منذ أن أعلن جون كيري، وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، في 24/10/2015، عما سمي بتفاهمات بشأن المسجد الأقصى، والتي تضمنت بشكل رئيسي تركيب كاميرات لتراقب على مدار الساعة جميع ساحات المسجد التي تقع على مساحة 144 دونما للوقوف على الانتهاكات التي تحدث في المسجد الأقصى، منذ ذلك الحين والإجراءات تتسارع باتجاه تنفيذ هذه الخطوة، والتصريحات تتباين بخصوص من المستفيد من هذه الخطوة في ظل التشكيك الكبير في نوايا الجانب الأردني والأمريكي وترحيب كيان يهود، وفي ظل حقيقة كون السيطرة الحقيقية على المسجد الأقصى هي لكيان يهود، والتوقيت الذي جاءت فيه هذه الخطوة.
والحقيقة أنّه بالرجوع إلى الخلفية التي جاء على أساسها الاجتماع الذي أقر هذه التفاهمات، وترحيب كيان يهود بهذا القرار، بل وخروج تصريحات تقر بأنّها مصلحة لهم، فضلا عن التاريخ المشهود للنظام الأردني في التفريط والتخاذل عن نصرة المسجد الأقصى، وغيرها من الأمور، بالرجوع إلى كل ذلك لا يمكن أنّ يخرج المتابع إلا بنتيجة مفادها أنّ هذه الخطوة هي مؤامرة جديدة على فلسطين وأهلها، وعلى المسجد الأقصى والمرابطين فيه، والناشطين الداعين إلى الصمود وعرقلة مشاريع التفريط والتنازل. وهذا هو البيان:
أولا: تفاهمات كيري التي أعلنها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في 24/10/2015 جاءت ضمن جهد دبلوماسي لاحتواء الانتفاضة الشعبية التي انطلقت مطلع ذلك الشهر في مدينة القدس بالتحديد رفضا للانتهاكات اليهودية المتواصلة للمسجد الأقصى وسخطا على فكرة التقسيم الزماني في المسجد الأقصى المبارك والتي كان يهود يسيرون في محاولة فرضها على قدم وساق، إذ بدأت بتصدي المرابطين المتواصل، نساء ورجالا، للمستوطنين وطقوسهم التلمودية في المسجد الأقصى المبارك، وارتفاع وتيرة المواجهات والعربدة اليهودية مما قاد إلى تسخين الأجواء والظروف على نحو شكل بيئة خصبة لاندلاع هبة شعبية، في انتفاضة سميت بانتفاضة السكاكين والتي سرعان ما انتشرت في باقي مناطق الضفة الغربية لتضع يهود ومن والاهم في تحد كبير يعجزون لغاية الآن عن اجتيازه.
ثانيا: لقد بقي المسجد الأقصى المبارك ونشاط المرابطين فيه، والناشطين العاملين في باحاته وبين رواده وأهله، بقي مؤرقا لكيان يهود والأنظمة الموالية له، وعلى رأسها المملكة الأردنية، حيث رصد يهود في تقارير عدة لهم حجم التعبئة الفكرية والسياسية التي تنطلق من المسجد الأقصى رفضا للتنازل والتفريط والتطبيع، ورصدت الأنظمة العميلة حجم السخط المتنامي على سياساتهم ومواقفهم المخزية تجاه المسجد الأقصى وفلسطين، حتى انعكس ذلك ردات فعل عبرت عما استقر في وجدان أهل القدس والمرابطين حينما قاموا بطرد وزير الخارجية المصري أحمد ماهر عام 2003 وضربه بالأحذية، وطرد وزير أوقاف السلطة الفلسطينية السابق، محمود الهباش عام 2014 وضربه بالأحذية والبيض، ومؤخرا ضرب وطرد قاضي القضاة الأردني أحمد هليل ومنعه من إكمال خطبة الجمعة في منتصف 2015.
ولقد شاهد يهود والأنظمة النشاطات التي خرجت من المسجد الأقصى وباحاته حينما صدحت الحناجر وعلت الأصوات تنادي الجيوش وتطالب أهل القوة بالتحرك لتحرير المسجد الأقصى وفلسطين، وتدعو للخلافة، ولأنهم يعلمون رمزية المكان بالنسبة للأمة والجيوش، وحساسية الموقف، بات ذلك يقض مضجعهم، ويلح عليهم بضرورة إيجاد حل لهذه المعضلة.
