بعد مضي عام ونيف على تسلم الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في المملكة العربية السعودية، والذي جاء في ظل أوضاع عربية غير عادية وإستثنائية بكل المقاييس، لا زالت تئن تحت وطأتها المنطقة العربية، من حالة الفوضى والخراب، والفراغ الإستراتيجي، والتنافس الإقليمي، والدولي، المحموم لملئ الفراغ، وتقاسم النفوذ، وصلف إسرائيلي غير مسبوق يستهدف إجهاض عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، والقضاء على الآمال المشروعة للشعب الفلسطيني في الحرية والإستقلال وبناء الدولة وعاصمتها القدس، وتناسخ وتنامي الحركات الإرهابية وإستشراسها في إستهداف حالة الأمن والإستقرار في ربوع المنطقة.
في ظل هذه الأجواء المثقلة بالأعباء الأمنية والعسكرية والسياسية والإقتصادية، تسلم الملك سلمان دفة الحكم، وكثرت التحليلات والتخمينات والتكهنات من المراقبين والمحللين، إلى أين سيتجه بالبلاد؟، وكيف سيعالج هذه المشكلات وملفاتها المتداخلة والمعقدة وكيف سيواجه التحديات الداخلية والخارجية وفي مقدمتها العبث الإيراني في الشأن العربي ؟، الذي إستهدف ضرب نسيج المجتمعات العربية، وإغتيال إستقرارها من الداخل عبر توظيفه الطائفية السياسية بعد أن تسنى له توقيع الإتفاق الدولي 5+1 بشأن إمتلاك الطاقة النووية، محاولاً تثمير مزاياه الإقتصادية في فرض هيمنته وتدخله في أكثر من قطر عربي، كان آخرها اليمن، وما يشكله ذلك من تحدٍ إستراتيجي للمملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي والأمن القومي العربي برمته، فقد كان الموقف الرادع من المملكة العربية السعودية بقيادة الملك سلمان بن عبد العزيز وتشكيل التحالف العربي من أجل المواجهة الحاسمة، وإطلاق (عاصفة الحزم) لتعيد لليمن شرعيته وتضعه على الطريق السوي لإعادة بناء الدولة والمجتمع، وفرض معادلة التوازن بين مكوناته الإجتماعية والسياسية التي سعت إيران لإحداث إختلال فيها تنفذ من خلالها للمس بالأمن القومي العربي عموماً وأمن دول مجلس التعاون الخليجي خصوصاً، فهنا كانت المفاجئة الكبرى للكثيرين من المحللين والمراقبين ولقوى إقليمية ودولية، هكذا جاء القرار الملكي السعودي العربي، ليمثل موقف إحتجاج ساخن على حالة الفراغ الإستراتيجي التي عانت وتعاني منها المنطقة العربية، والرد الحاسم على التطلعات غير المشروعة لإيران وغيرها في العبث في الشأن العربي، وذلك بعد سلسلة من الإجراءات إستهدفت ترتيب الأولويات على المستوى الداخلي أولاً، ثم سلسلة من النشاطات السياسية والدبلوماسية على المستوى العربي والإقليمي والدولي، مكنت للمملكة العربية السعودية أن تكون لاعباً أساسياً في حل مشاكل المنطقة، وإعادة التوازن المفقود إليها، والسعي إلى وضع مبادئ وأسس عمل عربي مشترك، يمثل خارطة طريق للعرب في مواجهة هذه التحديات التي تعصف بدولهم ومجتمعاتهم، وفق رؤيا سياسية إقتصادية وأمنية وعسكرية وفكرية تنهي حالة الفراغ الإستراتيجي في المنطقة وتضع حداً لعبث القوى الإقليمية والدولية في الشأن العربي، واليوم في زيارة الملك سلمان التاريخية والذكية لمصر العربية، وما نتج عنها من إتفاقات إقتصادية وجيوسياسية وأمنية وعسكرية وفكرية، تتضح وتتبلور معالم رؤيا الملك سلمان بن عبد العزيز الإستراتيجية في معالجة ومواجهة التحديات التي تهدد الوجود العربي دولاً ومجتمعات، وإن العارف بتاريخ المملكة العربية السعودية ومواقفها الثابتة من القضايا العربية المختلفة، والعارف أيضاً بتاريخ الملك سلمان شخصياً، الذي عاصر القضايا العربية على مدى أزيد من ستة عقود خلت، يعرف أن هذا الملك صاحب تاريخ حافل بالممارسة بالحكم والسياسة، ويمتلك رؤيا إستراتيجية وطنية وعربية وإسلامية ودولية، تمكنه من توظيف إمكانيات المملكة أولاً وإمكانيات العرب ثانياً المادية والبشرية في مواجهة هذه التحديات، وحسم المعركة معها لصالح الأمن والإستقرار والنماء والوحدة للمجتمعات والدول العربية ولن يتوانى عن بذل أي جهد ممكن في سبيل تحقيق غاية الإنتصار للوطن والمواطن وللشعب وللأمة العربية والإسلامية على السواء، والإنتصار لصالح الأمن والإستقرار والسلام والنماء على مستوى العالم.
هذه ملامح رؤيا الملك سلمان حفظه الله.
بقلم/ د. عبد الرحيم محمود جاموس