الهوية الوطنية الفلسطينية

بقلم: صلاح صبحية

في لحظة المواجهة وكل أوقاتنا لحظات مواجهة مع عدونا الصهيوني، لكن لحظة المواجهة الأهم هي مع ذاتنا، فنحن قد تعثرنا وفشلنا في كل لحظات المواجهة مع العدو الصهيوني، فعدونا في حالة تقدم مستمر على الأرض، يضرب بنا ذات اليمين وذات الشمال غير عابىء بردة فعلنا عليه، وغير عابىء أيضا بأي ردة فعل دولية عليه، لأنه يدرك جيدا أن الفعل على الأرض لا يصده إلا الفعل المقابل على الأرض، فكيف إذا كان الفعل المقابل على الأرض غائبا بمكوناته الأساسية، تخطيطا وتنفيذا وأداة، لأن ذلك يستند إلى مواجهة حقيقية مع ذاتنا، هذه المواجهة الغائبة غيابا مطلقا بسبب قصور واضح منا، فنحن لم نملك ومنذ انطلاقة الثورة الفلسطينية الجرأة الكاملة لنقف مع ذاتنا ونمارس عملية مصارحة ومكاشفة وتقييم لكل مراحل نضالنا وكفاحنا، هي لحظة هامة جدا إن لم نقدم عليها الآن ونبقى ندفع بها إلى المستقبل فهذا يعني أننا مستمرون في تدمير ذاتنا وتدمير وجودنا على أرضنا التي يبلعها الاستيطان فاقدا أياها هويتها الوطنية الفلسطينية.

ومن أهم الوقفات المطلوبة مع الذات هي تحديد هويتنا الوطنية الفلسطينية، هل هي هوية السلطة الوطنية أم هي هوية منظمة التحرير الفلسطينية أم هي الهوية الفصائلية، أم هي الهوية الشعبية الفلسطينية، فإذا استطعنا أن نحدد هويتنا الوطنية بكل جرأة وعلاقتها بكافة الهويات الأخرى فأننا سنملك القدرة للانتقال إلى الخطوة التالية.

الهوية الوطنية يجب أن تكون هوية الكل الفلسطيني المعبرة عن الوحدة الوطنية الفلسطينية أرضا وشعبا لأن الوطن هو الأرض والشعب معا، وهذا يعني أنه لا يمكن لأي جزء من الوطن أن يكون هو كل الوطن، فلا يمكن لأي فصيل فلسطيني مهما كان حجمه كبيرا ومهما كان فعله على الأرض أن يكون هو الهوية الوطنية لكل الشعب الفلسطيني ، وبالتالي لا يمكن للهوية الفصائلية أن تكون هي الهوية الوطنية لكل الشعب الفلسطيني ،

ولأن الهوية الوطنية هي هوية الكل وليست هوية الجزء، فإن هذا يضعنا أمام حقيقة واضحة بأن هوية السلطة الوطنية في الضفة والقطاع لا يمكن أن تكون أيضا هي الهوية الوطنية الفلسطينية لكل الشعب الفلسطيني، لأن السلطة الوطنية هي سلطلة على جزء من الشعب الفلسطيني يقيم على جزء من الأرض الفلسطينية، كما أن هوية السلطة الوطنية مرهونة بقرار العدو الصهيوني، فجواز السلطة بالرقم الوطني لا يمكن منحه إلا بموافقة العدو الصهيوني، كما أن جواز السلطة الخالي من الرقم الوطني لا تتعامل معه غالبية الدول وفي مقدمتها الأردن الذي هو بوابة العبور الفلسطيني نحو الوطن العربي.

كما أن الهوية الشعبية الفلسطينية من خلال انتفاضاتها المتلاحقة لا يمكن أن تكون هي الهوية الوطنية الفلسطينية، لأن الحراك الشعبي الفلسطيني هو هوية نضالية تعبر عن حالة الشعب تحت الاحتلال، وهذة الحالة النضالية بحاجة إلى هوية وطنية فلسطينية تعبر عنها اقليميا ودوليا.

أما هوية منظمة التحرير الفلسطينية فهي الهوية الوطنية الفلسطينية لكل الشعب الفلسطيني، وهذا ما أكده النظام الأساسي للمنظمه في بنده الرابع الذي يؤكد أن الفلسطينيين جميعهم أعضاء طبيعيون في المنظمة، كما أن المجالس الوطنية الفلسطينية المتعاقبة أكدت على أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني، وقد أكدت مؤسسةالقمة العربية على ذلك، والذي أدى إلى وقوف رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الشهيد ياسر عرفات على منبر الجمعية العامة في شهر تشرين الثاني عام 1974 ممثلا للهوية الوطنية الفلسطينية المجسدة بمنظمة التحرير الفلسطينية التي أصبحت عضوا مراقبا في هيئة الأمم المتحدة، هذه المنظمة التي أصبحت هي الكيان السياسي والوطن المعنوي للشعب الفلسطيني والعنوان السياسي الفلسطيني الذي تتعامل معه معظم دول العالم، هذه المنظمة الذي جسدت النقيض الرئيس للمشروع الاستعماري الصهيوني الاستيطاني على أرض فلسطين، وهي المعنية رسميا عربيا واقليميا ودوليا بكل الشأن الفلسطيني، ولأن منظمة التحرير تمثل الهوية الوطنية الفلسطينية اشتدت عليها الهجمة الأمريكيه الصهيونية في كافة الميادين.

وبكل أسف فأن منظمة التحرير الفلسطينية والتي تمثل الهوية الوطنية الفلسطينية لم يحسن الفلسطينيون التعامل معها كهوية وطنية، إذ اعتبرها البعض وهو داخل مؤسساتها بأنها منظمة ائتلافية بين الفصائل الفلسطينية، وتعامل البعض الآخر معها دون التمييز بينها كوطن معنوي وبين قيادتها، فراحوا يهاجمون المنظمة متناسين حجم التضحيات الذي دفعه شعبنا لتجسيد هذه الكينونة الوطنية على المستوى الدولي.

وإذا كانت منظمة التحرير الفلسطينية هي الهوية الوطنية الفلسطينية فهذا لا يعني أن مؤسسات المنظمة ليست بحاجة إلى تفعيل وتطوير , بل أن الوضع الفلسطيني اليوم يتطلب مواجهة جريئة مع الذات لإعادة الاعتبار للمنظمة كونها الكيان السياسي والوطن المعنوي لكل الشعب الفلسطيني وذلك بالإسراع إلى إعادة تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني بالصيغة الممكنة والمتاحة فلسطينيا وعربيا، وانعقاد المجلس الوطني بدورة عادية تؤسس لمرحلة فلسطينية جديدة تخدم أهداف النضال الفلسطيني الذي انطلقت من أجلها الثورة الفلسطينية.

2016/5/4. صلاح صبحية