ثالثا: الانتهاكات والعربدة اليهودية متواصلة على المسجد الأقصى والمرابطين فيه منذ سنوات، ومن قبلها الحفريات التي تقوض أساساته وتكاد تؤدي إلى انهياره، وكل ذلك يحدث في ظل ما تسميه الأردن بالسيادة الهاشمية على المسجد الأقصى وحالة "الاستاتيكو"، وهو ما لا يدع مجالا للشك بأن تحمس الأردن وتحركها نحو تركيب كاميرات مراقبة لا يمكن أن يكون لحماية المسجد الأقصى أو أهله، إذ إنّ هذه الخطوة أتت بعد أن تأذى يهود بشكل كبير وبات أمنهم الداخلي على المحك في ظل هبة يعرفون أسبابها ولكن لا يعرفون حلا لها. فخطوة تركيب الكاميرات لم تأت بعد تأزم محنة أهل فلسطين والقدس بل بعد أن وقع يهود في حيص بيص واحتاروا في أمر الهبّة التي انطلقت ولم يقووا على إيقافها رغم التعاون الكبير من قبل السلطة الفلسطينية معهم.
رابعا: إن تركيب الكاميرات يأتي في منطقة تخضع للسيطرة الكاملة ليهود، فهم القادرون على الاستفادة منها وتوجيهها وإيقافها متى شاءوا، فهي بغرفة تحكم تتحكم بها دولة يهود طبيعيا بحكم سيطرتها على المسجد الأقصى، وإنّ ترحيب يهود بهذه الخطوة لهو أعظم برهان على كونها مصلحة لهم.
خامسا: لم تكن مشكلة فلسطين وأهلها يوما ما في القدرة أو العجز عن توثيق الانتهاكات والجرائم التي يرتكبها يهود بحقهم، فقد أحرق يهود غزة عام 2008، أمام أعين الكاميرات، وما زالوا يعدمون النساء والأطفال بدم بارد أمام الكاميرات والعالم، وهم من قبل ذلك احتلوا فلسطين أمام العالم وبمساعدته، فهل سيطال التوثيق معجزة من الآن فصاعدا أو يصبح سحرا يحل المشكلة وينهي جرائم يهود!!
والحقيقة أنّ كون هذه الخطوة هي لخدمة يهود والأنظمة العميلة سعيا منهم للسيطرة على الأحداث في المسجد الأقصى والمرابطين والناشطين الداعين من باحاته، ليس أمرا يصعب إدراكه، بل إن وسائل الإعلام قد تناقلت تصريحات عن مسئولين يهود جاء فيها "هذا الاتفاق يصب في مصلحة إسرائيل، لأنه من خلال هذه الكاميرات سيتم توثيق الإخلال بالأمن الذي يقوم به الجانب الفلسطيني". وكذلك حذّر الشيخ رائد صلاح - رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني - من تبعات تركيب كاميرات المراقبة، وعبّر عن تخوفه من أن يد الاحتلال ستمتد إلى هذه الكاميرات، وطالب وزارة الأوقاف الأردنية بإعادة النظر في تركيبها. بل وذهبت مؤسسة "القدس الدولية" إلى القول بأن تركيب المملكة الأردنية للكاميرات في باحات المسجد الأقصى يُظهِر أن المشكلة تكمن في مراقبة وتوثيق اقتحامات المستوطنين وقوات الاحتلال للمسجد، في حين إن المشكلة في الأساس هي بالسماح باقتحام الأقصى وليس في توثيقها فقط.
نعم، هذه هي حقيقة هذه الخطوة، فهي مكيدة جديدة للمسجد الأقصى والمرابطين فيه، لا سيما الناشطين والداعين إلى رفض التنازل والتفريط، والمطالبين بتحرك الجيوش وإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. لذلك كان حريا بكل المخلصين والمرابطين التصدي لهذه الخطوة والعمل على إفشالها بكشف المؤامرة وفضح القائمين عليها، لتعود الأمور عليهم بالحسرة من جديد حتى يأذن الله فيهيئ لهذه الأمة خليفة يجرد جيشا يطهر الأرض المباركة من رجس يهود ويعيد الحق لأهله كاملا.
بقلم: المهندس باهر صالح*
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين