بداية وحتى نكون في صلب الحدث المأساوي والأسود بتاريخنا الفلسطيني ... وما يجب علينا فعله وعمله من خلال امتلاك شجاعة المراجعة واعادة الحسابات والتعرف على ما تم تحقيقه من أرباح وهمية وما تكبدناه من خسائر فادحة يصعب تعويضها لعقود قادمة .
المشهد السياسي والاعلامي أظهرنا بصورة لم نتمنى رؤيتها وبمواقف دول لم نتمنى أن تكون وبأزمات كنا نتمنى أن لا تحدث ... لكن طالما تم هذا الحدث المأساوي في هذا اليوم الأسود الرابع عشر من حزيران 2007 فعلينا أن نتحمل مسؤولية تبعات ما فعلنا وما حدث بداخلنا وما أساء لصورتنا وجعلنا في ظل حصار دائم وعدوان مستمر وأزمات لا تعد ولا تحصى لا زالت تتفاقم وتزداد ضراوة وشراسة في ظل حسابات مجمدة وميزانيات مصفرة لعدم قناعة الجميع بفائدة ما حدث واقرار الجميع أن ما حدث مصلحة اسرائيلية بحتة لا علاقة لها بوطن وحرية شعب ... وانما علاقتها باستمرار تراجعنا وضعفنا وتفككنا واستسهال انهاء وجودنا .
حركة حماس حركة فلسطينية وطنية لا يشكك بمسيرتها وقدراتها حاولت ان تثبت أن بإمكانها أن تنفذ مشروعها الاسلامي ... وان تختصر الزمن وان تختطف عقود الثورة والفكر الوطني لأن يكون في اطار مشروعها ... أخطأت حركة حماس التقدير والحساب اعتمادا على قوتها العسكرية وسهولة سيطرتها على القطاع خاصة ونحن في ظل احتلال ولم تكن العقيدة العسكرية والأمنية لدى السلطة الوطنية واجهزتها تسمح باستمرار هذه المواجهات كما ان العقيدة الوطنية الفلسطينية لا تسمح بالاقتتال الداخلي على قضايا هلامية... تنظيمية... ايدلوجية... لها حساباتها الخارجية والتي لا علاقة لها بالحسابات الوطنية .
أي ان هناك مشروعين متناقضين مختلفين ولم يكن احد يتوقع أن يصل الى مرحلة التناحر ... ولكن كل الامال كانت باتجاه التوافق والملائمة وعدم الخسارة بل العمل على سياسة الكسب المشروع بفعل نضال مستمر وتضحيات جسام وصمود شعب لا زال بانتظار حريته واستقلاله .
المراجعة الحقيقية والشجاعة أوصلت الجميع بأنه لا مجال لإسقاط أي مشروع ... لكن المجال الوحيد والممكن والمتاح للجميع التوافق والموائمة ما بين المشروعين والبرنامجين لكن المعضلة بالتوقيت لأسباب واضحة وصريحة لها علاقة بأننا لا زلنا تحت الاحتلال ... كما أننا لا زلنا نسعى لتحقيق الحرية والاستقلال واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية .
وهذا ما جعل من الخطأ واقعا عندما كانت الأحداث وما ترتب عليها من نتائج لا زلنا نعاني منها منذ تسعة سنوات وما يزيد .
حركة حماس وقد حققت فوزا كبيرا بانتخابات المجلس التشريعي وشكلت حكومة برئاسة احد قياداتها الا أن المجتمع الدولي لم يستوعب ولم يتعاطى مع هذه الحكومة ... فكانت التعديلات والتغييرات والتي اشعرت حركة حماس أنه قد تم القفز على نتائج الانتخابات التشريعية وان هذا حق مكتسب لها مما يضعنا جميعا امام حق حماس كأغلبية برلمانية وحق الشعب الفلسطيني في العيش وتلبية متطلباته خاصة ونحن نعيش في ظل سلطة وطنية تعتمد بأغلبية ميزانيتها على الدعم والمنح والقروض من الأشقاء والأصدقاء .
الموقف الدولي والعربي وموقفه من حركة حماس لا تتحمل السلطة الوطنية مسؤوليته... ولكنه مرتبط باختبارات تاريخية مع تنظيم الاخوان المسلمين... وهذا ما ثبت تأكيده ما بعد ثورات الربيع العربي وفشل الاخوان في الحكم ... ورفضهم من قبل شعوبهم وعدم مقدرتهم على تولي مقاليد الحكم والتوازن في معادلة حكم البلاد ... والاقرار بحق الاخرين في ممارسة حرياتهم وطموحاتهم السياسية وما تولد من سياسة نفي الاخر من مخاطر وانعكاسات ولدت ثورات جديدة مما اطاح بحكم الاخوان في تونس ومصر وعدم امكانية نجاح الاخوان في باقي الاقطار العربية .
