ذكرى النكسة… مؤتمر باريس… والندب العربي!

بقلم: فايز رشيد

 تسعة وأربعون عاماً تفصلنا عن ذلك النهار المشؤوم. يوم أراد العدو الصهيوني كسر أحلام الجماهير العربية في تحرير فلسطين، هذا الشعار الذي حملته الأمة العربية من المحيط إلى الخليج.
أعوام طويلة مرّت على يوم الهزيمة، حين استطاعت إسرائيل احتلال الضفة الغربية وسيناء وهضبة الجولان العربية السورية. جاءت بعدها استقالة الرئيس عبد الناصر لتزيد من طعم مرارة النكسة. رغم الهزيمة انطلقت الثورة الفلسطينية لتعلن بداية المقاومة الفعلية للعدو الصهيوني، ولمشاريعه في المنطقة ولتؤسس لمقاومة عربية ظهرت فيما بعد.
أرادت إسرائيل من حرب يونيو، تطويع إرادة الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج قبل الأنظمة. لنعترف، أن إحدى نتائج هزيمة يونيو تمثلت في أنها أدت إلى انتكاسة سياسية اجتماعية ثقافية، مضت بالعرب في طريق من التحولات العكسية وصولا إلى المرحلة الراهنة. لربما لا يبدو الترابط قائما ظاهريا، لكن الحقيقة أن العرب، ضلوا الطريق استراتيجيا بعد الهزيمة، ليس في عملية الصراع مع إسرائيل فحسب، وإنما في مجمل المنعطفات السياسية، التي مرت على الوطن العربي منذ عام 1967 حتى اللحظة. نعم، انتظرت الجماهير العربية لحظة بلحظة تلك الساعة التي نتمكن فيها من هزيمة إسرائيل. كانت اللحظة في معركة الكرامة في 21 مارس 1968 وجاءت في حرب الاستنزاف على الجبهتين المصرية والسورية. تُوّج الانتصار عام 1973 حين أثبت الجندي العربي قدرته على تجاوز المحنة والوصول إلى النصر، كما مثّل عبور الجيش المصري لقناة السويس وتدمير خط بارليف الإسرائيلي، الذي صوروه بأنه كخط ماجينو، بل تفوّق عليه. وعبور الجيش السوري إلى الجولان، للأسف، لم يكتمل الانتصار، وقد أرادها الرئيس السادات، أن تكون حرب تحريك لا حرب تحرير، أي أن النظام العربي لم يعرف كيفية استغلال الانتصار، فحوله إلى هزيمة جديدة بعبور الجيش الإسرائيلي إلى غرب السويس. جاءت بعدها المباحثات المصرية مع هنري كيسنجر، وكانت اتفاقية كمب ديفيد المشؤومة، التي أخذت الدولة الأقوى عربياً، من دورها في التصدي للدولة الصهيونية. ثم جاءت اتفاقية أوسلو المشؤومة وبعدها اتفاقية وادي عربة.
وبدأ التحول فعليا في طبيعة الصراع العربي – الصهيوني، ليتم حصره في هويته الفلسطينية فقط! وجرى الاعتداء على طبيعته، وتم مسخه وتقزيمه في معظم الإعلام العربي إلى مصطلح "نزاع" (وكأنه اختلاف بين دولتين قائمتين فعليا على بضعة أمتار حدودية!). وانسلخ أغلب النظام الرسمي العربي عن القضية الفلسطينية، وكأنه كان ينتظر هذه اللحظة بفارغ الصبر، من أجل التخلص من هذا الهم الثقيل. توالت الأحداث إلى ما يسمى بمبادرة السلام العربية.
