انتصار المقاومة يصب في الحتمية الثورية للنصر الاكيد

بقلم: عباس الجمعة

ان ما سجلته وسطرته المقاومة الوطنية والاسلاميه في لبنان من انتصار في وجه للطاغوت الصهيوني الامريكي من خلال تحرير الجنوب ، بعدما تمكنت من تحرير كل الاراضي اللبنانية من الاحتلال الصهيوني وعملائه ، يشكل منارة مضيئة ، حيث شكل هذا الانتصار الاول الكبير على كيان زرعته القوة الاستعمارية الغاشمة على ارض فلسطين حيث ارادا غزو واحتلال لبنان صيف عام 1982 ، الا ان الصمود الاسطوي للحركة الوطنية اللبنانية والثورة الفلسطينية اسقط المحاولات والمؤامرات والدسائس لسحق الثورة في هذه المنطقة، وبعدها شكلت جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية نضالاً مسلحاً وموقفاً سياسياً فكانت عملياتها البطولية اسقاط اتفاق 17 ايار المشؤوم ، ولتشكل بعد فترة مع المقاومة الوطنية والاسلامية نقطة انطلاق جديدة نحو تحرير اغلبية المدن والقرى اللبنانية المحتلة ولترسم المقاومة نضالها بدماء شهدائها خارطة لبنان وتحرير اغلبية اراضي الجنوب اللبناني عام 2000 بانتصار مدوي يسجل في التاريخ العربي والعالمي حيث انهزم العدو امام قوة المقاومة وصمود الشعب اللبناني ، هذا الانتصار سيظل مطبوعا في ذاكرة العالم وذاكرة صانعيه, حيث تمكنت المقاومة من تحقيق نصر اخر في العام 2006 ، لتشكل انتصارين متتاليبن بكفاحها الوطني التحرري وبصمود الشعب اللبناني حيث لقنت العدو الصهيوني دروسا لن ينساها ,وتمريغ أنوف رؤساء قادته ومرتزقته وجنودهم في الوحل، وما زال هذا النصر العظيم يشكل انتصارات بمواجهة القوى الامبريالية والصهيونيه والرجعية عصاباتهم من قوى الارهاب التكفيرية والظلامية الذين يحاولوا من خلال مشاريعهم التفتيتية للمنطقة يجرّون أذيال الهزيمة والخيبة والعار، مما يفتح آفاقا جديدة , ويعزز القناعات لدى كل منا بحتمية تحرير الارض والانسان، في اخطر لحظة من لحظات التاريخ العربي وفي وقت من ادق ما مرت به المنطقة في تاريخها المعاصر، وكأنه الشلل الذي اصاب بعض النفوس والوجدانات والضمائر وحتى بعض العقول فجمدها عن العمل والتفكير ، بينما المعركة الدائرة رحاها ترسم بدماء الشهداء مجمل الخريطة السياسية العربية وامتدادتها واتساعاتها ، ولكن للاسف بعض العرب كانوا غير عابئين بما يمكن ان تتمخض عنه نتائج الصراع، طالما ان هنالك ضمانات واتفاقات لتطمين هذا الموقع أو ذاك الموقع ، ونسوا أو تناسوا ان المقاومة برجالها يلتف حولها الشعب اللبناني وقواه المناضلة والاحرار والاصدقاء نسوا هذا البركان الذي بدأ من تحرير بيروت عاصمة العرب مرورا بكل مدن وقرى الجنوب لن يهدأ في هذه المنطقة وان الزلزال بدأ ياخذ ابعاده وامتداداته على كافة الخريطة السياسية في المنطقة كلها ليظهر الزيف وليكشف العورات، فها هو الشعب الفلسطيني لا يقل عطاء عن شقيقه الشعب اللبناني، أُدرك أن الظروف في لبنان هي غيرها في فلسطين, الا ان النضال الثوري هو فن ,كذلك هو الانتصار على معيقات استمرار الكفاح الثوري وابتكار الأساليب الملائمة والمواءمة لظروف النضال، ، حيث يتصدى الشعب الفلسطيني بانتفاضته الباسلة وبمقاومته الشعبيه وبأرادته الحية للاحتلال والاستيطان في الضفة والقدس ، بينما يتمسك بمقاومته في قطاع غزة ، لإن الإنسان العربي الفلسطيني في حقيقته الجوهرية إنسان نوعي لا يقبل الضيم والذل ومستعد لدفع حياته ثمنا للدفاع عن ارضه ووطنه وقضيته ، ولذا فان إمكانيات الصمود لدى هذا الشعب العظيم وقدرته على مواجهة التحديات ،تفوق كل خيال لانها تستند إلى قيم ومبادئ ولقد حاول

