرة وفكرة.. ولطالما تقاسمنا رغيف الهم اليومي وتناجينا بقصيدة لاحدنا ..او بقصة لعاشق منا.. واذكر اننا جمعنا يوما من فقرنا اجرة مقر الاتحاد... حتى لا تتبعثر زهور الصعاليك الجدد في الشارع..وتلقى نهاية تعيسة عند بانعي الترمس و الفلافل!!
حاولنا قدر استطاعتنا في ظل احتلال بغيض ومقص الرقيب ان نلقي حجارة في البركة.. نجحنا حينا ..وفشلنا احيانا اخرى.. كان السبب الاول والاخير في نجاحاتنا فلسطينيتنا التي جمعتنا وكان السبب الاول والاخير في انتكاساتنا هو تجاذباتنا واجنداتنا المختلفة التي فرقتنا..!!
انكفأ البعض منا على صدمته وانا اولهم مع هبوب رياح أوسلو وعودة العائدين .. في المقابل تسلق وتملق البعض المرتزق الحال السياسي والثقافي المريض..وانتشرت ظاهرة الكتبة المتطفلين على باب المنتدى ووزارة ثقافة الزعيم ..فالرمز والفصيل أولا على غرار غزة اريحا اولا ..!!
تبخر اتحاد الكتاب وتلاشت وزارات الثقافة المتوالية دونما اثر تقريبا عدا بعض المنشورات للاخيار للمقربين..!!
في ظل مثلث انحطاط سياسي و ثقافي واخلاقي فترى الشاعر الكبير مثلا يتقزم الى مجرد موظف سلطة باصم للقمة عيشه... وترى الاخضر تحول بقدرة قادر الى الاصفر ..!! وزادت الشقة حتى على مستوى العلاقة جيلين متعاقبين احدهما مقهور ومغمور وثانيهما مأمور ومغرور يسعى بأي ثمن للظهور وحمل فيروس الحذف للاخر..!!
بدانا نسمع عن ادبيات حداثة مستوردة لاعلاقة لها بالحداثة في التناحر والتباغض والتآمر والسباب بين الكتاب.. وفعاليات مسيسة لتلميع التفاهات...ومضحكات مبكيات من امسيات مرتبة لعاهات لا تخرج منها بشيء ..!!
وقد استطاع بعض مدعي الحداثة وما بعدها في زمن الفلتان والهذيان من خلال فقاسات ان جي أوز مدعومة..!!
تفريخ كتاكيت وفتافيت في معظمها لاعلاقة لها بالثقافة والشعر والشاعرية.. ربما لها علاقة بشعرالرأس والشعرية بالقرفة والسكر..!! وهي كانت اقرب ما تكون الى محاولات توجع من امساك فكري و مغص خواطر مرفهة لا ترقى الى مستوى ابداعات تنتمي للهم اليومي..!! الا ان هذا لم يمنع ان تلمع مواهب شعرية واعدة في حينه كسمية السوسي ودنيا الامل اسماعيل وسائد السويركي وفاتنة الغرة..
ومن المضحك اني دعيت قبل مدة الى امسية من اياهن.. وكانت القاعة مليئة بالمدعوين وما ان بدأ الفرسان والفارسات بالقاء شعر الوشوشة حتى سادت الوتوته والهمهمة والشخشخة والقهقهة وكاننا في سوق فراس ثم تسحب أكثر الحضور المستمعين حتى بدت القاعة كاسنان عجوز في التسعين..!! وعندما سألني احدهم عن السبب ..قلت ان من الشعر الجميل ما يقرأ بصمت ولا يسمع.. !!
خاصة اذا كان مما تعارفنا عليه من قصائد الذات النثريه..وهذا النوع الذي يبدو سهل التقليد لا يلين لمبتدئ جاهل لا يفقه اساسيات الرفع والنصب والجر..ولا يكاد يفرق بين الخليل والسياب!! فهو سهل ممتنع لا يجيده الا فحل لغة متمرس في موسيقى الحرف ومتعمق في اسرار الصورة الجديده.. !!
ومما يفرح حقا ان هناك اسماء محلية صاعدة تشق طريقها بثبات ..وتستحق التبني والدعم... بعيدا عن مضحكات بعض طواويس المبتدئين القادمين فيما يبدو من محل للبناشر حيث يعانون من جنون النفخ والعظمة فيقدمون انفسهم للناس شعراء و كتاب لا من قبلهم ولا من بعدهم ...وقد تصدق من الهالة انك امام مبدع الجماعة.. الى ان ينطق عن الهوى...فتنفقئ الفقاعة..!!
وبصراحة... انا اسخر علنا من نماذج كهذه..وممن يطلق على نفسه لقب شاعر او كاتب أو حتى أستاذ ... هذا اللقب ليس ميدالية او وردة في ياقة الجاكيت أو سلفي مع مزة تهبل ... هذا لقب يطلقه الناس على من يستحق... وانا اخجل بعد 40سنة من القراءة والكتابه من ان اطلق على نفسي رصاصة كهذه.. فما بالكم بشلة هبلة من مغرورة ومغرور ملهاش في القصر 4 شهور..؟!!
هذا حال الغانية الشهيرة مدام X .. رغم كل محاولات التجميل وشد الوجه وجمنازيومات الفصائل للرشاقة السياسية !!...ثقافة نصف الواحد بالمائة يا بلاش..!! ثقافة فاسدة ..راقصة متهتكة حينا..متدينة كاذبة حينا اخر..!! رخيصة..باهتة ..مرتبكة..مضحكة..تزدحم بالفارغين اللاهثين قليلي الادب.. المتطفلين على الادب والذين ينظر اليهم بازدراء على انهم حاملو حقائب وبشاكير القادة السياسيين .!!.بالمقابل ينزوي المبدعون الحقيقيون قرفا ويأسا!!
والسؤال الى اصحاب المعالى والدلال : الا تستحق الثقافة في عوزها وعجزها ميزانية أفضل ومستوى افضل لتليق بالمثقفين والمبدعين...؟!!
أليس من اللافت مثلا ان تحتضن مؤسسة أهلية كمؤسسة (سعيد المسحال) في سنة واحدة فعاليات ثقافية عجزت وزارات الثقافة المجيدة قبل الانقسام وبعده عن رعاية نصفها وفي نفس الوقت تحارب وتحاصر من الظلام الظلاميين فتضطر الى تأجير طابقين لكي تبقى..؟!!
يا الهى ..هل هذه هي الثقافة الفتية الجميلة التي اغرمت بها في شبابي وتزوجتها عن رضا وقناعة...؟!!
لقد زادتها محاولات التجميل قبحا وبشاعة..واوهنتها الهشاشة وتراكم الشحم على ارادافها واصابها الزهايمر وضيق التنفس وفساد الطبع وضعف النظر والضغط والسكر..وعندما انظر اليها اشعر بمزيد من الرثاء والتعاسة...لذا قررت طلاقها طلاقا بائنا..والبدء بالف باء من جديد.مسلحا بالامل ومشحونا بذكريات الزمن الجميل..!!
بقلم/ توفيق الحاج