ينتظر المزارع الفلسطينيّ أحمد سليمان من بلدة تلّ في شمال الضفّة الغربيّة موسم الزيتون في كلّ عام ليبدأ العمل في أرضه من قطف الزيتون وعصره لإرساله إلى نجله ليقوم ببيعه في دولة قطر حيث يعيش.( ينتج سليمان حوالى 25 "تنكة"، وهي وحدة قياس الزيت للمزارع الفلسطينيّ، وتحتوي على 14 كيلو، ممّا يضطرّه إلى شراء الكميّة ذاتها من المزارعين في البلدة وإرسالها مجتمعة، وقال لموقع "المونيتور": "بيع الزيت في السوق المحليّ غير مجد على الإطلاق، فتنكة الزيت الّتي تباع هنا بـ250 -300 شيكلا (70-80 دولاراً) تباع في قطر بـ500-600 شيكل (150-165 دولاراً)، أيّ ضعف الثمن".
هذا المبلغ في مجمله يذهب ربحاً صافياً، خصوصاً أنّ نجل أحمد سليمان، والّذي يعمل مدرّساً في إحدى المدارس الحكوميّة هناك، يقوم ببيعها من شخص إلى آخر، من دون كلفة، إلاّ كلفة الشحن من فلسطين إلى قطر.
إنّ سليمان هو مزارع محظوظ لوجود أحد أبنائه في دول الخليج، حيث يباع الزيت بأسعار عالية، بينما يضطرّ غيره من المزارعين إلى بيعه في الأسواق المحليّة وفي أسعار متدنيّة، مقارنة بتلك الأسعار.
وبحسب إحصاءات مجلس الزيت الفلسطينيّ، فإنّ حوالى 4 آلاف طنّ من المنتوج السنويّ من الزيت الفلسطينيّ كلّ عام يباع بهذه الطريقة، وهو ما يشكّل ربحاً جيّداً للمزارع، ولكن في المقابل، هناك سنويّاً أكثر من 22 ألف طنّ إنتاج "بالمعدل" من الزيتون، يحتاج السوق المحليّ منها ما بين 10-12 طنّاً سنويا، فيما تبقى بقيّة الكميّة تبحث عن تسويق جيّد لها.
وإنّ المحدّد للأسعار هي "حمولة الزيتون" بلغة المزارعين، والّتي تعني حجم الثمار على شجرة الزيتون، حيث أنّ شجرة الزيتون يزيد إنتاجها في سنة وتسمّى محليّاً "بسنة الماسيّة"، وتقلّ في السنة الّتي تليها وتسمّى "بسنة الشلتوني".
ويبدأ موسم قطف الزيتون الفلسطينيّ في 15 تشرين الأوّل/أكتوبر من كلّ عام ويستمرّ حتّى نهاية كانون الأوّل/ديسمبر، حيث تكون عمليّة قطفه بشكل جماعيّ في كلّ الضفّة الغربيّة، إلاّ أنّ جدلاً سنويّاً يرافق هذا القطاف يتعلّق بتسويق منتجه النهائيّ.
وما يعتبره المزارع أزمة تسويق، ينفيه المسؤولون في المؤسّسات الرسميّة والأهليّة العاملة في قطاع الزيتون، ويعكسون الصورة. ففي فلسطين كان الإنتاج سنويّاً 30 ألف طنّ، والتّسويق كان جيّداً محليّاً وعربيّاً، إلاّ أنّ الإنتاج خلال السنوات العشر الأخيرة انخفض ليصل إلى 22 ألف طنّ فقط.
وأكّد رئيس مجلس الزيتون فضل فضل ذلك، إذ قال: "لا مشكلة تسويق في فلسطين بالمجمل، وذلك لعدم وجود فائض من الزيت المنتج لتراجع إنتاجيّة شجرة الزيتون بالعموم".
وأشار لـ"المونيتور" إلى أنّ تسويق الزيت الفلسطينيّ يتمّ عبر خمس قنوات: أوّلها السوق المحليّ للمواطن العاديّ، وثانيها التسويق للفلسطينيّين في إسرائيل وعادة ما يكون بأسعار عالية، والقناة الثالثة هي البيع عن طريق الأمانات على أن يكون أحد أقارب المزارع في دول الخليج ويقوم بتسويقه هناك، والقناه الرابعة هم تجار الجملة داخل فلسطين. أمّا القناة الخامسة فهي السوق الأوروبّي، ولكن بنطاق ضيّق، ويتمّ ذلك عبر 15 شركة تقوم بالتعاقد مع المزارع بحيث يقطف الزيتون ويعصره، وفقاً للمعايير المقبولة أوروبيّاً.