ما حدث بالرابع عشر من حزيران 2007 أختلف مع الكثيرين أنه ضمن مخطط مرسوم لكنه ... وقد وقعت حماس في هذا الفخ وارادت ان تظهر انها قد فعلت ما اسمته بالحسم دون دراسة لأبعاد ما جرى وحولت نفسها من قوة شرعية الى قوة غير شرعية بنزعها شرعية نفسها ... واصبحت امام العالم قوة متمردة انفصلت عن جزء من الوطن الفلسطيني... أي ان حماس خسرت تجربتها الديمقراطية ... وشرعية وجودها بالحكم ... ولم تحقق أي ارباح تذكر حتى ولو انها مسيطرة على القطاع من شماله الى جنوبه وتحت حكمها ما يقارب 2 مليون فلسطيني .
حركة حماس حركة كبيرة ولديها من القوة والقدرات ما يؤهلها لاستعادة شرعيتها ...وصورتها بافضل مما هي عليه ... وان تستعيد حاضنتها الشعبية بأكثر مما هي عليه... وأن لا تستمر حماس بالمجازفة في تاريخها وتضحيات شهدائها وسيرتها الطويلة ... تحت اوهام وشعارات يصعب تحقيقها ... وكان بامكانها ان تحسن من شروط حوارها مع حركة فتح في ظل حكم الاخوان لمصر ... الا انهم عاشوا المشروع الاسلامي الخاص بهم وكأنهم على مقربة من تحقيق حلمهم بامارة خاصة بهم في ظل دولة اسلامية ممتدة لا تفصلها حدود ... وان فتح والمشروع الوطني قد دفنوا الى غير رجعة او على اقل تقدير قد استسلموا للأمر الواقع .
خسارة حماس وتعطيل تقدمها... وانخفاض شعبيتها في ظل ما يجري بالقطاع لما يقارب 2 مليون فلسطيني من معاناة لا حصر لها ومحن ومصاعب والام تفوق بتفاصيلها ما يحاول البعض تغطيته واعتباره نتيجة للحصار الاسرائيلي ... صحيح ان اسرائيل المسؤول الأول والاخير عن معاناة شعبنا والامه والصحيح ايضا اننا في قطاع غزة كما بالضفة الغربية لا زلنا تحت الاحتلال ومسؤوليته امام القانون الدولي وليس كما يجري العمل عليه اعلاميا وسياسيا ... بمحاولة تحميل الرئيس محمود عباس مسؤولية ما ألم بالقطاع من ماسي وويلات ... ونكبات وكوارث .
حركة حماس وعلى مدار السنوات التسعة الماضية تزداد بخسارتها ولا نعرف ان كانت تدري او لا تدري !! :.. وكأننا كمحللين وكتّاب واعلاميين نحسب الخسارة والربح بمقدار ما يتحقق على أرض الواقع ... وما يشعر به الناس من خدمات وما يخفف من الامهم وامراضهم وجوعهم ... وما يزيد من معدلات التشغيل ويقلل من نسبة البطالة وما يزيد من ساعات الكهرباء ولا يقللها وما يجعل من الماء الذي نشربه صالحا ... هناك الكثير مما يمكن نلمسه ونشاهده والاحساس به حتى نستطيع ان نحكم على الأمور لكن ان لا نرى ولا نسمع ولا نشاهد الا ما يصّعب على الناس حياتهم وما يزيد الامهم في ظل مواقف مكررة منذ 14 حزيران 2007 وحتى يومنا هذا ...والعبارات والمفردات كما هي دون ادنى مراجعات يجعلنا نتساءل ... ونكثر السؤال هل هذا الوضع الذي يعيشه القطاع هوالوضع الأمثل!! ام ان هناك من المراجعات والتراجعات التي يجب ان تحدث لصالح شعبنا بعيدا عن الرؤية التنظيمية الضيقة ؟!
حركة حماس التي نعتز بنضالها لا نقبل عليها ان تصل الى مرحلة الانعاش المالي السياسي فالقدرات العسكرية لا يعتمد عليها في بناء القدرات المالية... كما لا يعتمد عليها في نشر الفكر والوعي الذي تريده الحركة... فلقد خسرت حركة حماس من شعبيتها داخل القطاع وحركة فتح اكتسبت المزيد من الشعبية الاضافية بالقطاع ...ليس لأن حركة فتح متابعة لأمور الناس ... لكنها شعبية زائدة وقائمة على اخطاء حماس وهذا ما يتم من شعبية زائدة لحماس على اخطاء فتح وفي الحالتين لا يعتمد على مثل هذه الزيادة الطارئة في أي انتخابات قادمة اذا ما حصلت .
ما حدث في 14 حزيران 2007 أمر محزن ومؤسف ولا يمكن تصديقه ... كما لا يمكن تمريره دون مراجعة وطنية حقيقية نراجع فيها مساحة الاخطاء المرتكبة واستخدام الوسائل غير المبررة ... وما انتهت اليه الامور وما قامت به حركة حماس والذي كان باعتقاد البعض سيجعل من السلطة الوطنية والرئيس محمود عباس وحركة فتح يتهافتون ... ويسعون لإرضاء حماس وتلبية مطالبها ولكن الحال على عكس التوقعات مما زاد من الام الناس ومعاناتهم والضغط عليهم في ظل حصار وتجويع وبطالة زادت عن حدها وكساد تجاري وما ترتب على القطاع من خسائر فادحة نتيجة ثلاثة حروب .
