رحم الله والدي الذي كان يلزمنا بالصمت كلما كان هناك خطاب للرئيس الراحل جمال عبد الناصر, أو قراءة لمقال الصحفي محمد حسنين هيكل الأسبوعي " بصراحة " فقد كان يجتمع مع رجال الحارة في بيتنا ويعلن حالة طوارئ لا يمكن أن تماثلها طوارئ الاستعمار البريطاني صانع تلك القوانين في بلادنا, كان والدي رحمه الله ورفاقه يحرمون علينا حتى أن نتنفس بصوت عالي, كان علينا جميعا أن ننصت لذلك الصوت الجميل وهو يرسم لنا لوحة رائعة وجميلة لغدنا وظل والدي يفعل ذلك حتى حرب 1967م حيث عاش أحرج لحظات عمره وهو ينتظر صوت جمال عبد الناصر فلم تعنيه البلاد التي ضاعت وكل ما كان ينتظره هو سماع صوت قائده ليعرف ما الذي حصل, وحين خرج ناصر ليطلب من الشعب مساعدته على قرار التنحي حطم والدي رحمه الله جهاز الراديو الوحيد وحرمنا من سماع عبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب ولم يعد الراديو إلى بيتنا إلا بعد أن بدأت حرب الاستنزاف وعاد الفرح لوجهه كلما سمع صوت عبد الناصر إلى أن سمع السادات يعلن رحيل قائده فحطم الراديو وضربنا جميعا أنا وإخوتي, ومنذ ذاك وأنا أتعلق بخطابات الرؤساء في مصر إلى أن أصبح لنا رئيس فعدلت عن سماع رؤساء مصر واخترت أن استمع لرئيسي, وكثيرااااااا حلمت بسماع ما أريد, كثيرا حلمت بان استمع لخطاب رئيسنا ليقول ما أتمنى وقد أصبح بإمكاني بخلاف والدي أن أرى وجه الرئيس وأنا استمع إليه بعد أن غزت محطات الفضاء كل الكون وحين عجزت عن تحقيق ذلك قررت أن أبادر بكتابة خطاب رئاسي أتلوه على نفسي, وها أنا أفعل لأحقق حلمي بنفسي وأكتب بيدي خطابا رئاسيا من أحلامي فاستمعوا إليه واحلموا معي لعل وعسى ينقلب الحلم حقيقة ويوافق السيد الرئيس على قراءة خطابي علينا صوتا وصورة.
وهذا هو نص الخطاب الذي كتبته باسم الرئيس ونيابة عنه لنفسي ولا أحد سواي فقد لا يكون مضمون الخطاب يروق للكثيرين من ستطالهم الصراحة الفجة في خطاب حالم آملا أن يسعني حلمهم ويدركوا أن الأحلام لا تحكمها قوانين وأن ما سيرد من كلام على لسان السيد الرئيس هو محض اختراع مني ولا علاقة للسيد الرئيس بذلك ولذا فان أحدا لن يسائلهم ولن يقترب من مصالحهم ولن يطالهم سوء جراء هذا الخطاب فقد لا يقرأه أيا من مقربي الرئيس حتى وان فعلوا فهم حتما سيحاولون أن ينسوا مجرد وجوده وأما المعنيين بالأمر من المظلومين والعاطلين عن العمل والمرضى بلا علاج والحالمين بوطن حر وعادل ومستقل فلدي كل الشك بأنهم يملكون أجهزة حاسوب ليقرؤوا ما اكتب وان ملكوا فلا وقت لديهم فالسعي في سبيل لقمة العيش أهم بكثير من هرطقاتي وأحلامي التي لا تغني ولا تسمن من جوع فلقد شبعوا كثيرا من طق الحنك والحذلقة اللغوية:
يا أبناء شعبي العظيم,
يا نساء ورجال فلسطين: يا أبناء وأمهات وزوجات الشهداء كل الشهداء بما فيهم أولئك الذين سقطوا برصاصنا علينا حين تهنا عن دربنا ولا زلنا نتوه فلقد قتلنا منا من قتلنا وأرحنا الأعداء من بعضنا لندعهم ينشغلون بما تبقى منا, أيتها البطلات والأبطال الجرحى أينما كنتم وأيا كان السهم الذي أصاب أجسادكم الطاهرة, أيتها الرائعات وأيها الرائعون في معتقلات الأعداء المحتلين وفي كل معتقلات الأرض بما فيها معتقلاتنا, سلام عليكم جميعا وسلام لكم سلام على معتقلي فتح في غزة وعلى معتقلي حماس في الضفة, بالحق سننطق والحق نقول فلم يبق من العمر متسع من وقت لنطيل الانتظار وارى لزاما علي أن أقول لكم كل الحقيقة وان استمع منكم لكل الحقيقة وأنا اليوم استلهم بكل العزم خطاب الرئيس الخالد جمال عبد الناصر حين أعلن تحمله لكامل المسئولية وطلب من الشعب أن يقبل منه اعتذاره عن مواصلة الحكم فعاد حاكما باستفتاء شعبي لم يعرف العرب مثله على مر العصور.
يا رفاق السلاح الذين رحلتم عنا وتركتمونا بزمن التيه ... يا قائدي أبو عمار ويا إخوتي أبو جهاد وأبو إياد, يا شيخي الجليل أحمد ياسين ويا عبد العزيز الرنتيسي, يا حكيم ثورتنا ويا أبو علي مصطفى, يا فتحي الشقاقي ويا عمر القاسم وخالد نزال وأبو العباس, يا ضميرنا وفكرنا وروحنا كمال ناصر وغسان كنفاني وناجي العلي, ليس يمكنني سوى الوفاء لكم فرفقة السلاح والفكر وتاريخنا المشترك يقتضي مني أن أصدقكم واصدق شعبنا وأنا ادري أننا سنلتقي يوما – ولم يعد هذا الأمر بعيد – ولذا أرى لزاما علي ومنذ الآن أن أجيبكم على كل أسئلتكم وها أنا يا رفاق الدرب أقدم لكم ولشعبنا جرد حساب كامل عن كل شيء حتى أبريء ذمتي أمامكم أولا وأمام أطفال شعبنا وامتنا ثانيا.
