المشروع الأمريكي للمنطقة منذ العدوان على حزب الله في لبنان في تموز /2006 وهو يستهدف فك علاقة سوريا بايران وحزب الله ولكن فشل الحرب العدوانية في كسر وتطويع قوى المقاومة أفشل هذا المشروع،دون ان يعني ذلك تخلي امريكا عن مشاريعها في المنطقة،والرهان على حلفائها في تلك المنطقة أيضاً لكسر الحلقة السورية أو على الأقل تحييدها،ولتجد واشنطن فيما يسمى ب"ثورات الربيع " العربي فرصتها مجدداً بإستهداف سوريا كونها الحلقة المركزية وواحدة من ركائز ودعائم المشروع القومي في المنطقة،وعليها يتقرر مصير الاقليم سلبا أو ايجاباً،فكانت الحرب الكونية على سوريا بمشاركة دولية واقليمية وعربية،والهدف واضح ومحدد اعادة انتاج هوية وبنية وتوجهات الدولة السورية تمهيداً لنقلها من محور الى محور او على الأقل تحييدها من خلال الدفع بالعديد من ما يسمى بجماعات المعارضة للمشاركة في بنية الدولة كعامل تعطيل وبما يمهد لوجود فرصة تسمح بتغير هوية الدولة السورية.ولذلك معركة حلب ،هي معركة دولية واقليمية،تحشد فيها الكثير من القوى المتعارضة المصالح والنفوذ والبرامج والإستراتيجيات،فعلى نتائج معركة حلب تتقرر مصائر النظام السوري وما يسمى بالقوى المعارضة ومواقع اللاعبين الرئيسيين والثانويين في المنطقة،والأهم مصير محور قوى المقاومة والممانعة ومكانته ودوره في المنطقة والإقليم،ولذلك اذا كان المطلوب تقسيم حلب الى مناطق نفوذ وخطوط تماس فلتكن الحرب وليشتعل الاقليم والعالم،ومن بعد ذلك فيلكن الطوفان.
موقف المراوغة والخداع والتضليل الأمريكي بات مكشوفاً،ولم يعد ينطلي على احد وساعة الحقيقة ازفت،فأمريكا عليها ان تحسم امرها،فالمواقف الخجولة والمتناقضة لن تقود الى انطلاق عملية سياسية في سوريا،والتهديد للنظام السوري بمنع استكمال معركة حلب لن يجدي نفعاً فالقيادة السورية بعد خمس سنوات من الصمود في الميدان وإستعادة الكثير من الجغرافيا السورية لن تقبل أن تمرر أي صفقة دولية او إقليمية،تضمن بقاء جيب تركي في سوريا تحرسه جماعات إرهابية،وهي مستعدة لخوض المعركة حتى النهاية حتى لو إشتعل الإقليم والعالم،وهي لن تفرط بسيادة الدولة السورية وكرامتها وهويتها.
الذين إنسحبوا من محادثات جنيف وأشعلوا العدوان في حلب،يريدون تغير قواعد الهدنة في سوريا،والإلتفاف على القرار الأممي 2254،وعدم إحترام والإلتزام بالتفاهمات الروسية – الأمريكية بشأن سوريا،فهم يريدون من هذا التصعيد والأعمال العدائية والإجرامية تعديل التصنيف للجماعات الإرهابية،بحيث لا تشمل جبهة النصرة،وان يتم شمول مناطق نفوذها بالهدنة،وعدم الفرز بينها وبين الجماعات والفصائل المسلحة "المعتدلة"،وفوق ذلك كله بأن لا يكون الرئيس السوري جزء من العملية السياسية،فجل هدفهم وضع سوريا تحت الإنتداب الدولي وتعيين رئيس من خارج سوريا لها،كما حدث في العراق بعد إحتلاله عام (2003)،حيث نصب "بريمر" الأمريكي حاكماً عسكرياً على العراق.
روسيا في هذا الشأن موقفها واضح وجلي،وهي تريد حماية الهدنة وفق احكامها،وهي مصممة على مسار العملية السياسية وفق تفاهماتها،وانه لا مكانة لتركيا او أي جيب او منطقة آمنة لها تحرسها جماعات الإرهاب ،وأي شمول للنصرة بالهدنة أو إعادة النظر في تصنيف الجماعات الإرهابية بما يشرعن "جبهة النصرة" هو نسف لكل المفاهيم على الإرهاب،وتميهداً للقبول بتقسيم سوريا.
أمريكا تعيش مواقف متناقضة فهي من جهة لا تريد ان تفرط بالتفاهمات التي انجزت مع روسيا وايران وبالمقابل لا تريد التفريط بحلفائها في المنطقة وعلى وجه الخصوص تركيا والسعودية،الضاغتين بشكل قوي عليها لإنهاء الهدنة وحماية جبهة "النصرة" ذراعهما واداتهما التخريبية الأولى في سوريا،وهي من تجعل لهما دوراً في العملية السياسية بشان سوريا،ولذلك المطلوب من واشنطن موقف حاسم يعبّر عن الوفاء بالتعهدات التي تمليها التفاهمات بالضغط لجلب حلفائها إلى الموقف المتفق عليه تجاه حنيف أو الهدنة،وأن الخروج من الهدنة يضع الواقفين مع «النصرة» في صفها، وعندئذٍ روسيا تتكفل بالباقي.
