ذكرى النكسة تأتي في ظل ظروف دقيقة على المستوى العربي والفلسطيني ، وهذا يدعو الجميع إلى مراجعة شاملة في ظل الانقسام مما يتطلب التوصل لإستراتيجية متوافق عليها واعتماد منهج جديد يبنى على مشروع الانتفاضة والمقاومة بكافة اشكالها ، وعدم العودة الى المفاوضات تحت اي ضغوطات واعتماد بديلاً لها الحماية الدولية المؤقتة حتى تقرير المصير وقيام الدولة الفلسطينية المستقلةكاملة السيادة وعاصمتها القدس ، وحق العودة للاجئين الى ديارهم وممتلكاتهم التي شردوا منها وفق القرار الاممي 194 .
ان الوضع الفلسطيني المتردي نتيجة مواقف تمسك البعض بحالة الانقسام الذي ادى الى إضعاف مقاومة دولة الاحتلال وسياساتها وممارساتها العنصرية ضد الشعب الفلسطيني، مما يتطلب توحيد طاقات وقوى الشعب الفلسطيني من أجل مواجهة الغطرسة الصهيونية وتوحيد موقف الفلسطينيين تجاه الأهداف الوطنية في العودة والحرية والاستقلال .
الزمن ما بين عام 1967 وعام 2016 يحمل مسافة طويلة من مأساة حقيقية حيث لم تتحرر الارض العربية المحتلة في فلسطين والجولان، ومزراع شبعا وتلال كفر شوبا ما زالت محتلة ، بينما العواصم العربية تسعى للهرولة من اجل التطبيع مع هذا الكيان العنصري الاستيطاني الصهيوني ، وهنا السؤال اي سلام يتم الحديث عنه رغم الرفض الجدي والحقيقي لتلك الهزيمة التي لا يمكن محو آثارها كما يبدو سوى بالقوة التي تسند الى الحق العربي التي تؤمن به الشعوب العربية وقواها الحية. ومن موقع قرائتنا الى المبادرة الفرنسية نبدي تخوفنا من ان تكون هذه المبادرة وهذا اللقاء الدولي الاقليمي هو تمرير صفقة على حساب الحقوق الوطنية المشروعة وفي مقدمتها القدس وعودة اللاجئين ولا تنص بوضوح على وقف الاستيطان ، والضغط الى العودة للمفاوضات التي لا شكل لها ولا مرجعية ، لهذا نرى ان النكسة تعيد نفسها بشكل آخر ، مما يستدعي مزيد من التمسك ببرنامج منظمة التحرير الفلسطينية والإجماع الوطني وانهاء الانقسام الكارثي وتبيطق اتفاق المصالحة وبدء معركة دبلوماسية كبرى في الأمم المتحدة ، مع تواصل انتفاضة الشعب الفلسطيني ومقاومته الشعبية بمواجهة الاحتلال الصهيوني وقطعان مستوطنيه .
ان توفر الارادة لدينا الآن أفضل فرصة ممكنة إحراز انتصارات كبيرة على الصعيد السياسي وعلى صعيد الرأي العام العالمي ولكن حذار من الذين يقولون أن وقت البندقية قد انتهى وان هذه المرحلة هي مرحلة عمل سياسي ، هذه المرحلة مرحلة النضال والمقاومة ، واستمرار الانتفاضة وحمايتها وتصاعدها في كل بقعة من الارض المحتلة هذه هي المهمة التي تلي مهمة الوحدة الوطنية .
وفي ظل هذه الظروف التي تأتي فيها ذكرى النكسة لابد أن نستذكر كل الدروس التي قدمتها لنا تسعة وأربعون سنة من النضال من أجل محو آثارها واستعادة الاراضي العربية والفلسطينية، تلك الدروس التي أنتجها النصر أحياناً والفشل والهزيمة أحياناً أخرى، لكنها في المحصلة تتجمع
في دروس كبيرة احرزتها المقاومة الوطنية والاسلامية في لبنان بانتصاراتها، حيث نؤكد اعتزازنا وافتخارنا بوقوفها ودعمها للشعب الفلسطيني.