أما انتم يا قادة فتح وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية وحماس فبربكم من هو الذي منعكم من مواصلة الكفاح, من هو الذي دعاكم ورفاقكم للمطالبة بتقاسم السلطة ووظائفها من الذي طلب منكم تسليم سلاحكم أو إلقاءه بعيدا والاكتفاء بسلاح الكلمات الذي لا مضمون لها فلم تعد تثير في شعبنا سوى الشفقة, لا تقولوا لي أننا في أجهزة السلطة اعتقلناكم وبالتالي نحن من منعناكم عن الكفاح والمقاومة فالاحتلال نفسه سمى معتقلاتنا يوما بالباب الدوار والذي يرغب بالفعل المقاوم لم يمنعه الاحتلال بكل ما يملكه من قوة فكيف بربكم منعتكم السلطة عن ذلك وانتم من لم يعد لكم مطلبا سوى الوظائف والامتيازات, الجميع منكم بات يرغب بالمناصب وبطاقات الشخصيات الهامة والوظائف لزلمه وفصيله حتى باتت السلطة بديلا للثورة وليس العكس, فلماذا لم تواصلوا الكفاح ولماذا لم تواصلوا المقاومة, من هو ذاك الجهبذ الذي اقترح عليكم أن يصبح قادة الثورة أعضاء برلمان ووزراء بدل أن يعطوا ذلك لمن هم في الصف الخامس أو لمواطنين يدركون كيف يقومون بدور النائب ويتفرغ القادة للثورة ومشروعها, ولماذا صرنا جميعا نتسابق على التنسيق كل من جانبه وكل حسب رؤياه فصار التنسيق في الضفة خيانة وفي غزة لحماية المقاومة والعكس صحيح, في غزة هناك مشروع للمقاومة وفي الضفة هناك مشروع وطني ومهما اسمينا مشاريعنا فان المشروع الوحيد الذي ينهب أرضنا وبلادنا بديلا لمشاريعنا اللفظية هو مشروع الاحتلال الاستيطاني الذي يبني مستوطنة جديدة مقابل كل خطاب أو قصيدة أو أغنية فلسطينية جديدة, ولذا أصدقكم القول أنكم جميعا تآمرتم وأنكم جميعا وضعتم مصالحكم ومصالح جماعاتكم فوق مصلحة الوطن وغادرتم طريق الكفاح كليا بعضكم صمت واكتفى بالمهرجانات والخطاب اللفظي وبعضكم وجد في اتهام السلطة متنفسا لهروبه من المواجهة والكفاح والثورة فلا احد يمكنه أن يقف في مواجهة إرادة شعب إن هو قرر أن ينتفض حقا وفعلا, وآخر تخاذلكم كانت انتفاضة السكاكين أو انتفاضة القدس أو انتفاضة البراءة فكل من شارك بها كان بريئا من كل عمل منظم لدرجة أن أحدا منكم لم يجرؤ على تبني شهيد واحد من شهداء هذه الانتفاضة واكتفيتم جميعا بالتصفيق لهم عن بعد, توقعت منكم أن تتركوا السلطة تغازل العالم وإسرائيل وتتحدث بلغة السلام وتتابعوا انتم مقاومتكم كمعارضة حقيقة, وكنت سأقبل منكم أن تهاجموا السلطة وان تواجهوها بمعارضتكم وثباتكم على مواقفكم فقد كان ذلك سيخدمنا أمام العالم وبالعكس من ذلك صمتم صمت القبور, وبخلاف ذلك تسابقنا جميعا على إرضائهم بدل أن نتسابق على مقاومتهم وكذا فعل بنا كل العرب فبعد أن كانت العلاقة مع دولة الاحتلال عار وجريمة باتت الدول العربية أيضا تتسابق على التنسيق والعلاقة مع الاحتلال ومشاريعه في المنطقة فأي حالة عربية وفلسطينية مزرية هذه التي وصلنا إليها جميعا وقد نكون أول شعب يهزم نفسه بنفسه.
أقول لكم جميعا ماذا فعلتم لشعبنا منذ أقيمت السلطة الوطنية وأين هو النشاط الوطني الفاعل الذي قمتم به أم أنكم تسمون الاحتفالات الموسمية في بلعين أمام الكاميرات نضالا وتسمون خطاباتكم على شاشات التلفزيون نشاطا مقاوما وتسمون مهرجانات النكبة والنكسة أفعال كفاح تلك التي صارت تبدو وكأنها احتفالات بالنصر والتحرير لشدة بهرجتها, وجعلتم من إعلان ورقي يتيم أسميناه إعلان الاستقلال وكأنه ذكرى استقلال حقيقي نحتفل به ككل الشعوب التي تحررت من نير الاستعمار والاحتلال, غريبون انتم حتى معارضة حقيقية يمكننا أن نعتمد عليها في الضغط على العالم والاحتلال لم تستطيعوا أن تقيموا وبدل ذلك تنافستم على الاشتراك بأنماط وأشكال الحكم الذي تعرفون جميعكم جيدا انه حكم وهمي لا يمكنه أن يصبح حقيقة دون تحرير الأرض وكنس المحتلين عن بلادنا كليا, أقول لكم صراحة لقد أصبحتم مناضلين على مواقع التواصل الاجتماعي واكتفيتم ببياناتكم وخطاباتكم وصوركم هناك ورفعتم شعار وكفى الله المؤمنين شر القتال بغير محله.