مدعوا الدين أن يغيروا طريقة تفكير هذا الإنسان من خلال التمسك بالانقسام ومحاولة اقامة الامارة ، من اجل اعادة الشعب إلى العصور الجاهلية أو عصور قبل التاريخ ولكنهم فشلوا.

من هنا ونحن نقف امام ذكرى انتصار المقاومة وتحرير اغلبية اراضي الجنوب اللبناني من الاحتلال الصهيوني باستثناء مزارع شبعا وتلال كفر شوبا ، هذا الانتصار العظيم والاحتفال بمناسبة عيد المقاومة والتحرير يعيدنا إلى الأذهان صورة هزيمة الاحتلال الصهيوني وعملائه من جنوب لبنان بعد الضربات الموجعة التي وجهتها لهم المقاومة الوطنية اللبنانية، حيث ستبقى راسخة في وجدان الشعوب العربيه وقواها الحية وفي ذهن شعبنا الفلسطيني الذي حقق مجموعة من الانتصارات بصموده وعطائه غلى ارض فلسطين المحتلة .

لقد شكلت المقاومة في لبنان انجازا كبيرا بسبب الطريقة التي تم بها والحفاظ عليه إضافة إلى تحصينه شعبيا وسياسيا وهذا ما تحقق من خلال إدارة المقاومة للصراع بحكمة وعقلانية ، حيث أثبتت أنها قادرة على صنع النصر ، وستبقى رغم كلّ الظروف المأساوية قادرة على مسك سيناريوهات المستقبل ورؤية الاتجاهات كافة، لتؤكد أن الغد هو ما اصنعه اليوم واليوم هو ما صنعته بالأمس، ، واستخلاص العبر والدروس لخدمة الحاضر والفعل في المستقبل.

عيد المقاومة والتحرير هو مناسبة وطنية وتاريخية لإحياء وتخليد بطولات عشرات آلاف الشباب والرجال والنساء الذين تشكلت منهم قوى المقاومة والذين تحدروا من مشارب سياسية وعقائدية ومنابت اجتماعية مختلفة منذ تجربة الفدائيين التي قادها الشهيد معروف سعد في حرب فلسطين وصولا الى تجربة جبهة المقاومة الوطنيه اللبنانية وحركة امل وافواجها المقاومة التي قادها الشهيدين محمد سعد وخليل جرادي وحزب الله بقيادة سماحة السيد حسن نصرالله ورفيق دربه سماحة سيد الشهداء عباس الموسوي والقائد الشهيد عماد مغنية وما بينهما مساهمات ريادية لمقاومين شيوعيين ويساريين وقوميين وسواهم من مناضلي الفصائل الفلسطينية والاحزاب اللبنانية الوطنية.

لذلك نقول ان التحرير والانتصار كان ثمرة تراكم انتصارات وانجازات وتضحيات جليلة لأجيال من المقاومين وهو شكل اول هزيمة ساحقة للعدو منذ النكبة وقد ثبت نتيجته الحاسمة بحصيلة حرب تموز التي سحقت هيبة الردع الصهيونية ، هذه المقاومة يتردد صوتها عاليا في المنطقة كلها، وليذهل العالم بهذه الانتصارات والصمود وذاك التحدي، وهذا الفهم العميق والثابت لابعاد الموقف، وليعطي الصورة الراسخة الواضحة لديمومة المقاومة .