لهذا نقول ان الوحدة الوطنية وأداة الفعل الوطني والقومي ضرورة لا غنى عنها لتحقيق الهدف الذي يجب ان يجتمع عليه الجميع ، وأي خلل في المعادلة وخاصة في دول الطوق ستفقد القدرة على توحيد الارادة السياسية التي تبدو الآن مشتتة في أكثر من اتجاه وحدث، ونحن ننتظر تداعيات الأحداث في الدول العربية في سياقاتها العادية دون أن نتحرك بشكل جدي لتغيير هذا السياق باتجاه تماسك الجبهات الداخلية والوقوف في مواجهة الهجمة الامبريالية الاستعمارية الارهابية التي تتعرض لها دول المنطقة بهدف تقسيمها وتفتيتها الى كانتونات طائفية ومذهبية واثنية ، وهذا يتطلب من كافة الاحزاب والقوى العربية تسخير طاقات الشباب وجماهير الأمة من خلال العودة الى البوصلة الحقيقة فلسطين التي يواجه شاباتها وشبابها اليوم العدو المدجج بالسلاح وبالدعم الأمريكي.
امام كل ذلك نرى أن صيانة الحرية والكرامة الوطنية والعدالة الاجتماعية والحفاظ على الخط القومي لا يمكن أن يتم تحقيقهم إلا من خلال المواجهة المستمرة مع المشروع الصهيو-أمريكي لمنطقتنا، هذه المواجهة التي تأخذ أبعاداً مختلفة لا تستثني العمل العسكري ودعم الانتفاضة والمقاومة الشعبية بمواجهة الاحتلال الصهيوني ، ومواجهة الهجمة الامبريالية الاستعمارية ، والوقوف الى جانب المقاومة العربية التي تخوض معركة الأمة من أجل تحررها واستعادة حقوقها ، وهذا واجب كل مواطن عربي اليوم أن يرفع الصوت عالياً بمواجهة كل هذه المخاطر .
ومن موقع تقديرنا للشعب الفلسطيني والعربي الذي هب قبل سنوات في ذكرى النكسة ليرسم بدمائه طريق الكفاح والنضال في هضبة الجولان وعين التينة ومارون الراس وقلنديا وغزة ، حاملاً مشاعل التحدي والإصرار ليثبت أن فجر الحرية قريب وأن الحقوق العادلة لا تخضع للمساومة وحق في العودة يأبى النسيان.
واليوم تثبت انتفاضة الشعب الفلسطيني المتواصلة والفعل الشعبي من أجل دحر الاحتلال وتحقيق الحقوق الوطنية الثابتة ، وأن الشعب الفلسطيني ما زال ينبض بالحياة متشبثاً بجذوة المقاومة وحقه العادل الذي لا يخضع للمساومة.
ختاما: في ذكرى النكسة نؤكد إن الانتفاضة والمقاومة الشعبية بكافة اشكالها هي خيار الشعب الفلسطيني وحرصاً منا أن تبقى بوصلتنا موجهة نحو فلسطين، لهذا يجب أن تتوحد الأهداف وأن ترتفع القبضات والهامات والحناجر لتهتف سوياً أناشيد العودة والنصر والتحرير، فالشباب وشابات الانتفاضة بتضحياتهم يرسمون خارطة الوطن وهم يختزنون طاقات ثورية هائلة، وقادرون على تحقيق المستحيل.. فألف تحية لكل قطرة دم سالت قبل سنوات في الجولان وعين التينة وقلنديا وغزة واليوم من خلال الانتفاضة الباسلة ، فهذه الدماء حتماً لن تذهب هدراً وستكون وقوداً لمسيرة العودة والتحرير.
بقلم/ عباس الجمعة