كان علينا جميعا أن ندرك أن أوسلو وقعتها منظمة التحرير ولم توقعها فصائلها وبالتالي فان أحدا من شعبنا لم يطالبكم بالالتزام بها أو بالرضوخ لها بل كان عليكم أن تدركوا الفرق بين دور السلطة ودور الثورة لا أن تضعوا الثورة في جيب السلطة أبدا, ونحن بحاجة حقيقة لمثل هذا النمط من الأدوار لمن يحارب ولمن يفاوض على أن تتناغم أدوارهم فلم تنجح مفاوضات على وجه الأرض لم يدعمها ثوارها ولقد كانت فيتنام نموذجا لنا جميعا فلم تتوقف المفاوضات يوما ولم يتوقف القتال إلا عند رحيل آخر جندي أمريكي عن الأرض الفيتنامية فما الذي كان يمنعنا نحن من أن نفعل ذلك أم أن علينا برأيكم أن نتبادل الأدوار فهل كان من الضروري مثلا أن نسلم السلطة لكم ونذهب للقيام بدور المعارضة الثورية لعل وعسى.
كنت اعتقدت أن بإمكاننا أن نوزع الأدوار فيما بيننا بصمت وبدون إعلانات, وان تكون لدينا سلطة تنفذ التزاماتها الدولية في حين لدينا معارضة أقوى من السلطة وقادرة على أن تعطي السلطة قوة أمام الأعداء, كنت معتقدا أن بإمكاني أن أخاطب العالم بكل قناعاتي بالسلام وان أجامل وأقدم صورا لشعبنا كما يريدون لنا أن نكون لعلي أوفر لكم رواتبكم التي نشحذها يوميا من عالم تعلمون جيدا كم هو معادي لطموحات شعبنا, وأن اصدر تصريحا هنا وتصريحا هناك لهم أهداف آنية أو استجابة لضغوطات دولية أو انطلاقا من باب احتياجاتنا وهي كثيرة في حين تكونون في المعارضة أكثر قدرة على تشجيع الجماهير على الكفاح بكل الأشكال المتاحة وكل ما وجدته منكم السعي المجنون لتحقيق المكاسب الحزبية الضيقة, كيف تريدون مني أن أحارب إسرائيل والعالم وأنا ملزم بزيادة رواتبكم وامتيازاتكم وسياراتكم ومكاتبكم ورحلاتكم, فكيف بربكم تعتقدون انه كان بإمكاننا أن ننتصر ونرغم الأعداء على التنازل ما داموا يرون الجميع يتهالكون على نعم الحياة أيا كانت ظروف الشعب والوطن, وكيف بربكم تعتقدون أن جماهير شعبنا ستثق بكم وماذا كانت ستتعلم منكم وكيف كانت ستقبل الالتفاف من حولكم ومن حول برامجكم الغائبة أصلا عن همومهم وهي تكتشف كل لحظة أن البرنامج الوحيد الذي تملكونه هو تحقيق مصالحكم ومصالحكم فقط.
دائما كانت لدي البدائل الممكنة فان لم نتمكن من صياغة ثورة ومعارضة قوية تقودنا للنصر فقد كنت آمل من زملائي في السلطة أن يكونوا نموذجا جديدا للعالم وشعوبه المقهورة وان نعلم العالم درسا بالنجاح يفوق دروس اليابان وألمانيا وغيرهما ممن استطاعوا أن يقفزوا فوق جراحهم ويصوغوا انتصاراتهم بإرادة أنست الكون أن احتلال بلدان مثل ألمانيا واليابان عار وجريمة فلم يعد احد يذكر حكاية الهزيمة والاحتلال بل صارت اليابان وألمانيا أعظم بكثير من عديد الدول المستقلة والمنتصرة وضربت مثلا يحتذى لكل شعوب الأرض وكل ما وجدته هو العكس فلم ننجح بشيء ولم نقدم مثلا يحتذى بشيء إلا إذا كان الفساد والانقسام والتكالب على المصالح والامتيازات نماذج تحتذى فالأمر سيكون مختلف, لم ننجح في خلق نظام تربوي ناجح ولا نظام صحي ناجح ولا زراعة ناجحة ولا تجارة ناجحة ولا صناعة ناجحة, كل محاولاتنا لمقاطعة منتجات الأعداء نجحت في الخارج وفشلت هنا مع أننا نحن الذين نقع تحت احتلالهم وموتهم وقمعهم فلم نسعى مثلا لإنتاج سلعة تفوق سلعهم ولم ننتمي لمنتجاتنا وظللنا مشدودين بغباء لمنتجاتهم مع إدراكنا وخطاباتنا عن أن كل فلس يذهب لاقتصادهم هي رصاصة في جبين واحد من أبناءنا, وفي حين يقاتل العالم معنا ضد الاحتلال ويقاطعون منتجاته ومؤسساته ننشغل نحن عن ذلك وكأن الأمر لا يخصنا, نجحنا نعم في أن يكون لدينا جنرالات أكثر من عدد جنرالات جيوش أمريكا وروسيا معا, نجحنا نعم أن يكون لدينا مدراء عامين ووزراء ونواب ورواتب ورتب ومكاتب وكتب أكثر من عديد من دول العالم, نجحنا في أن لا يركب قادتنا إلا سيارات مرسيدس وان لا يتحركون إلا بمرافقة وان يكون لزوجاتهم وأبنائهم وعائلاتهم سيارات على حساب قوت الشعب ورأيت مظاهرات بحجم الكون تطالب بالرواتب ولم أرى محتجا واحدا على الفساد, رأيت مسيرات ضد مشروع الضمان ولم أرى أحدا من هؤلاء ضد الاستيطان رأيت مستوزرين ولم أرى مناضلين فإلى أين بربكم بمثل هذه " العدة " يمكننا أن نصل, تجتمعون لأجل راتب بالآلاف وتغيبون حين يكون الأمر يعني الأسرى والقدس والاستيطان وحتى حين يناضل الأسرى أنفسهم فإنهم يناضلون لأنفسهم وباتت مطالبهم شخصية فلم نسمع عن أسير واحد اضرب للإفراج عن كل الأسرى ولا لإلغاء الاعتقال الإداري من أساسه بل ليتم الإفراج عنه شخصيا وشخصيا فقط وكل ذلك لأنهم يئسوا منا ولم يعد لديهم أي أمل, ألا ترون معي حجم الكارثة حين يكون عدد الأسرى بالآلاف بينما عدد المشاركين بالأنشطة التضامنية معهم لا يزيدوا عن عدد أصابع اليدين ومعظمهم عاملين ومتفرغين فحتى أسرهم وذويهم لا يتضامنون فأين تكمن الكارثة بربكم, نجحنا في أن نرى القادة في المطاعم الفخمة وعلى شاشات التلفاز وفي الطائرات في الدرجة الأولى مسافرين وفي فنادق النجوم السبعة مستمتعين فإلى أين سنصل, نجحنا في توظيف أبناء العائلة والأقارب حتى أصبح هناك اسر بكاملها موظفين واسر بكاملها تفتقد الخبز فإلى أين سنصل.
