هي ليست المرة الأولى التي تقع فيها أحداث مميتة في قطاع غزة جراء انقطاع التيار الكهربائي وضرورة استخدام الشموع كبديل للإنارة، ويبدو بأنها لن تكون الأخيرة طالما أن لا حلول عملية ليس فقط لمعالجة مشكلة النقص الحاد في الوقود اللازم لتشغيل محطة توليد الكهرباء، الذي يسبب استمرار إنقطاع التيار الكهربائي ليصل أحياناً إلى 12 ساعة متواصلة، وإنما لإنهاء حالة الحصار المستمر على القطاع منذ ما يقارب العشرة سنوات..!
فقبل فاجعة وفاة الأطفال الثلاثة من عائلة الهندي احتراقاً مساء يوم الجمعة 6 أيار/مايو 2016 في مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين نتيجة حريق تسببت به شمعة كانت تستخدمها العائلة بسبب انقطاع الكهرباء، احترق منزل السيد أمين البوبلي في مخيم المغازي بسبب شمعة بتاريخ 15/2/2013 ، وكانت قد توفيت أسرة فلسطينية كاملة مكونة من ستة أشخاص، هم الأب والأم وأطفالهما الأربعة في مدينة غزة، نتيجة حريق أيضاً تسببت به شمعة كانوا يستخدمونها في إنارة المنزل في كانون الثاني/يناير 2013، وكذلك أتت النيران على كامل منزل المواطن هائل ذياب القصاص في مدينة غزة والتسبب باضرار جسيمة في 25/3/2013، واحترق منزل المواطن محمد أبو الريش في حي النصر غرب مدينة غزة بتاريخ 26/3/2015 كذلك احترق منزل المواطن أمجد عمران في خانيونس بتاريخ 7/12/2013 وسبب حالات اختناق متفاوتة لثلاثة من أطفال العائلة، وفي 19/12/2015 احترق منزل المواطن نعيم زغرة في مخيم الشاطئ.. وغيرها من الحوادث المفجعة بسبب إستخدام الشموع بديلا عن الكهرباء في الإنارة..!
لم تشكل الشموع يوماً إلا رمزاً للعطاء والتضحية والنور والسلام والمحبة والسعادة باستخداماتها المختلفة، تارة للتعبير عن فرحة بمرور سنوات ميلاد شخص ما، أو للتضامن مع حادث فقدان عزيز، أو عند حصول كارثة ما، أو حتى استخدامها كطقوس للعبادة لدى بعض الديانات، ليس هذا فحسب بل برع الفنانون في تحسين وزخرفة الشموع التي لا يكاد العقل البشري يستطيع الإحاطة بتنوعها وأشكالها الجميلة والمختلفة.. ولا تستخدم الشموع في الدول والمجتمعات المتحضرة كبديل عن الكهرباء والإنارة المنزلية إلا في الحالات الضرورية والإستثنائية القصوى، لكن ما يحصل في قطاع غزة المحاصر مغاير للواقع وبالعكس تماماً، ليتحول انقطاع التيار الكهربائي الى الإستثناء مقابل الإستخدام الدائم للشموع بدلاً عن الإنارة كحالة دائمة..!
في خطوة مهمة أعربت وكالة "الأونروا" عن حزنها للفاجعة الأليمة بوفاة الأطفال الثلاثة إحتراقاً في مخيم الشاطئ في بيان رسمي نشرته على موقعها الإلكتروني باسم مدير عمليات "الأونروا" في قطاع غزة بو شناك بتاريخ السبت 7/6/2016 وأرسلت تعازيها الحارة لأهل وأصدقاء الأطفال المتوفين وعائلاتهم، واعتبرت أنه "كان بالإمكان تجنب حادثة الوفاة" ووصفتها بأنها "واحدة من أخطر الحوادث بسبب المشاكل في إيجاد تيار كهربائي في غزة"، وناشدت "جميع الشركاء لدعم حلول مبكرة لإيجاد الكهرباء للسكان الذين لا زالوا يعانون من إنقطاع الكهرباء والتقليصات في وصولها"..!
لا شك أن انقطاع التيار الكهربائي وعدم توفير الوقود اللازم هو جزء من الحصار المقيت المستمر على القطاع منذ عقد من الزمان، وإطفاء حالة الشموع القاتلة ونتائجها المدمرة على السكان، وفك الحصار الظالم عن القطاع يتحمل مسؤوليته بالدرجة الأولى الإحتلال الصهيوني والمتواطئين مع الإحتلال، وكذلك المجتمع الدولي الذي يكيل بمكيالين، ويمارس سياسة المعايير المزدوجة في ظلمه للفلسطينيين ولا يمارس ضغوط جدية لرفع الحصار. بتقديرنا إعادة بناء مطار قطاع غزة الذي افتُتح في مدينة رفح بتاريخ تشرين الثاني/نوفمبر 1998، ودمره الإحتلال الصهيوني خلال فترة إنتفاضة الأقصى عام 2000، وإنشاء ميناء خاص بالقطاع وحتى برقابة دولية، حتماً سيساهم في حل الكثير من المشاكل التي يعاني منها سكان القطاع المحاصر، أقلها الإستغناء عن الشموع القاتلة التي تفتك بالممتلكات والبشر وتسبب كوارث إنسانية..!
بقلم/ علي هويدي