معركة حلب،هي معركة الحسم وتحديد الإتجاه والوجهة،وعليها يتوقف صوغ تحالفات وتفاهمات المنطقة باكملها،هي معركة إقليمية ودولية بإمتياز،ولهذا السبب وغيره،كان تاخير معركة تحرير حلب وتطهيرها من دنس الإرهاب،من اجل ان تستجمع سوريا حول موقفها اكبر عدد من الحلفاء الإقليميين والدوليين،ولذلك اعطت القيادة السورية روسيا اوسع هامش للمناورة في السياسة والميدان: سحب جزء من القدرات العسكرية الروسية،قبلت بوقف العمليات القتالية في ريف حلب في ذروة تقدمها، تجميد عملياتها في ريف درعا... .
ما أفقد واشنطن وتوابعها العرب والإقليميين توازنهم ،واخرج الجماعات الإرهابية عن طورها وادخلها في حالة من الفزع والخوف والإنهيار،هو تحرير تدمر والقريتين. فواشنطن كانت تعتقد بان تدمر ستكون مقبرة للجيش السوري،او انها ستدخله في حرب استنزاف طويلة،مما يعطيها الوقت الكافي للمناورة والمشاغلة في قضية التصنيف بين "جبهة النصرة" كقوة إرهابية والجماعات المتداخلة معها من ما يسمى "أحرار الشام و"جيش الإسلام. ولكن عملية تحرير تدمر وإنهيار "داعش" حدثت خلال أقل من شهر،وبات الحديث والأعين تتجه نحو معاقل "داعش" الرئيسية في الرقة وإدلب ودير الزور،مترافق ذلك بقرار عراقي وبمشاركة الحلفاء من امريكان وغيرهم في عملية تحرير الموصل وباقي الأراضي العراقية من "داعش"،ولكن امريكا ألغت وتخلت عن كل خططها في هذا الجانب،أي انتقلت من الخطة (أ) الى الخطة (ب)،فكل جهود ومخططات واشنطن وحلفائها السعوديين والأتراك ذهبت وتذهب ادراج الرياح في سوريا،حيث الجيش السوري في الميدان يقرر نتائج مؤتمر جنيف والعملية السياسية،وأصبح من الضروري الإستثمار في "جبهة النصرة" وتوابعها ومتفرعاتها من "احرار الشام"،جيش الإسلام" وغيرها من متفرعات القاعدة من ألوية وكتائب لإعادة ضبط حركة الجيش السوري وحلفائه على الساعة الأمريكية. حيث وجدنا ألآف الإرهابيين ومئات اطنان الأسلحة والصواريخ الحديثة تتدفق من تركيا على حلب،في عملية منسقة ومرتبة بين امريكا وفرنسا وبريطانيا والسعودية وتركيا واسرائيل،وجرى إسقاط وقف العمليات العدائية في حلب.
وجاء الرد السوري على تلك الخطوة،خطوة تدمير حلب وإشعال النار فيها،بالقبول ب"التهدئة" مع استثناء حلب منها،بما يؤكد على مصيرية ومحورية معركة حلب،على اعتبار ان حلب هي "عش الدبابير" و"الأفاعي" فقطع رؤوس تلك الأفاعي ونبش "عش الدبابير" ودعسها،سيجعل أفق التهدئة في كامل سوريا وليس العكس،ولذلك رفضت سوريا المماطلة والتسويف من قبل أمريكا وحلفائها،واعطت مهلاً لتهدئة في حلب لمدة لا تزيد عن (72 )، وإمكانية التجديد لمرة او اكثر،ومن بعد ذلك ستفتح أبواب جهنم على الجماعات الإرهابية من اجل إجتثاثها،والقيادة السورية تدرك تماماً بأن قصف المدنيين والمشافي والجامعات وغيرها، هو للضغط وتهديد القيادة السورية بالكلفة العالية بشرياً وعمرانياً لمعركتها،وهي من خلال وسائل إعلامها الماجورة والسيطرة على الفضاء الإعلامي،تستطيع تأليب الرأي العام العالمي والعربي والإسلامي عليها،بما يكبل قدراتها على إستخدام أسلحة الطيران والمدفعية بكامل طاقتها في المعركة،وبما يدخل الجيش السوري في معركة إستنزاف طويلة،ولكن المواطن الحلبي مستعد لتحمل هذه المعركة مقابل الخلاص النهائي.
معركة حلب لا مناص قادمة،وهي من تحدد الوجهة والإتجاه،ولن تقبل القيادة السورية بان تبقى حلب خارج السيطرة السورية،او وكراً وجيباً لتركيا تحرسه جماعات إرهابية،تعبث بأمن سوريا وتمنع إستقرارها وعودة الحياة الطبيعية إليها،وحلب لن تتحول الى خطوط تماس ومناطق نفوذ وأمراء حرب ومحميات... ولذلك القرار بالذهاب إلى معركة حلب جاهز وقيد التنفيذ،مهما كانت العواقب،فالتحضيرات التي أنجزت كافية لحرب إقليمية واسعة،ثقوا بقيادتكم وجيشكم الذي يدير معركة عقول وإرادات لا تقل ضراوة عن جحيم ميادين المعارك، إنما النصر صبر ساعة.
بقلم :- راسم عبيدات
القدس المحتلة – فلسطين
7/5/2016
0524533879
[email protected]