أسألكم بكل الوضوح والصراحة فيما إذا كنتم فعلا تريدون وطن حر فان عليكم أن تعرفوا أن أحدا لن يدفع رواتبكم ولا أجور سفركم ولا فواتير فنادقكم فهل انتم مستعدون لذلك, هل انتم مستعدون للموت كفاحا في سبيل وطن حر أم أن الأمر خلاف ذلك, هل نحن بحاجة للوطن أم أننا بحاجة للبذخ والأمران متناقضان فلا وطن حر مع قادة يتسابقون للبذخ والاسترخاء وضمان غدهم بالمال فإما أن يكون مطلبنا الوطن أو أن علينا أن نبيعه إن بقي منه ما يباع أصلا لتستمتعوا بيومكم ولا خيار لكم ودعونا لا نواصل الكذب على أنفسنا فالرواتب التي تطالبون بها والامتيازات التي تريدونها والضمانات التي تبحثون عنها ورغباتكم بالنضال بدون ثمن بما في ذلك ثمن الاعتقال أمور يصعب جمعها معا فرواتبكم مصدرها ليس ضرائبكم ولا جهدكم بل أمريكا وأوروبا والسعودية وقطر وما إلى ذلك فإلى أين إذن تريدوننا أن نصل.
أما جماعة المصفقين " السحيجة " بسبب وبدون سبب فهم الطامة الكبرى, لقد كانوا جاهزين لتبرير كل قول قلته لهدف محدد وآني وكنت راغبا بان لا يقبله شعبي, فلست سعيدا أبدا بدفاعكم عن ما قلته عن الأغاني العبرية ولست سعيدا بدفاعكم عن ما قلته في حالات محددة عن المقاومة ولم أمنعكم أن تتقدموا الصفوف في جنازات الشهداء ولا في المواجهات مع المحتلين أم كان علي أن أقول لكم بالأمر المباشر افعلوا كذا وكذا وجميعكم تذكرون أن قائدنا أبو عمار رحمه الله فعلها في سنوات الانتفاضة وتعلمون النتيجة, قلت إن هذه صواريخ عبثية يوما فالبعض اعتبرها خيانة والبعض صفق لها, وسؤالي بربكم إلا يوجد معنى آخر لهذا القول ودعوني أساعدكم فحين تحدثت عن الصواريخ العبثية ألا يجوز برأيكم أنني كنت اقصد " ما هكذا تورد الإبل " أو أنني كنت أوجه ذلك للمجتمع الدولي الذي يبحث عن أي إدانة لنا ولو جزافا أو أنني كنت اقصد أن بالإمكان أن لا تكون هذه الصواريخ عبثية وأقول هنا من باب ضرب المثل لا أكثر فلقد تعبت من غباء من هاجموا وسذاجة وكذب من جاملوا ففي كلتا الحالتين مهزلة.
يا أبناء شعبنا العظيم
لقد آن الأوان أن نكون معا صريحين وواضحين ولم يعد ممكنا أن نواصل محاولات احتواء جنون أعداءنا ورغبتهم المتواصلة بالتخلص منا وصار لزاما علي أن أضع كل الحقائق أمامكم جميعا أطفالا وشبابا وشيوخ, لقد آن لي أن اروي لكم وقد حملتموني المسئولية عمرا كاملا كامل الحقيقة وكل ما أشعره وما شعرته خلال سنوات تحملي المسئولية فلقد حلمنا جميعا وكنت أول الحالمين بأن طريق أوسلو قد تصل بنا ذات يوم إلى الدولة وكنت ولا زلت ممن يؤمنون أن طريق السلام هو اقصر الطرق لصالح رفاهية وخير الأمم ولذا ذهبنا إلى أوسلو وحاولنا جاهدين أن نقنع العالم أننا فعلا دعاة سلام وفي سبيل ذلك كنا الشعب الوحيد على وجه الأرض الذي سلم بمعظم وطنه لأعدائه لعلهم يقبلون بالسلام وقايضنا بلادنا بأجمل ما فيها مقابل السلام قبلنا بغياب يافا وحيفا وعكا وهي قطع من قلوبنا مقابل أن يقتنعوا بان السلام غايتنا وان يتركوا شعبنا يعيش بسلام مثل باقي شعوب الأرض, تنازلنا بكل شيء وقبلنا أن نؤجل موضوع القدس فعاثوا في القدس فسادا على مرأى ومسمع منا, قبلنا بتأجيل قضية اللاجئين فلم يتركوا لاجئا هانئا في بلاد اللجوء, قبلنا بتقسيم ما تبقى من الوطن المقسم إلى فئات فنهبوا ما بقي من المنهوب قبلنا بغزة لعلنا نصل الضفة فسلخوا غزة عنوة عنا وساهمنا ويا لحسرتي جميعا بان يصبح هدفهم الذي سعوا إليه حقيقة, فلقد كان كل همهم أن يتخلصوا من غزة وغزة فقط ولقد كنا الأداة لتحقيق ذلك فها هي غزة تغرق في حصارها وجوعها وظلامها وحيدة دون أن يتنبه لذلك أحد وهم يسعون جاهدين لإيصالنا لمرحلة القبول بغزة دولة فلسطينية مستقلة وبذا يكون شعارنا الأعرج الذي دافعنا عنه بدمنا قد تحقق بما يضمن لهم كل ما يريدون ويسلب منا كل ما نريد.
