لقد تراجعت قضية فلسطين إلى أخر اهتمام حكام العرب،وبعضهم أصلاً لم تكن تعني له شيئاً سوى في مزادات البازار السياسي لتسجيل موقف رفع العتب باستثناء الجزائر وسوريا والشعوب العربية واحزابها التقدمية التي كانت فلسطين بالنسبة لهم هي بوصلة العمل والنضال وبرغم ما تمر به المنطقة ، اسأل اين هو الموقف العربي من رفع علم الكيان الصهيوني في قطر واستقبال فريق رياضي صهيوني ، هل هذا هو لمصلحة فلسطين ، واين الموقف العربي من التطبيع التي يجري على مرآى ومسمع الجميع ، والذي يدفعني للكتابة بهذه الطرق والوسائل ايضا هو ما نراه من واقع عربي وفلسطيني مؤلم ، وخاصة ان البعض ما زال في السلطة يراهن على التنسيق الامني مقابل عدم تسليم منطقة " أ" في الضفة الفلسطينية علما ان اتفاق اوسلو مات قبل أن يجف حبره وبقيت السلطه متمسكة به، ألم يدرك البعض أن الكيان الصهيوني ما زال يرفض اي شيئ يتحدث عن حقوق الشعب الفلسطيني ، وهو مستمر في سياسة الاستيطان وتهويد الارض والمقدسات الاسلامية والمسيحية ، فنحن اليوم نترحم على الشهداء القادة العظام في مقدمتهم الرئيس الرمز ياسر عرفات وابو العباس وجورج حبش وابو جهاد وابو علي مصطفى وكل الشهداء العمالقة هؤلاء الذين شكلوا صمام آمان لفلسطين وقضيتها ، فاستحضار سيرتهم التي تعبر عن حب وتقدير الشعب الفلسطيني ، إلا أنه في نفس الوقت تعبر رسالتهم عن حنين لمرحلة ولنهج في العمل الوطني الذي نفتقده اليوم ، حنين لزمن كان يحكم فيه قادة كبار لم يسمحوا للخلافات الأيديولوجية ولا لأصحاب الأجندة الخارجية ولا للمال السياسي ، أن يكون سببا في الانقسام وتدمير المشروع الوطني ، زمن كان القادة العمالقة يختلفون ويتنافسون ولكن على قاعدة المصلحة الوطنية ، ولم تكن خلافاتهم تصل إلى درجة تكفير أو تخوين بعضهم البعض.
ومن هنا أسأل لماذا الصمت ، في ظل انتفاضة فلسطين تقدم شهدائها وشهيداتها من اجل فلسطين فترسم خارطة الوطن بدمائهم ، هؤلاء الشابات والشباب يقاومون بأجسادهم وسواعدهم وإرادتهم الصلبة وببعض ما يملكون من وسائل بدائية مثل الحجر والمقلاع والسكين، يؤكدون للقريب والبعيد أن الإرهاب الصهيوني لن يخيفهم ولن يحملهم على الاستسلام، ولن يخضعوا لإرادة المحتل مهما طغى وتجبر، وأنهم على استعداد لتقديم قوافل الشهداء ، لماذا نحاول اجهاض انتفاضتهم .
نعم الشباب الفلسطيني يقاوم ويلتف حوله الشعب الفلسطيني ، بعد أن تعب الجميع أو ملوا من مسيرة النضال كونها تحولت إلى عبء عليهم، ولكن هؤلاء الشباب ارادوا ان يعيدوا قضيتهم الى واجهة الحدث حتى لا تبقى شعاراً ليس أكثر، وغطاء لأنظمة الذين يريدون استعمالها في صراعهم مع الآخر ، ونحن نسأل كل هؤلاء عما إذا كانت فلسطين هي قضيتهم فعلاً، وعما إذا كانت تستحق أن تكون فوق خلافاتهم ومصالحهم وارتباطاتهم الإقليمية، وعما إذا كانت أكبر من إيديولوجياتهم وانتماءاتهم الفكرية، وعما إذا كانت تستحق التنازل عما هو ضئيل أو صغير من أجل قضية أكبر منهم ومن فصائلهم، وسقط من أجلها مئات آلاف الشهداء خلال مسيرة الصراع وما زالوا يسقطون.