وهنا اتوقف لأقول بكل صراحة لماذا لم يحفظ البعض انتصارات المقاومة بدلا من التهجم والتجريح والكذب ، وخاصة في ظل ما نشهده من محاولات امبريالية وصهيونية وارهابيه هدفها ضرب قوى المقاومة ، حيث اثبتت المقاومة انها قادرة على مواجهة الاحتلال الصهيوني والارهاب التكفيري ولا تنتظر شكرا من احد رغم كل التضحيات التي تقدمها ، هذه المقاومة بتضحياتها وبتواضعها وتفانيها هي كنز وطني وقومي تظهر قيمته التحديات الوجودية الراهنة كنموذج لحقيقة هذا الكنز الثمين.

اليوم ومع القوة العملاقة للمقاومة يبدو لبنان دولة فاعلة في المنطقة، حيث تتلاقي روافد المقاومة التي تتصدى للإرهاب ولداعميه دفاعا عن التاريخ والجغرافيا وعن الإرث الحضاري

العظيم لمنطقة هي مهد الديانات في العالم وتغتني كنوزها الحضارية والثقافية بذلك التنوع الحاضر في شراكة الحياة وفي نسيج الثقافة الشعبية والتقاليد التي توارثها الناس في تحركهم المشترك ضد المخاطر والتحديات على مر الزمان .

وفي ظل المخاطر التي تتعرض لها فلسطين نسأل اين الموقف العربي مما يتعرض له الشعب الفلسطيني وارضه ومقدساته الاسلامية والمسيحية ، اين المجتمع الدولي بما حدث ويحدث للشعب الفلسطيني , وان هذا الشعب الذي ما زال يعاني من الاحتلال لم ينس مأساته وانه مصمم ومتمسك بحقه بالعودة إلى بلاده، واليوم نرى انتفاضة باسلة ومقاومة شعبية بكل ابعادها الحضارية والانسانية، تشكل حالة انفجار ثوري هادر بمواجهة كل المخاطر ، وفي ظل انتصارات المقاومة في المنطقة ، حيث نرى طائر البجع الفلسطيني وسط هذا كله يشكل عاملا ديناميكيا في صنع هذه القفزات الفاعلة والنشطة، قابضا بيد فولاذية على جذوره العميقة في اعمق اعماق فلسطين، واعمق اعماق التراب الفلسطيني مستمداً من هذا التراث للثورة الحق، من جبل الرحمة في عرفات، وانبلاج الحقيقة من مهد الرسالة، لتتجاوب معه اصوات المضطهدين والمناضلين والمجاهدين بين جنبات الاقصى والصخرة والقيامة في القدس الحبيبة الاسيرة المكبلة، وان معنى هذا كله ومغزاه ومحتواه هو الدعم الكبير من الاصدقاء والحلفاء والاشقاء، وجميع القوى المقاومة والقوى الديمقراطية والتقدمية، وهو الذي يصب في الحتمية الثورية للنصر الاكيد.

ان ما تتعرض له المنطقة من هجمة ارهابيه تكفيرية تأتي في ظل دعم امبريالي صهيوني استعماري يمنع الأمة العربيه من استعادة وحدتها، مما يستدعي من كافة الاحزاب والقوى العربية المناضلة دعم واسناد قوى المقاومة في المنطقة وإطلاق مبادرة تجديد حضاري في نسيجنا الاجتماعي وفي تكريس الثراء الروحي والثقافي الذي يحققه التنوع في قلب وحدة الحياة وفي ظل المساواة والعدالة الاجتماعيه وتكون قادرة أن تصنع المعجزات،فهي لم يعد لديها ما تخسره، في معركة اثبات الوجود تبقى بوصلة فلسطين هي الاساس حتى تحرير الارض والانسان وتسترشد من مواقف الرئيس الخالد جمال عبد الناصر واحمد بن بيله وهواري بومدين وعمر المختار والرئيس الرمز ياسر عرفات ورفيق دربه ابو جهاد الوزير وفارس فلسطين ابو العباس والحكيم جورج حبش وسعيد اليوسف ورمز جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية جورج حاوي وسيد الشهداء عباس الموسوي وقائد الانتصارين عماد مغنية وعروسة الجنوب سناء محيدلي ومعروف سعد وكمال جنبلاط ومحمد سعد وغيرهم من القادة ،المؤمنين بوحدة الهدف والمصير،المؤمنين بأن هذه الشعوب يجب أن يكون لها مكانة لائقة بين الأمم، ولذلك ستتمكن حتما من قبر وإفشال مشاريع الفوضى الخلاقة،مشاريع تفتيت الوطن العربي واستباحة جغرافيته، أمة ستفشل مشاريع الشرق الاوسط الكبير والجديد الامريكية، ولن تقبل هذه الشعوب بوجود إسرائيل العصا الغليظة التي تستخدمها أمريكا في ضرب حركة التحرر العربي وقواها الثورية، واستمرار احتلالها للأراضي العربية. ان المقاومة، التي صمدت وانتصرت في لبنان وفلسطين ، فإنها ستصمد اليوم ، حيث تثبت كلّ الوقائع والحقائق أنها ستخرج من هذه الأزمة أكثر قوة ومنعة وحصانة بمواجهة المشاريع المعادية التفتيتية .