عليكم أن تدركوا جيدا أن لا احد في دولة الاحتلال يريد سلاما معنا بل سلام لهم على حسابنا أفضلهم يريدنا أحياء بعدد قليل منا على أرضنا عمالا يقومون بكل العمل الأسود نيابة عنهم بدءا من تنظيف شوارعهم وانتهاء بحمل الطوب على رؤوسنا لبناء بيوت مستوطنيهم ويريدون غالبيتنا العظمى بعيدا عن بلادنا وبعيدا جدا وهم لا يرغبون بفلسطيني يدعو للسلام ولا يرغبون بنا إلا على صورتين إما خونة وإما إرهابيين ولن تجدي معهم مفاوضات ولا حتى استسلام ولن يجد شعبنا بديلا يوما عن استعادة وحدته وقوته وصموده وقدرته على مواصلة الثبات والكفاح حتى النصر ولا يمكن لفلسطين يوما أن تقبل القسمة فهي ارض واحدة موحدة ولا حياة لها إلا كذلك, وأكثر ما يمكن أن يحلموا به هو دولة فلسطينية في غزة يمكن أن تتوسع على حساب مصر لا أكثر ولا اقل وأية أحلام لدينا علينا أن نصحو منها قبل فوات الأوان.
بين الفينة والأخرى تتكرر مهزلة المبادرات والمؤتمرات والحلول الدولية ونجد أنفسنا مجبرين على التعاطي معها والنتيجة أن كل المبادرات والتصريحات والخطط كمثال خارطة الطريق والمبادرة الفرنسية الأخيرة كل ما تفعله أنها تطيل عمر الاحتلال وتعطيه فرصة اكبر لمواصلة تهويد بلادنا وسرقة أرضنا وتسهيل مغادرتنا لها بكل الطرق والأشكال بما فيها حالة الانقسام والقهر الذاتي التي نعيشها فكل ما في حياتنا يدفع بابناءنا لمغادرة الوطن وهو ما يحلمون به في دولة الاحتلال للوصول إلى فلسطين بدون فلسطينيين ونحن لا زلنا ندفن رؤوسنا في الرمل مستسلمين بصمت الفعل وصراخ أصوات الطبول الجوفاء في آن واحد معا.
دعوني أقول لكم الحقائق الجارحة أو تلك التي يسميها المتحذلقين عادة بالمسكوت عنه, المقدسيون غارقين بالتمسك بهويتهم الزرقاء والباحثين عن عمل يتمنون الزواج من فتاة لديها هوية زرقاء ليرزقوا بمثلها, ومن جاع منا لجأ إلى المستوطنات ليعمل في بناءها, وأبناء الجليل والمثلث والنقب يتمسكون بمواطنتهم هناك بأسنانهم لما يوجد من امتيازات تغيب في بلادنا ومن حرية كاذبة لكنها تفوقنا وحين حاولنا أن ننشئ نظاما للضمان الاجتماعي أتينا به مشوها, ومنذ سنين ونحن نتحدث عن نظام تامين صحي عصري وشامل وكل ما لدينا واسطة ورجاء لتحويل مريض حقيقي لا وسيط له, وكل قوانيننا تغيب في قضاء رتيب وممل وشكلي في معظم الأحيان فقضاؤنا يبدأ دوامه عند العاشرة صباحا وينتهي عند الواحدة وحقوق الناس تؤجل وتؤجل وتؤجل وبعض القضايا المنظورة أمام محاكمنا مر عليها سنوات وسنوات, الواسطة والمحسوبية والرشوة منتشرة انتشار الهشيم, شبابنا ينامون هنا ويحلمون بأبواب سفارات العالم وفيزهم وجواز سفر أجنبي أيا كان, الفاجعة كل الفاجعة أن غالبية شبابنا يتمنون جنسية لبلد آخر ويتسللون هناك بكل السبل بل إن منهم من استغل ذهابه باسم قضيته ليستوطن هناك, وعلنا وعلى رؤوس الأشهاد يعيش بين ظهرانينا وكلاء وسماسرة للهجرة دون خوف أو خجل, صراع خفي بين مواطني الأراضي المحتلة عام 1967 والمحتلة عام 1948 وبين سكان القدس وغيرها, وبين غزة والضفة وبين المخيم والمدينة والقرية وغيرها وغيرها فلقد كدنا نخسر المسيحيين من مواطنتنا مثلا وتركنا الغالبية العظمى من الدروز ينخرطون في مؤسسات دولة الاحتلال بما فيها الجيش, وصارت البدوية طائفة في النقب, لا احد ينتمي لوطنيته بالسلوك العملي فالموظف كل همه التهرب ووجود عمل آخر غير وظيفته, والتاجر والصانع لا يعرفون معنى الصدق في دفع الضرائب وان أرادوا فان الفساد حجتهم الأقوى بان التهرب أفضل من دفع المال لناهبيه, وعادة ما يتعارض أصلا مع وظيفته فالطبيب في المستشفى يعمل لعيادته الخاصة, وعامل النفايات لا يجد في راتبه ما يبرر له أن ينظف جيدا وغياب العقوبات الرادعة لا تمنع الحرفي من الغش والتاجر من إحضار البضائع الفاسدة أو أسوأ البضائع لبلادنا حتى أصبحت أسواقنا مزابل لمنتجات الآخرين أكانوا من المحتلين أم من غيرهم وتذكرني هذه الأيام بالنكتة الشائعة عن ذاك الذي ذهب لإحضار بضاعة من الصين في رمضان ودعاه مضيفه الصيني لتناول الغداء فرفض لأنه صائم والأكل حرام وحين تحدثا عن الشغل طلب من الصيني أسوأ بضاعة مقلدة فاستغرب الصيني لأمر الرجل الذي اعتبر الأكل حرام ولم يعتبر