عملياً، ورغم أن المبادرة تؤكد على الاعتراف الرسمي العربي بدولة إسرائيل، وإقامة سفارات لها في العواصم العربية، ورغم أنها وفي موضوع عودة اللاجئين، كانت مع حق العودة، إلا أنها أخضعت هذا الحق وفقاً لما سيتم الاتفاق عليه بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. رفض رئيس الوزراء الصهيوني آنذاك شارون هذه المبادرة فور تبنيها من قمة بيروت عام 2002، كذلك فعلت الحكومة الإسرائيلية. رغم أن الدول العربية تمد يدها للسلام مع إسرائيل، إلاّ أن شارون اجتاح الضفة الغربية حينها، وسجن الرئيس الراحل ياسر عرفات في المقاطعة، ومنعه من حضور القمة. في أحد تصريحاته قال شارون: إن المبادرة لا تستحق الحبر الذي كتبت به.
بعد شارون جاء أولمرت وقد قال عن المبادرة: إن بعض بنودها تستحق الوقفة عندها ومناقشتها. في السياق نفسه كان تصريح ليفني زعيمة حزب كاديما. فيما بعد جاء نتنياهو، وأعلن رفضه المطلق للمبادرة. في آخر تصريح له، دعا العرب إلى تغييرها، أي باختصار "نسفها".
نتنياهو يريد تطبيعا مجانيا مع العرب (منذ زمن والعديد من الدول العربية، تمارس تطبيعا علنيا مع إسرائيل، ويجاهر مسؤولون رسميون فيها بالاجتماع مع وفود وزعماء اسرائيليين).
يريد نتنياهو مفاوضات مع الفلسطينيين يطيلها عقودا مقبلة ( وهذا ما مارسه فعليا) ولا يعطي الفلسطينيين حقّا واحدا غير الحكم الذاتي! مع ضرورة استجابة العرب لكل شروطه التعجيزية: قبول الاستيطان، الإقرار بان القدس بكاملها هي عاصمة إسرائيل الأبدية، الاعتراف بيهودية إسرائيل، وغير ذلك.
أما إن لم يعترف الفلسطينيون بواحد من هذه الشروط، فسيبدأ الولولة "بأن الفلسطينيين لا يريدون السلام"، ومن ثم تبدأ الولايات المتحدة والغرب عموما في ممارسة الضغوطات على الفلسطينيين للقبول بالشروط الإسرائيلية! هكذا كانت تجربة اتفاقيات أوسلو، وعشرون عاما من المفاوضات بعدها. نتنياهو يتميز بالديماغوجية والكذب على قاعدة: إكذب.. إكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس.
هو لن يقيم دولة فلسطينية ولو حتى منزوعة السلاح. بالأمس أكدّ شريكه في الائتلاف الحكومي نفتالي بينيت (وبالطبع شريكه الجديد ليبرمان يؤيد ذلك) بألا دولة فلسطينية ستقوم، وألا إفراج عن الإسرى. للعلم، هذان الشرطان كانا الأساسيين في اتفاق الائتلاف الموقع بينهما.
بالنسبة لاجتماع مؤتمر باريس، الذي حضره وزراء خارجية ثلاثين دولة، من بينها الولايات المتحدة، تحت شعار التحضير لانطلاق عملية السلام على اساس "حل الدولتين". قبل التعليق على نتائج المؤتمر، نورد ما يلي: أن نتنياهو اعتبر أن مؤتمر باريس سيزيد من "تطرف" المطالب الفلسطينية، وأن "المفاوضات المباشرة" هي الطريق الوحيد إلى السلام.
من قبل، رفض أيضا المبادرة الفرنسية وبندها المتعلق بعقد مؤتمر دولي لإعادة إطلاق جهود التسوية بين الكيان والسلطة الفلسطينية، واقترح بدلًا من ذلك لقاء الرئيس عباس في باريس، إذ قال نتنياهو أثناء لقائه نظيره الفرنسي مانويل فالس، إن المفاوضات الثنائية هي "الطريق الوحيد للمضي قدما في مفاوضات التسوية"، وليس "المؤتمرات الدولية" على طريقة الأمم المتحدة" أو "الإملاءات الدولية" هي التي تقرر مصير الإسرائيليين والفلسطينيين.