ربما سيكون من الصعب جدا ، ان نكتب عن شباب الانتفاضة، وان نعطيهم حقهم ، وإظهار انتفاضتهم بكل أبعادها , فهؤلاء هم شعلة النضال والكفاح من أجل القضية الوطنية، من أجل استعادة الحقوق الثابتة والمشروعة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حق العودة ، لأنهم يدركون ان الشعب الفلسطيني في اماكن اللجوء والشتات عانى ولا يزال مرارة التشرد، وفقدان البيت والممتلكات، وذل العيش في المنافي والمخيمات، وهم اليوم ايضا يدافعون عن الارض والقضية والهوية من خلال دعوتهم لكل الفصائل لتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، وفي صفوف الشعب ومجمل قواه وفعالياته السياسية والاجتماعية، لانهم يعتبروا أن سلاح الوحدة، هو أحد أهم الأسلحة لمعركة المواجهة وتحقيق الأهداف .
ومن هنا نقول للجميع كفى انقساما ، والعمل بحاجة الى الربط الدائم بين الوحدة وضروراتها الوطنية والسياسية، وبين الأسس والقواعد التي يجب أن تبني عليها، فالوحدة يجب ان ترتكز الى القواسم السياسية الوطنية المشتركة.
وفي هذه اللحظات المصيرية نقول ان الشعب الفلسطيني يعاني اليوم من أوضاع صعبة على كافة المستويات ، ونحن نسأل من يقولون انهم نخب وقادة ، هل هذه المرحلة لم تتطلب ممارسة النقد الذاتي والمراجعة الاستراتيجية ، في ظل وجود بعض القيادات المأزومة والفاشلة في الفصائل ، ألم تخجل هذه القيادات من نفسها وهي التي هبطت بالبراشوت ، فهؤلاء لا يمتون الى الشعب بصلة ، فهذه الانتفاضة وشبابها وشاباتها هم من يقررون مصير النضال ، من يناضل ويضحي ويدفع الثمن ويستمر في المقاومة وصون الأهداف وحقوق الشعب الفلسطيني. الشعب الفلسطيني هو من يجب ان يتحمل المسؤولية.
وامام ما تتعرض له فلسطين يأتي ايضا قرار قرار شركة “النايل سات” بوقف بث قناة “المنار” الفضائية على أقمارها الصناعية، وهنا السؤال هل الهدف من اسكات قناة المنار هو اسكات لصوت فلسطين باعتبارها تشكل قناة المقاومة في مواجهة المشروع الصهيو –أميركي الذي يستهدف فلسطين والمنطقة ، فنحن نعلم أن هذه الحرب بدأت تأخذ أنماطا وصورا مختلفة بطريقة عملها ومفاعيلها ونتائجها، فاليوم تحاول بعض الانظمة والدول التبطة بالمشروع الاستعماري تغييب دور الإعلام العربي المقاوم بشكل شبه كامل، لطمس الحقائق عما يجري في فلسطين والمنطقة ، ولكن بنفس الوقت نحن على ثقة بأن قناة المنار ستبقى منارة مضيئة رغم المحاولات لاخماد صورتها وصوتها.
ختاما : لا بد من القول ، ان الجميع على محك الوطنية الحقيقية والإخلاص للقضية وصدق شعارات الدفاع عنها، وتأكيد شرف الانتماء إليها، وذلك بالمباشرة فوراً في استرجاع الوحدة الوطنية وتأكيد وحدة الشعب الفلسطيني وتطوير الانتفاضة من خلال وضع برنامج نضالي بعيد المدى يضع كل إمكانات الشعب الفلسطيني وقدراته في خدمة مواجهة عدو أعلن الحرب المفتوحة عليه، والتخلي عن كل الاتفاقات التي تصب في خدمة العدو، لأن فلسطين تستحق التضحية لأنها في مواجهة خطر وجودي.
بقلم/ عباس الجمعة