ثمة جملة من التساؤلات والملاحظات التي تتعلق بالمشهد السياسي الفلسطيني، وهي تساؤلات حاضرة منذ عقود، ومحورها الرئيسي لماذا لم تتوقف القيادة الفلسطينية امام تقييم المرحلة ومراجعة تلك الحقبات ونتائجها السياسية من خلال عقد دورة للمجلس الوطني الفلسطيني باعتباره يشكل مفصلاً في قضية الشعب الفلسطيني،علما ان كافة القوى والفصائل والاحزاب الفلسطينية ما زالت في مرحلة النضال الوطني ، وهي ما زالت تقاوم الاحتلال الصهيوني وقطعان مستوطنيه ، وما زال الشعب الفلسطيني يواصل نضاله من خلال انتفاضته الباسلة التي يقودها شباب وشابات فلسطين الذين يرسمون بدماء شهدائهم خارطة الوطن الفلسطيني، حيث استطاعت وضع القضية على جدول الاهتمام العالمي، ولكن قد تطرأ علينا مبادرة فرنسية وهنا نتوقف لنقول لكل المرحبين بهذه المبادرة هل هناك أمل عندهم من مؤتمر فرنسا الدولي، وما جدوى التركيز على مواقف وطروحات ومبادرات لإيجاد حلول لقضية الصراع .
ان الواقع يستدعي العمل على دعم الانتفاضة الفلسطينية والتمسك بخيار المقاومة مع العمل على تدويل القضية الفلسطينية من خلال عقد مؤتمر دولي في الامم المتحدة لمطالبتها بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة اي حق العودة وتقرير المصير واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس ، وخاصة بعد ان فشلت ما يسمى المفاوضات على مدار 23 عاماً دون اي نتيجة تذكر سوى زيادة العدوان والاستيطان .
ان ما تحمله المبادرة الفرنسية يضع مستقبل القضية الفلسطينية امام المجهول ، والهدف من لقاء باريس الدولي هو العودة الى مفاوضات مباشرة مع إسرائيل ، وهذه لعبة ضارة حتى في حدودها التكتيكية، ففلسطين لم تعد تحتمل مبادرات بعد 68 عاما من النكبة ، الانتفاضة اليوم هي احد الادوات النضالية للشعب الفلسطيني ، والهدف الفلسطيني اليوم هو الحرية والاستقلال واقامة الدولة الفلسطينية وعودة اللاجئين الى ديارهم وفق القرار الاممي 194 ، ومن هذا المنطلق نرى في الانتفاضة هي اهم الادوات في تحقيق هذه الاهداف، وبالمعنى العام فأن الانتفاضة اعادت الاعتبار والمكانة للقضية الوطنية الفلسطينية بعد ان تعرضت للتراجع في ظل الاحداث والتطورات في المنطقة وعلى المستوى الدولي، هذا فضلا عن كونها اداة اساسية في عرقلة هجمة الاستيطان في ظل النجاحات التي سجلتها في ردع المستوطنين واعتداءاتهم والحاق الخسائر بهم، وهذا يقودنا لادراك ضرورة الاستهداف المباشر للمستوطنين والمستوطنات باعتبارهم احد ادوات الاحتلال لاستلاب الارض الفلسطينية، ارتباطا بالتوصيف الذي نراه للمشروع الصهيوني كمشروع استيطاني احلالي يهدف لتفريغ الارض من اصحابها الفلسطينيين واحلال المستوطنيين مكانهم بقوة السلاح والقهر والقتل الذي يمارسه العدو يوميا.
ومن موقعنا نرى ضرورة استنهاض الطاقات من خلال دعم صمود الشعب الفلسطيني الا يكفي الاسيرة الطفلة البطلة ديما الواوي التي شكلت بصمودها حيوية ونهضة وتجدد جيل اطفال الحجارة ، وحتمية انتصار شعبنا على كافة المحاولات لتسكينه واجباره على القبول بالاستسلام.