الغش كذلك فأي إيمان مشوه هذا, أليست هذه نكتتكم اليوم, حين سمح نتنياهو بالتصاريح ذات يوم كدتم تحتلون شواطئ حيفا ويافا حتى ضج الإعلام العبري منكم وبكم بينما أحراشنا ومحمياتنا الطبيعية مدمرة وخاوية على عروشها, وحين انسحب الاحتلال من بعض مستوطناته دمرتم كل شيء ونهبتم كل شيء وكان الأرض للأعداء وليست لكم, وأسألكم بربكم هل هذه صفات مواطنة حقة, وأسال أولئك الذين يتربعون على دفة القيادة في السلطة وفي الفصائل أين دوركم في كل ذلك أم أن السفر إلى مؤتمر في باريس أهم مليون مرة من خوض كفاح يومي طويل بين صفوف شعبكم ضاربين المثل بأنفسكم بالمواطنة, مستشفيات الحكومة ومدارس الحكومة للفقراء وصغار الموظفين أما كباركم بكل المستويات بما فيكم قوى اليسار حتى فان أبناءهم لا يعرفون أبواب المدارس الحكومية فأي اشتراكية عرجاء هذه, والأخوة في غزة غارقون بالبحث عن مخرج لهم عبر البحر أو عبر رفح ولا يفكرون بالعبور إلينا كما لا نفكر في العبور إليهم وكلما اقتربنا من بعض قمنا نحن أو هم بعمل هنا أو عمل هناك لوقف حالة الاقتراب وعدنا إلى نقطة الصفر ... وسؤالي للجميع ماذا نحن فاعلون وكم عدد الشباب في قيادات فصائلنا بل وكم عدد المنتمين بين الشباب لهذه الفصائل أم أنها باتت حكرا على بعض الممتهنين للعمل السياسي بعد أن غابت عنهم إلى الأبد صفة الثورة ومن هو الفصيل الذي فحص نسبة الزيادة في العضوية منذ أوسلو حتى اليوم, من هو الفصيل الذي مارس النقد الذاتي لسلوكه أو سلوك قياداته أو برامجه منذ تأسس حتى اليوم هل من المعقول أننا لا نخطيء أبدا وانتم ترون يوميا كيف يحاكم ويحاسب قادة الاحتلال ويسجن هناك رئيس الدولة ورئيس الوزراء وتنبش أسرار بيوتهم وكان الفساد كل الفساد عندهم والاستقامة كل الاستقامة ومن النوع المطلق عندنا, بربكم هل هذا أمر منطقي ويمكن تصديقه, بعد الحرب على غزة انهمكت مؤسسات الاحتلال جميعها في استخلاص العبر وأدانت من أدانت وطردت من طردت وعاقبت من عاقبت بينما انشغلنا نحن في تدبيج القصائد والأغاني والمقالات عن البطولة والنصر دون أن يرف لنا جفن أو تندى لنا عين من الخجل من أجيالنا القادمة جين تجد نفسها ملزمة في فتح ملفات فشلنا وكذبنا واستعراضاتنا الجوفاء, واني اقسم بالله صادقا أننا لو طبقنا المعايير التي يطبقها أعداؤنا في تحصين أنفسهم ومحاسبة مسئوليهم لكان علينا أن نستورد مسئولين من الصين كما نستورد بضاعتهم مع أني أخشى أننا حتى في ذلك سنطلب من الرفاق الصينيين أن يعطونا أسوا ما لديهم بأقل الأسعار مع كامل اعتذاري للشعب الصيني العظيم واعتزازي به وبتاريخه وانجازاته العظيمة في كل الميادين.
لقد حرصت دوما وفي كل المناسبات أن أقدم للعالم ولاعداءنا في المقدمة الإثبات تلو الإثبات بان السلام ممكن وان السلام وحده هدفنا ولن نحيد عنه ومنذ مدريد وأوسلو ونحن نحاول ونسعى ونقدم الإثباتات بكل الطرق قلنا لهم إننا نحب لغتهم ونهتم بحياتهم وحياة أبناءهم وهاجمنا الجميع ممن يطالبون بالمقاومة وسجنا واعتقلنا وحاربنا وغنينا ولكن ظلوا كما هم وكلما قدمنا تنازلا طلبوا تنازلا آخر وكأني بهم يحملوننا للتنازل طواعية عن بلادنا كل بلادنا شريطة أن لا نقول إنها لنا ولو لغة فهم حتى لا يقبلون تنازلنا عنها ولقد وجدت في بلدان العالم آذانا صماء لا يسمعوننا ولا يروننا وحتى وهم يبكون علينا لا يريدون لأحد أن يرى دموعهم.
لقد تركنا سلاحنا في بيروت وخرجنا إلى فيافي الأرض وذهبنا برجالنا إلى تونس والسودان والجزائر فجاع من جاع وعري من عري وكفر بنا من كفر حتى ضاقت بنا الأرض فلم نجد بدا من قبول ما يعرض علينا فعدنا للوطن ليضيق بنا وعلينا ليس من الأعداء فقط بل وبأيدينا فها نحن ممزقين ممنوعين من التواصل وكاذب من سيقول لكم إن الاحتلال وحده هو السبب فهو وان كان بالضرورة مسئول عن كل كوارثنا إلا انه بالتأكيد ليس المسئول الأول عن الانقسام وغياب المصالحة وليس المسئول الأول عن الفساد والفوضى والاستزلام وليس المسئول الأول عن توقف المقاومة بكل أشكالها ولقد دعوت مرارا وتكرار الجميع للجوء للكفاح الشعبي لكنني للأسف لم أجد كفاحا حقيقيا من احد بل وجدت عملا موسميا دعاويا لا معنى له ولا تأثير على الأرض أبدا.