ونحن في شهر ايار شهر النكبة والانتصار والذي يحمل في ثناياه بصمات واضحة وعميقة على مسيرة الكفاح والمقاومة ، حيث حفر شهداء المقاومة وشهداء فلسطين وشهداء عملية القدس

البحرية لابطال جبهة التحرير الفلسطينية تاريخهم وسجلهم في عمق ذاكرة الشعوب العربية والشعب الفلسطيني باعتبارهم الرموز والعناوين الخالدين في سفر النضال ، شهداء تركوا بصماتهم واضحة وعميقة على مسيرة الكفاح والنضال ، وكتبوا بأحرف من نار ودم أرواحهم على مذبح الحرية، بلا تردد او خوف او رهبة من الموت،وما زال شعبنا وثورتنا وفصائلنا تسيرعلى نهجهم ودربهم وثقافتهم.

من هذا المنطلق نؤكد بان التلاحم الفلسطيني اللبناني العربي شكل عنوان الصمود والعطاء والتضحية، ما قبل النكبة وبعدها رغم سياسة المجازر وحرب الإبادة الجماعية التي انتهجها العدو الصهيوني خلال تاريخه الدموي الطويل ، وهذا يستدعي في مرحله الشدائد على المنطقة، استنهاض حركة التحرر العربية وتجديد خطابها القومي العربي، وتحديد أهدافها المعاصرة والتفكير في عمل جبهوي قومي عربي إسلامي مقاوم، ذلك بالتنسيق مع التيار الإسلامي التنويري ومن شأن ذلك أن يبلور جبهة مقاومة لكل مخططات الهيمنة الأمريكية الصهيونية في المنطقة، و التنسيق مع القوى والأحزاب العربية المناصرة والمتضامنة التي هبّت لنصرة شعبنا وانتفاضته في فلسطين، ووضع هذه القوى أمام مسؤولياتها التاريخية، ووضع آلية عمل لمحاربة التطبيع وكي تخوض هذه القوى معركتها من أجل الديمقراطية والأهداف القومية العربية.

ختاما : لا بد من القول ، ان انتصار المقاومة شكل وما زال بارقة النصر من خلال مفاهيم واضحة وثابتة ومبدئية ، من خلال دورها الفاعل حيث كان الفرز الثوري لمعسكر الاعداء والاصدقاء في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الاوسط وفي الساحة الدولية، لهذا يجب ان ندعمها وتدعمنا، نقويها وتقوينا، ليصب هذا كله في المجرى الكبير للعنفوان الثوري الجارف ضد جميع اشكال القهر والظلم والاضطهاد والعبودية، ضد الامبرياليين الجدد والقدامى، ضد كيان اغتصب ارض وشرد شعب، ضد الاستعمار القديم والحديث، حتى تمثل هذه الاصالة الثورية والشفافية المستقبلية والرؤى الصادقة والارادة الحديدية النضالية، والايمان الراسخ العميق باستمرارالدرب وطرق ابواب المجد، وحتى كتب التاريخ باحرف من نور ونار، واصالة وعنفوان، ان النصر الحتمي آت طال الزمن ام قصر، شاء اعداؤنا ام أبوا، فهذه ارادة التاريخ، ارادة الدم والساعد العربي الفلسطيني، ارادة الكبرياء في امتنا العربية، ارادة الانتصار.

بقلم/ عباس الجمعة