ان جبهة التحرير الفلسطينية التي تناضل في اطار الحركة الوطنية الفلسطينية ، لقد تميزت مواقفها بالصراحة والالتزام الدائم بالمصلحة الوطنية الفلسطينية العليا وبما تراه صائباً وصحيحاً دون أن تجعل من رأيها وموقفها معياراً وحيداً للحقيقة أو شرطاً عليها ، فهي حريصة ووفية لوحدة شعبها وحريته واستقلاله قبل أي شيء آخر ، لأن مسيرتها الكفاحية الطويلة وصلابتها وجهدها بتطوير هويتها النضالية والنظرية والسياسية وخاصة في هذه اللحظات الحاسمة التي مرت بها الثورة الفلسطينية في تقريب الآراء وتوحيد الصف وتحديد الوجهة لموقف يمثل ضرورة وطنية وحاجة سياسية فلسطينية أولاً وقبل كل شيء، والتعهد بالوفاء لمتابعة المسيرة حتى غايتها المنشودة.
وامام هذه الظروف نشدد على ضرورة مشاركة مختلف القوى والشخصيات والفعاليات على تعزيز وحدة الصغ الفلسطيني ، لأن هذا النهج الوحدوي الوطني العميق والراسخ في فكره وممارسته سيشكل استنهاض طاقات الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال ، اضافة انه سيمثل العلاقة الجدلية بين الوطن الفلسطيني والقومي العربي ،وهذه العلاقة التي كان يركز عليها الشهيد القائد الامين العام لجبهة التحرير الفلسطينية ابو العباس، باعتبارها تشكل النهج بتكامله وعلاقة عناصره الجدلية ، ولهذا يجب التركيز على ذلك لقناعتي الراسخة بأن ابراز هذه العناصر في رؤية تشكل رسالة لواقعنا الراهن والمستقبل وتحديد معسكر الاعداء ، ونحن ندرك ان المسعى الامريكي ومسعى القوى الامبريالية اليوم هو اجهاض الانتفاضة، وابقاء شعبنا تحت ربقة الاحتلال الذي يرفض اعطاء أي افق لقيام الدولة الفلسطينية وعودة اللاجئين ، ورؤيتنا لمواجهة هذه التحديات هي توحيد البيت الفلسطيني من خلال انهاء الانقسام وفق وتطبيق اتفاقات المصالحة ا ورسم استراتيجية وطنية ترتكز على التوصيف الدقيق لطبيعة الصراع مع العدو الصهيوني، وعلى طرح برنامج وطني جامع يضمن استفادة الشعب الفلسطيني من كافة الوسائل في كفاحه ضد الاحتلال، اضافة الى الحشد الدولى والعربي المؤيد للانتفاضة والذي من شأنه تشكيل صمام امان اضافي وعنصر دعم حقيقي لشعبنا المنتفض.
لهذا ارى حتى يكون كلامي واضحاً والنصيحة كما يقال بجمل أعود للذاكرة لتذكير ان القرارات الصائبة الذي اتهذها المجلس المركزي الفلسطيني في دورته الاخيرة ، ممكن ان تسهم في رسم استراتيجية وطنية وفي حماية منظمة التحرير الفلسطينية ومشروعها الوطني وبتعزيز المقاومة والانتفاضة والحراك الدبلوماسي .
ختاما : لا بد من القول ، على الجميع مواصلة الجهد مع كل القوى العربية الحية في مواجهة المشروع الامبريالي في المنطقة، والذي يستخدم اليوم الادوات الارهابية والتكفيرية في سعيه المستمر لتفتيت شعوب المنطقة لضمان سيطرته عليها واخضاع شعوبها، بهدف واضح وهو وقف الاحتراب وحمام الدم الطائفي واعادة تصويب البوصلة نحو فلسطين ونحو المعركة الاساسية وهي التصدي للاستعمار ومنظومة الهيمنة الامبريالية، وهذا يتطلب العمل على قيام جبهة شعبية عربية تضم كل القوى والاحزاب التقدمية واليسارية والقومية العربية، وتجميع القوى كلها في اسستعادة البوصلة باتجاه فلسطين ،لاستكمال المسيرة الكفاحية والنضالية حتى انتزاع حقوق شعبنا وهزيمة المشروع الصهيوني والاستعماري، من خلال القيام باوسع حملة دعم وتضامن لنضال الشعب الفلسطيني وانتفاضته من اجل حرية واستقلال فلسطين ووطننا العربي.
بقلم/ عباس الجمعة