مضيفا "سأقبل بسرور مبادرة فرنسية مع اختلاف مهم: أن الخطوة الجديدة يمكنها أن تجري في باريس، فهي ستكون مكانا رائعا لتوقيع اتفاق تسوية، ولكن فقط من خلال المفاوضات المباشرة، وبدون تدخل هيئات دولية". أيضا، فإن الرئيس أولاند ورئيس وزرائه أدانا قرار اليونسكو بخصوص "المسجد الأقصى" الشريف، الذي أصدرته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) الشهر الماضي، والذي لا يعترف بوجود أي علاقة لليهود بموقع المسجد الأقصى. وأوضحت أن استخدام المصطلح الأخير هو الأصح.
ورفضت المصطلح الصهيوني "جبل الهيكل". ودعا القرار كافة الدول والأمم المتحدة، للعمل بجهد لإلزام إسرائيل على تطبيق القرار. وقد أشار أيضا إلى حرص إسرائيل على نبش المقابر القديمة المخصصة للمسلمين في القدس، وسرقة آثار منها والادعاء بأنها آثار يهودية.
للعلم، فرنسا في مبادرتها الجديدة (بعد الأولى التي طرحها ساركوزي) لم تتجاهل المطالب الإسرائيلية في تعديل الحدود، المقصود القول إن باريس تعترف بما تطالب به إسرائيل من تعديل للحدود، والتعديلات التي تطلبها الاخيرة، كثيرة (مثل شهيتها لاحتلال الأراضي العربية) فهي التعديلات التي تُبقي على المستوطنات والمستوطنين، والطرق الالتفافية والجدار العازل في الضفة الغربية، أي أن الدولة الفلسطينية ستقام على أقل من 22% من مساحة الضفة الغربية، بالإضافة إلى قطاع غزة، دولة بكانتونات متفرقة مقطعة الأوصال. يتوجب القول أيضا، إن فرنسا اعترفت بـ"يهودية اسرائيل" وهو ما يقطع الطريق على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم وفقًا لقرار الأمم المتحدة رقم 194، الأمر الذي يشي بأن ما جاء في المبادرة الفرنسية، السابقة والحالية: من إخضاع قضايا الخلاف بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني إلى المفاوضات بينهما، قضايا تم حسمها إسرائيليا.
حول الندب العربي، نقول: بمجرد تعيين السوبر فاشي ليبرمان وزيرا للحرب في الكيان الصهيوني، كثر الجدل والنقاش في الساحتين الفلسطينية والعربية! الكلّ يحلل بأنها ستكون الحكومة الأشد تطرفا في الكيان! هذا الأمر للاسف يعكس قصورا فلسطينيا وعربيا (إن لم نقل جهلا) في قراءة هذا العدو. كنّا نطلق الوصف ذاته على كل حكومة صهيونية فور تشكيلها.
هذا الامر يعكس تصورا خاطئا فحواه: أن نتنياهو ونفتالي بينيت، كانا يستعدان للانسحاب من كل الأراضي المحتلة عام 1967، وجاء ليبرمان ليعطّل الصفقة!. دلوني بالله عليكم على حكومة إسرائيلية واحدة كانت قبضتها أرحم ولو قليلا من سابقتها، في التعامل مــــع شعبنا؟ اتهموا رابين بأنه"صـــانع الســـلام"! أذكّــركم سائلا: أليس هو صاحب سياسة "تكسير عظام الفلسطينيين"؟ الم يتمنّ أن يصحــــو يوما ويكــــون البحر قد ابتلع غزة؟. نرجوكم، إرحمـــونا وارحمـــوا أنفسكم من كل التحليلات الخاطئة، التي ترى فارقا بين قائد صهيوني وآخر! وبين حكومة اسرائيلية وأخرى.
الحقيقة فيما يتعلق بالكيان تتمثل فيما يلي: ان كافة الحكومات الاسرائيلية متطرفة لأن تطرفها ينبع من اعتناقها للايديولوجيا الصهيونية التي هي غاية في التطرف والعدوان والعنصرية. صحيح أنه توجد تباينات بين حكومة وأخرى بالنسبة للقضايا التي تمس الداخل الاسرائيلي، لكن فيما يتعلق بالعلاقة والموقف من الفلسطينيين، فكلهم متفقون .

د. فايز رشيد

٭ كاتب فلسطيني