منذ مدريد وأوسلو وحتى اللحظة ونحن نعلن ونمارس إعلاننا بأننا مع خيار المفاوضات, وكلما حاولنا العودة إليها بنوع من الكرامة كان إصرارهم أن علينا أن نأتي صاغرين فلا يمكن قبول أي شرط مهما كان بما في ذلك شرط وقف الاستيطان ونحن نتفاوض, قبلنا بدولتهم ليقبلوا بدولتنا فسرقوا منا ما أوهمونا انه معنا ثم وجدوا مطلبا جديدا بان علينا أن نعطيهم ديانتهم, فهل سمعتم عبر التاريخ أن هناك مؤمن بدين يطالب أتباع دين آخر بموافقتهم على دينهم لهم سوى هؤلاء الذين يصرون على مواصلة الحرب معنا بكل الأشكال والأخطر منهم هو هذا العالم الرسمي الصامت والقابل بكل هذه المهازل.
وبعد فان خطابي لكم يا كل نساء ورجال فلسطين الطيبين أينما كنتم على وجه الأرض أو في ترابها ممن لم تلوثكم سياسة الكذب والمصالح, أنتم يا من آمنتم بنا يوما فخذلناكم, أنتم يا من انتظرتم أن نعود لكم بالوطن فأضعناه عنوة وعلى رؤوس الأشهاد وفي غفلة منكم, أضعناه وانشغلنا عن مصالحكم بمصالح الآخرين, وبدل أن نبني لكم تجربة ناجحة يمكنكم المراكمة عليها رحنا نبحث عن مصالح صغيرة ضيقة حتى بات الوطن بالنسبة لمن كان من المفروض أن يكونوا صناع الدولة والنصر مصدرا للنهب والتخريب وكأني بكم اليوم لا تصدقون أن هؤلاء ينتمون لنفس الوطن الذي تنتمون إليه فلم يؤسسوا لكم مؤسسات ناجحة للتعليم والصحة والثقافة والشباب والحكم المحلي بل قدموا لكم نماذج بذيئة للفساد والتخريب والرشوة والبلطجة فماذا انتم فاعلون ولمن ستشكون من لا يخاف الله ولا يخاف الشعب وهو آمن من طرف الأعداء لان ما سلكه من دروب كان يصب في مصلحتهم.
يا أطفال وشباب فلسطين
انتم يا أبنائي وأحفادي يا من يملؤني الألم على غدكم ويلح علي سؤالكم ماذا سنترك لكم غدا على هذه الأرض التي تستحقونها وتستحقكم فانتم من تستحقون الحياة عليها وليس الحجارة, فليس هناك ما يستحق الحياة بل من يستحقها وهو أنتم فكونوا الحياة إذن, وأنا اعرف جيدا أنني وسواي لم نؤمن لكم مكانا آمنا للنوم ليلة واحدة بأمان, اعرف جيدا أن منكم من يكابد شظف العيش والهروب من نار لنار, ومن مخيم لمخيم, ومنكم من لم يدري بعد ما الذي تخبئه له الأيام, وادري جيدا أنكم ذهبتم بسكاكينكم للموت برصاص المحتلين لأنكم يئستم منا ومن وعودنا وكذبنا وخرافاتنا عن غدكم, فالحكم لكم ولبراءتكم علي أنا وعلينا جميعا كل الحق بان تحكموا على ألقابنا وسياراتنا ومناصبنا وبيوتنا وأطفالنا الذين لم يجوعوا ولم يتشردوا ولم يعرفوا معنى غياب البيت والخبز والدفء فلقد آن الأوان لان نحضر جميعا أمامكم لتحاكمونا فاحكموا ما شئتم فالحق لكم والأمر بكم والوطن الذي أضعناه لا زال لكم وسيبقى لكم مهما تنازلنا ومهما تخاذلنا ومهما تراجعنا فالقادمين إلى الأرض منكم لم تلوثهم بشاعة وقذارة هذا الزمن المجنون الذي لم يعد يعرف سوى لغة الموت للآخر في سبيل مصلحة الذات.
أسألكم أنتم ولا أحد سواكم كيف يمكنني أن أوفر للجميع رواتب عالية وامتيازات وسفريات وشوارع ومدارس خاصة ومستشفيات وقصور وسيارات فارهة وانتم تعلمون أننا نشحذ كل شيء وبنفس الوقت تسالون عن الوطن وتحريره من الاحتلال فمن الذي سيحرره إن لم نشمر عن سواعدنا ونربط الأحزمة على بطوننا, أم أن علينا أن نستورد مناضلين أيضا من الخارج كما نستورد سياراتهم وربطات عنقهم وعطورهم وما إلى ذلك.
وقبل أن اختم اسمحوا لي أن اصدر القرارات التالية لعل وعسى:
1- يعاد الاعتبار لحكومة السيد إسماعيل هنية الأخيرة بكامل هيئتها كحكومة الشعب الفلسطيني ومهمتها الشروع فورا بإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية معا وفي يوم واحد وبسقف زمني لا يتجاوز الشهور الستة وإلا فإنها تعتبر منحلة فور انقضاء المهلة سواء أنجزت عملها أم لم تنجزه وعلى الجميع تسهيل عمل هذه الحكومة بالمطلق وطوال فترة عملها يمنع التوظيف والطرد ومنح الامتيازات وعمل العقود لأي سبب كان.
