ما يحدث في "إسرائيل" من تغييرات على الهيكلية السياسية الحاكمة , يدلل لنا على جنوح كيان الإحتلال لمزيد من التطرف , وتنكره لأبسط الحقوق الفلسطينية , وتواصل عدوانه على الأرض الفلسطينية في الضفة المحتلة من خلال الإستيطان وتهويد المدن وخاصة القدس المحتلة , وإستمرار تنفيذ مخططاته الخبيثة بتقسيم المسجد الأقصى , حيث تزداد عمليات التدنيس والإقتحام اليومي للأقصى من قبل عشرات المستوطنين بحماية من جيش الإحتلال , مع إنعدام الفرصة لأي تسوية سياسية بعد تعطل عملية التسوية وإنسداد الأفق التفاوضي مع الحكومات الصهيونية المتعاقبة , تأكيد قيادات الإحتلال الرفض المطلق لمشروع الدولة الفلسطينية على أي شكل كانت , ولذا نرى عدم التعاطي الصهيوني مع أي مشاريع تفاوضية تحاول إعادة المسار التفاوضي بين الحكومة الصهيونية والسلطة الفلسطينية و أخرها المبادرة الفرنسية , وأمام هذا المشهد الممعن في الفاشية والإنغلاق السياسي لذا حكومة نتانياهو المتطرفة , هل يتطور الأداء السياسي لقيادة السلطة وقد تيقنت من وفاة مسار التسوية ؟ , وهذا يحتم عليها إتخاذ إجراءات وخطوات مهمة , في الحفاظ على الهوية والقضية الفلسطينية, وإنهاء الإنقسام والعمل على تعزيز الوحدة الوطنية في مواجهة التحديات القادمة .
غياب وزير الحرب يعالون بعد تقديم إستقلالته وهو المثقل بهزيمته المدوية في حرب على قطاع غزة , وبروز ليبرمان كإسم يتردد لتقلد منصب وزارة الحرب الصهيونية وهو الطامح دوماً لها, يتزامن ذلك مع حالة التراجع لمشروع الإحتلال في فلسطين , وحضور السؤال الكبير في المجتمع الصهيوني حول إمكانية إستمرار الوجود الإحتلالي الصهيوني ,أمام تراجع قوة الردع للجيش الصهيوني, وخاصة بعد الفشل الذريع في الحروب الثلاثة الأخيرة على قطاع غزة , وهذا ما كشفه تقرير مراقب الدولة مؤخراً , والذي يؤكد على الهزيمة والفشل في إدارة المعركة خلال حرب صيف 2014م , وبعد قرابة العامان على تلك الحرب برزت المقاومة في حالة التحدي والند عبر جولة الحوار بالنار على حدود الشرقية لقطاع غزة مؤخراً , ولقد أجبرت المقاومة خلال هذه الجولة قوات الإحتلال على وقف توغلاتها الجزئية على الحدود, وبعد قرابة العامان على الحرب تواصل رصد الإحتلال لعمليات تجربة الصواريخ طويلة المدى في البحر المتوسط , التي تشهد على جهوزية المقاومة وإستمرارها في تطوير أدواتها العسكرية , ويزداد تخوف الإحتلال المعلن من الكوماندز البحري التابعة للمقاومة مطلقاً عليه مصطلح خطر الأنفاق المائية , ونشره القبة الحديدية في عرض البحر خشية من صواريخ مصدرها غزة قد تستهدف منشآته البحرية وسفنه الحربية والتجارية , كل ما ذكرناه آنفاً بمثابة إعتراف صهيوني جلي وواضح بالهزيمة والفشل في تحقيق أهداف العدوان على قطاع غزة , أضف إلى ذلك تصاعد إنتفاضة القدس والتي فشلت المنظومة الأمنية العسكرية والمخابراتية الصهيونية في قمعها , وتقف عاجزة أمام إصرار المنتفضين على إستمرارها وتطورها بجهودهم الذاتية , ولقد وصلت محاولات تطوير أدوات الإنتفاضة إلى عملية تفجير الباصات والحواجز العسكرية كما حصل في القدس المحتلة .
قد يفتح التغيير السياسي المفاجئ في كيان الإحتلال الأوضاع على سيناريوهات متعددة , أبرزها التصعيد والعدوان الذي يستهدف شعبنا الفلسطيني , سواء كان ذلك على ساحة الضفة الغربية في محاولاته لقمع إنتفاضة القدس عبر مزيداً من القمع وعمليات القتل والإعتقال وتشديد الحصار على المدن والقرى , وإغلاق الطرق وزيادة الحواجز وتقطيع أوصال الضفة المحتلة , وهي بمعظمها إجراءات عدوانية تمارسها قوات الإحتلال حالياً , وفشلت في كسر إرادة البقاء والمقاومة في نفوس الشباب الفلسطيني , أما فيما يتعلق بساحة قطاع غزة بالرغم من صعوبة إتخاذ نتانياهو لقرار الدخول في حرب على قطاع غزة , خشية من الهزيمة وخسرانه لمستقبله السياسي إلى جانب معارضة مستويات عسكرية كبيرة لخيار الذهاب نحو حرب جديدة على قطاع غزة , إلا أن رعونة ليبرمان المرتقب تسلمه لوزارة الحرب وصراخه العالي حول قدرته على معالجة ملف أنفاق المقاومة, قد يجر نتانياهو إلى خيار الحرب , وخاصة أن جبهة قطاع غزة هشة , وقد تشهد إنفجاراً في أي وقت ولأي حادثة, وخاصة إذا علمنا بأن الأوضاع في قطاع غزة متهيئة ومتأهبة لكافة الإحتمالات , مع إستمرار الحصار الظالم الذي يخنق قطاع غزة , و يتسبب بمعاناة شديدة في يوميات الحياة لسكان قطاع غزة .
ولعل هذه التطورات المفاجئ في كيان الإحتلال , وما تفرضه من تحديات كبيرة وخطيرة , تكشف عن نوايا سيئة ضد ما هو فلسطيني على هذه الأرض المباركة , قد تشكل دعوة عاجلة للفلسطينيين بمختلف مكوناتهم السياسية من أجل إسترداد الوحدة الفلسطينية على أعلى مستوياتها , وإنعقاد الإطار القيادي الموحد لمنظمة التحرير , والوقف الفوري للتنسيق الأمني, وتبني خيار المقاومة ومنحها الغطاء السياسي وخاصة في الضفة المحتلة لمواجهة الإحتلال ومستوطنيه , وفي حال لم تلبي القيادة السياسية الفلسطينية الطموح العام لشعبنا الفلسطيني بالوحدة ودعم الحق في مقاومة الإحتلال , ومساندة هذا الخيار الجماهيري في مواجهة عربدة وإجرام المحتل , فلا سبيل لشباب الإنتفاضة إلا الإستمرار في ثورتهم التي تزداد رسوخاً وقوة , في مقابل التراجع الملحوظ للمشروع الإحتلال, وتلاشي قوة الردع الصهيونية أمام صلابة وإصرار الفلسطيني على المقاومة ,لإسترجاع وطنه المسلوب .
بقلم/ جبريل عوده