تموين، شئون اجتماعية، بطالة، كابونة، مساعدات طارئة .... الخ ..... مسميات مختلفة والجوهر واحد فكلها تقع تحت يافطة "الإغاثة" والتي عهدها شعبنا الفلسطيني منذ العام 1948 وحتى يومنا هذا. صحيح أنه لا يمكن لأذى عاقل أن ينكر ما عاناه وما يعانيه شعبنا الفلسطيني من حرمان وفقر وبطالة وحاجه ماسة لأبسط الاحتياجات الأساسية، ولكن بصدق وأمانة وموضوعية ألا تروا معي بأن هذه "الإغاثة" قد خلقت لدى مجتمعنا الفلسطيني ثلاث ثقافات : ثقافة الكسل، وثقافة التسول، وثقافة الكذب، وهى ثقافات لو انتشرت في دول كبيرة فإنها ستكون كفيلة بتدميرها، فما بالكم، مع شديد الأسف، وأقولها بألم ومرارة، في انعكاساتها السلبية على مجتمعنا الفلسطيني الذي يقبع تحت الاحتلال والذي يسعى إلى نيل الحرية والاستقلال ؟؟؟!! .... أما الأهم، ألا تروا معي أن أعداد الأسر التي تتلقى مساعدات اغاثية إنما هي في تزايد مستمر ؟؟؟!!! .... ألا تروا معي أن معدلات البطالة تزداد عاما بعد عاما؟؟؟!!! ألا تروا معي أن مستويات الفقر تتفاقم عاما بعد عاما؟؟؟؟!!!!
لقد قلت هذا الكلام في احد اللقاءات مع ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وحذرت من المخاطر الجسيمة التي سترتب على مجتمعنا الفلسطيني في حال استمرار مسلسل "الإغاثة"، فيما أكدت بالمقابل على أن من يريد أن يقدم الدعم والمساعدة والمساندة والمؤازرة الحقيقية لشعبنا فعليه أن يقدم لنا "مساعدات تنموية" كمرتكز أساس للمحافظة على كرامة الإنسان الفلسطيني كقيمة حقيقية وليس مجرد رقم، ولخلق مجتمع فلسطيني محترم قائم على العمل والأمل ، مجتمع فلسطيني قادر على التصدي الحقيقي والفاعل لمظاهر الكسل و التسول والكذب، مجتمع فلسطيني قادر على مواجهة أو حتى التقليل من أفتي الفقر والبطالة التي تنخر في جسدنا الفلسطيني، مجتمع فلسطيني قائم على العمل التنموي المستدام، مجتمع فلسطيني قائم على التمكين الاقتصادي والاعتماد على الذات، مجتمع فلسطيني قادر على تصويب المسار تجاه تحقيق أهدافه على طريق الحرية والاستقلال ..... الخ
بكل أمانه وصدق ، فأنا أشعر ببارقة أمل، فحسب وزير الشئون الاجتماعية إبراهيم الشاعر ، فقد تم إصدار مرسوم رئاسي من قبل الرئيس محمود عباس بتاريخ 12 ابريل يقضى بتغيير اسم وزارة الشئون الاجتماعية إلى وزارة "التنمية الاجتماعية". أن يكون لدينا توجهات تنموية فهذا شئ في غاية الأهمية، وهى بداية مبشرة واعدة من وجهة نظري على الأقل، ولكن أقولها وبمنتهى الصراحة فإن مجرد تغيير المسميات وبقاء المسألة في دائرة الكلام لن يضمن لنا تحقيق توجهاتنا التنموية، فالعبرة تكون بالتطبيق والتنفيذ القائم على أسس علمية ومنهجية، فالعبرة تكون بوجود كوادر من الخبراء والمستشارين من ذوى العلاقة، وفلسطين بالمناسبة ليست عاقرا، تؤمن بالفكرة وأهدافها وقادرة على تحمل مسئوليات تحقيها، والعبرة تكون بالتحديد الواضح والدقيق للأهداف ووضع الاستراتيجيات والسياسات والبرامج ، والعبرة في مشاركة حقيقية من قبل المجتمع في تحديد الأهداف والاستراتيجيات والسياسات والبرامج، والعبرة في إعلام فلسطيني وطني قادر على خلق حوار مجتمعي تجاه مسألة أهمية التوجهات التنموية، وقادر على إيصال صوت المواطنين وتحديدا المهمشين منهم لأصحاب القرار، والعبرة في وجود مجتمع مدني وقطاع خاص فلسطيني وطني يضع كل طاقاته لتحقيق أهدافنا التنموية، والعبرة في مؤسسات تعليمية على كافة مستوياتها قادرة على خلق توجهات ايجابية لدى طلبتها تجاه التنمية المنشودة وسبل الوصول إليها، والعبرة، وهذا الأهم على الأقل من وجهة نظري، في وجود ضغط حقيقي من قبل الكل الفلسطيني على المؤسسات الدولية تجاه دعم المشاريع التنموية.
وأخيرا أقول وبصوت مرتفع: بدناش "إغاثة" ..... بدنا "تنمية حقيقية"، فهل من مجيب؟؟؟؟؟!!!
بقلم/ د. يوسف صافى