2- يتم تشكيل هيئة للرقابة والتدقيق وضبط الجودة في المؤسسة الحكومية وسأقوم شخصيا باختيار أعضائها والشرط الأول لمن سيكون بهذه الهيئة أن لا يكون له صلة أو قرابة أيا كانت مع أي شخص يحمل لقب مدير في أي جهة فلسطينية كانت حتى لو كان مديرا على نفسه على أن تنتهي من عملها خلال سنة من تاريخه.
3- يتم الفصل بالمطلق بين منظمة التحرير وفصائلها والسلطة الوطنية الفلسطينية بكل أنواع الفصل وبالمطلق وفيما عدا التوجيه والإدارة العليا فلا علاقة للفصائل ومناضليها بالسلطة وأنشطتها إذا كان تحرير فلسطين لازال على جدول أعمالهم فعلا.
4- تلغى كل مظاهر البذخ في سائر مؤسسات السلطة وعلى كافة المستويات بدءا من الرئاسة وتعتمد أنظمة التقشف بما يليق بشعب تحت الاحتلال يسعى إلى استعادة حريته وكرامته طريقا لوطن حر موحد ومستقل.
5- تعطى الأولوية في كل الموازنات للتطوير وخصوصا في القطاع الزراعي واستصلاح الأراضي وخلق اقتصاد وطني إنتاجي فاعل وفتح آفاق للتشغيل في قطاع الزراعة والصناعة والثروة الحيوانية بهدف صناعة اقتصاد وطني مستقل قادر على الحياة فمن المستحيل التحدث عن المواجهة مع عدو نعيش على مولداته من الطاقة ويتحكم بقوتنا وماء شربنا وأرضنا وهو لذلك يملك القدرة بكبسة زر واحدة على وقف حياتنا وإحداث الشلل التام بها لو قرر فقط وقف تزويدنا بالكهرباء.
6- يلزم العاملين في سلك القضاء جميعا وعلى كافة المستويات بالعمل بلا توقف لإنهاء سائر القضايا العالقة والمرحلة والتي مر عليها أكثر من سنة خلال ستة أشهر من تاريخه حتى لو اضطروا للعمل كل ساعات اليوم وذلك تحت طائلة المسئولية.
7- إعادة النظر بسلم الرواتب في وظائف السلطة الوطنية الفلسطينية بما يضمن إلغاء الإجحاف الواقع على الغالبية العظمى من صغار الموظفين.
8- يدعى المجلس التشريعي فورا للاجتماع ويعتبر في حالة انعقاد دائم حتى يتم تنفيذ هذه القرارات ووضع القوانين اللازمة لوضعها موضع النفاذ بما في ذلك الانتهاء من إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في موعدها بدون أي تأخير.
يا أطفال فلسطين ... يا فتيات وفتيان الوطن
أقول لكم بكل الصراحة والوضوح أننا جميعا مسئولين أمامكم عما آلت إليه قضيتنا ولا أستثني أحدا وفي المقدمة أنا شخصيا فجميعنا ننتظر تحرير بلادنا من الغيب وبالكلام والأمنيات ولم نعد مستعدين للتضحية بشيء وقد يكون الشعب أصابه الإحباط واليأس من قيادته بكل تلاوينها فهو لم يرى منا سوى جعجعة الكلام وظل الشعب مغيبا عن كل شيء, كيف سيثق مواطننا بمسئول يزور الوطن من باب رفع العتب وأسرته تعيش خارج الوطن, كيف سيثق مواطن لا يملك قسط المدرسة الحكومية لابنه بينما تدفع السلطة الآلاف أقساطا لابن مسئول حكومي, لا يوجد أبرياء بيننا سوى انتم الذين لم تلوثكم الأيام بعد فالصمت جريمة لا يجوز استثنائها فالمرتشي ليس المجرم الوحيد بل والراشي أيضا فكلاهما في النار.
وبعد فان ندائي إليكم انتم يا من لم تتلوثون بعد لكم اصدر قراراتي وأمامكم اقبل الحساب فالحياة لكم والأرض كل الأرض لكم فاحكموا علينا ولنا فلا احد عداكم يملك الحق بالنطق بالحكم فارفعوا أكفكم في وجوهنا وأحكموا فالأمر كل الأمر لكم يا من تملكون غدكم ... احكموا علينا إذن لأننا مجرد أمسكم وكل أمس يغيب وكل غد آتي وأنتم غدنا الذي حتما سيجيء, فاحفظوا درسكم جيدا ولا تكرروا تجربتنا فأحد لن يعطي الحق لمن لا يسعى في سبيله وأحد لن يبني وطنا بالفساد وأحد لن يصوغ أمنا لشعبه بالنوم بعيدا عن طموحاتهم, ها أنا أقول لكم وصاياي ... لا تتنازلوا عن حقوقكم فمن يتنازل مرة وينحني مرة سيبقى في القاع فلا تقبلوا بالقاع ولا تتركوا القمة للأعداء من أي جهة كانوا وأخطر الأعداء هم الذين يأتون من بيننا فهم سلاح أعداء الوطن الأخطر فتخلصوا منهم ليسهل عليكم استعادة حريتكم وعندها سيعود الوطن فلا حرية لوطن إلا بشعب حر نقي من الفساد وموحد.
هذه الأرض لكم, قداستها لكم, تاريخها لكم, وهي تشبهكم إلى حد التطابق, فلسطينكم اقرب أرض إلى الله, طريق الأرض إلى السماء, درب السماء إلى الأرض, وانتم أحباب الله فلا تتنازلوا أبدا عن أرض الله لأنها أرضكم انتم يا أحباب الله.
لكم حاضرنا ... بيدكم قرارنا ... فلا ترتهنوا بنا ولا تقفوا عند حدودنا فكل ما كتبه الذين مضوا بدمهم أضعناه نحن ... فارحمونا إن كنا قد أبقينا بصدوركم ما نستحق عليه رحمتكم وإلا فلا تفعلوا.
والسلام عليكم ولكم
بقلم
عدنان الصباح