المصالحة وإدراك الواقع

بقلم: صلاح صبحية

هل نملك القدرة للخروج من المأساة التي
نعيشها ولا نتورع من الانحدار في هاويتها ، وكأننا لا نستحق الحياة مثل بقية شعوب الأرض ، فشعب يعيش تحت الاحتلال يدع الاحتلال يهنأ باحتلاله الرخيص لأرضنا، لأننا آلينا على أنفسنا ألا نتوحد في وجه عدونا، بل جعلنا من عدونا سندا لانقسامنا الذي يستغله للهيمنة علينا ونحن بكل أسف ندرك حقيقة ذلك ونتعامل مع هذه الحقيقة القاتلة كأنها حقيقة مطلقة لا يمكن القفز فوقها .
فلم تعد المصالحة قرارا وطنيا نملك القدرة على تطبيقه ، حيث ارتبط قرار المصالحة بأجندات خارجية لا ترى في المصالحة الفلسطينية مصلحة لها ،وتحولت المصالحة إلى ورقة ضغط على كل الأطراف ليبقى الانقسام سيد الساحة الفلسطينية التي يتيح للعابثين بها ألا ينتهي الانقسام وتتحقق المصالحة ، فماذا سيحقق لقاء جنيف سوى مزيد من الانقسام ومزيد من تراكم الحقد والكراهية واتساع ساحة التراشق الإعلامي وتعبئة النفوس ضد بعضها، لنجسد واقعا فلسطينيا مريرا يرفضه تحت عناوين مختلفة الكل الفلسطيني، فلا غزة تحظى برضى الضفة، ولا الضفة تحظى برضى غزة، ولا الشتات براض عن الضفة والقطاع، ولا أهلنا في الأرض المحتلة عام 1948 راضون عن كل المشهد الفلسطيني، والكل الفلسطيني يدفع الثمن، و وحده الاحتلال الرابح الأكبر من حالنا الفلسطيني.
كم اجتمعنا وتحاورنا واتفقنا حتى ملت بلاد الاتفاق منا، القاهرة ودمشق والدوحة وصنعاء ومكة ومخيم الشاطىء وأخيرا جنيف، لا شيء جديد في أي لقاء جديد، وكأننا نسعى لحل اللغز القديم، من الأسبق البيضة أم الدجاجة ونحن ندرك سنة الله في خلقه، فهل نحن بحاجة إلى اتفاق جديد، أم نحن بحاجة لكي نملك القدرة على إدراك واقعنا الرديء الذي يزداد سوءا كل يوم، هذا الواقع الذي يتطلب منا أن نكون فلسطينيين قبل كل شيء، ونعود إلى الوراء لندرك جيدا أننا مستهدفون من الغريب والقريب ومن الغرب والشرق، وأننا كفلسطينيين العقدة التي لم تعد كداء أمام القوى الإقليمية والدولية المتصارعة حول مصالحها في المنطقة العربية، حيث لم يعد الصراع مع الغزاة الصهاينة صراع وجود بقدر ما أصبحنا كفلسطينيين نؤكد أنه نزاع حدود يمكن أن يسوى في مفاوضات تجري تحت أية مظلة مهما كان عنوانها ومكانها ولاسيما أن الغزاة الصهاينة يمارسون سياسة الأمر الواقع الذي يجب التفاوض حوله ، بينما لا يجد الفلسطينيون أنفسهم إلا في هروب إلى الأمام، مبشرين بتطبيع الدول العربية والإسلامية مع الاحتلال، هذا الاحتلال الذي أصبح في عرفنا الفلسطيني دولة ذات سيادة على أرض بلا حدود .
وكيف ستنجز المصالحة وعلى أية أرضية، هل على أرضية الاعتراف بحق الوجود المطلق للوطن القومي اليهودي على أرضنا، أم على قاعدة القبول بالدولة الفلسطينية ذات الحدود المؤقته المنصوص عليها في خارطة الطريق والمؤكد عليها في المبادرة العربية، أم ستتم المصالحة على أرضية بما يتفق عليه لتنفيذ القرار 194 بشأن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، وما تم الاتفاق عليه بشأن العودة هو وثيقة جنيف .
فالمصالحة الفلسطينية اليوم أصبحت أكثر تعقيدا في ظل رؤى فلسطينية مختلفة ومتصارعة على كل شيء، وأمام عقدة المصالحة يجب الإسراع في عقد المجلس الوطني الفلسطيني في دورة عادية يشارك ويعد لها الكل الفلسطيني، وذلك خير لنا جميعا من الهروب إلى الأمام بما يرضي عدونا الصهيوني.

2016/6/3. صلاح صبحية