وخلال الموسم الحاليّ، يتوقّع فضل عجزاً في سدّ حاجات هذه القنوات، فنسبة الإنتاج لا تزيد عن 18 ألف طنّ، إلى جانب زيادة الحاجة المحليّة من الزيت بدخول السوق الغزيّ، فإستهلاك قطاع غزّة من الزيت سنويّاً يبلغ 3000 آلاف طنّ كان ينتجها. وبسبب تضرّر شجر الزيتون خلال الحرب، تراجع الإنتاج إلى 1000 طنّ فقط.
ووافق خالد منصور مدير مكتب الإغاثة الزراعيّة في منطقة شمال الضفة، ما ذهب إليه فضل، إذ قال: إنّ هذا العام لن يكون مشكلة في تسويق الزيت محليّاً وعربيّاً، ولكن هذه المشكلة تظهر في سنوات كثيرة، وهو ما يدفع القيّمون على هذا الموسم إلى التفكير جديّاً بوضع خطّة لإنعاش هذا القطاع والإهتمام به.
وأشار منصور إلى أنّ الزيتون يعتبر مصدر رزق منذ آلاف السنين بالنّسبة إلى الفلسطينيّين. وحاليّاً، بحسب أرقام مؤسّسته، هناك 100 ألف أسرة فلسطينيّة مصدر رزقها الرئيسيّ هو الزيتون.
وتحدّث لـ"المونيتور" عن محدّدات الإنتاج وتسويقه فقال: "الأردن كانت تستورد معظم الزيت الفلسطينيّ، ولكن اليوم هذا الباب أغلق لأنّ إنتاجها تضاعف وأصبح لديها فائض. وبقيت لدينا أسواق الدول العربيّة الأخرى".
وتابع: "نحن نواجه مشكلة التكلفة العالية للزيت الفلسطينيّ، حيث يصل إلى ضعف الزيت المنافس له "التونسيّ والمغربيّ"، وحتّى على مستوى العالم يعتبر الأغلى".
وبحسب منصور، المطلوب فلسطينيّاً تطوير المنتج لينافس في الأسواق العالميّة، ويضمن أن يباع بأسعار التكلفة العالية من خلال تشجيع إنتاج الزيت العضويّ، المطلوب أوروبيّاً وعالميّاً.
وعن هذه النقطة، قال فضل: إنّ الزيت الفلسطينيّ يعتبر الأجود في العالم العربيّ. أمّا في أوروبا فالأمر مختلف، نظراً لبدائيّة آليّات القطف والعصر والتعبئة حتّى الآن، فهي لا تراعي المواصفات العالميّة، رغم أنّ حبّة الزيتون قبل قطفها هي الأجود عالميّاً.
واعتبرت وزارة الزراعة أيضاً ألاّ مشكلة في تسويق الزيت، خصوصاً أنّها أغلقت أخيراً كل ّأبواب الاستيراد من الخارج في العام 2010، كما قال مدير دائرة الزيتون في الوزارة رامز عبيد لـ"المونيتور": "لا يوجد استيراد زيت من الخارج حسب القانون، إلاّ في سنوات كان فيها إنتاج الزيت شحيحاً للغاية".
وبهذه المعطيات، يبرز السؤال حول إشكاليّة تطوير هذا القطاع وتحويله إلى منتج زراعيّ مجد ورفع الإنتاجيّة؟ فأجاب رامز عبيد: "طوّرنا خطّة إستراتيجيّة لتحسين نوعيّة الإنتاج وكميّته، وجزء منها خصّص لفتح أبواب تسويق جديدة للزيت".
وأشاد فضل بالخطّة الّتي تحدّث عنها عبيد، وكان من المشاركين في صياغتها، ووصفها بأنّها الأفضل على مستوى الوطن ولكن في حال طبقت، فهي لا تزال حبراً على ورق، وقال: "الخطّة تشمل العامين 2015-2016، ونحن الآن سنودعّ العام 2015 دون تنفيذ أوّل بند منها".
وحتّى تتحرّك الجهات الرسميّة لتطبيق الخطّة الإستراتيجيّة للزيتون، تبقى زراعة الزيتون الفلسطينيّة عشوائيّة بلا مردود مجد على الإقتصاد الفلسطينيّ، تحكمها علاقة الفلسطينيّ بهذه الشجرة اّلتي تربّى على أنّها شجرته الوطنيّة.