وبالتالي حماس خسرت توقعاتها في تهافت السلطة والرئيس وفتح عليها بعد 14 حزيران أي ما قبل تسع سنوات ... بل تركت تسلك شوكها بيدها... باعتبارها القوة الحاكمة امام الشعب... وعليها ان توفر له ما يلزم الا ان الحاصل ومنذ 14 حزيران ان السلطة قد استمرت في تغطية النفقات... ودفع الرواتب وتسهيل العديد من الامور ذات العلاقة بدخول البضائع ومستلزمات البناء اضافة الى الرعاية السياسية التي لم تتوقف... باعتبار ان القطاع جزء من السلطة الوطنية حتى وان كانت حماس هي القوة الحاكمة .
أي ان حماس خسرت بما فعلت كما خسرت بما انتظرت ان يتحقق وان كل ما يمكن ان يقال غير ذلك يعتبر كلاما بالهواء ... وبالتالي فالمحصلة النهائية خسائر للحركة ولشعبيتها داخل القطاع المحاصر بكل ما فيه من امراض مزمنة... ومن قيود للحركة ومن تدني لمستوى الخدمات ... 2 مليون فلسطيني يعانون ...ويتألمون... ويمرضون ...ويجّوعون والنسبة الأغلب عاطلة عن العمل ولا انتاج يمكن ان نتحدث عنه في ظل مصالح الناس التي تأثرت وانعكست بالسلبي على نسبة تأييدهم لحركة حماس المسيطرة والحاكمة للقطاع.
حركة حماس لا تستحق ان تخسر كل هذه النقاط من اجل السيطرة على القطاع ...وانهاء وجود السلطة الوطنية وعدم وجود السلطة الشرعية ... وبالتالي امكانية التخفيف وبنسبة عالية للكثير من الأزمات والقضايا التي تعصف بسكان القطاع في ظل وجود السلطة الوطنية الفلسطينية.
حركة حماس كان بمقدورها اذا ما احسنت مراجعتها بمواقفها السياسية ان تحدث تقدما كبيرا يفوق تصورها ويفوق توقع المراقبين والمحللين .
المخرج السياسي لحركة حماس في انتهاء ارتباطاتها الخارجية خاصة بالتنظيم الدولي للإخوان والتأكيد على انها حركة وطنية فلسطينية... وانها ضمن منظومة الحركة الوطنية وان طموحها واهدافها لا تتعدى جغرافية فلسطين وان شعاراتها خالصة للوطن ... وان مسعاها حرية الوطن واقامة الدولة ...كل هذا في ظل حماس المشاركة بفاعلية بكافة المؤسسات الفلسطينية ... منظمة التحرير بكافة مؤسساتها .. والسلطة الوطنية بكافة مؤسساتها وان لا نبقي على حالة العزلة وكأن حماس دولة داخل السلطة .
نحن نحرص على حركة حماس ونتمنى تقدمها وتطوير طموحها الطبيعي بالاطار الوطني... الا ان هذا الحرص لا يمكن ان يتقدم على حرصنا والتزامنا بقضايا شعبنا... وبوطننا الموحد ...وسلطتنا الموحدة والتي نستطيع من خلالهما مواجهة هذا العدو الموحد بكافة احزابه... والذي يرفض كافة المساعي السياسية حتى مبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية لأنه لا يجد أمامه قوى فلسطينية موحدة بل يجد حالة من الانقسام والتراجع .
كما حماس خسرت ...ولا زالت تخسر كذلك فتح تخسر... وأدخلت واقحمت بمشروعين للخسارة ... الأول خلافاتها الداخلية ... والثاني مشروع الانقسام ... وبالتالي على حركة فتح مراجعة نفسها وترتيب اوراقها ... وتوحيد صفوفها لأننا لا نقبل على حركة الجماهير وحركة الثورة الفلسطينية المعاصرة ان تبقى شماعة لأخطاء الاخرين وقصورهم .
بالمجمل حماس وفتح وقد خسروا نتيجة ما حدث في 14 حزيران أي ما قبل تسع سنوات والخسائر متعددة ومتفاوتة وبنسب مختلفة ... لكنها خسائر اجمالية تفرض على الجميع اعادة حساباته في ظل سنوات تمر ولا زال 2 مليون فلسطيني يعانون ...ويتألمون... ويحاصرون .
اما باقي الفصائل كان الله بعونها ... فخسائرها مضاعفة حتى ولو كانت غير مشاركة وفاعلة بما حدث ... لكن خسارتها على صمتها وسكوتها وقلة حيلتها .
الجميع وقد خسر .... ولا زال يخسر وليس هناك من رابح من هذا الانقسام الاسود ... الا من يملئون جيوبهم ويتاجرون بشعبهم... ويسعون لتـأجيج الخلاف ما بين طرفي الانقسام .
حركتي حماس وفتح لا يستحقون ما جرى وما يحدث لهم وعليهم بمراجعة انفسهم وحساباتهم وان يجعلوا من جلسات الحوار مخرجا لإتمام المصالحة وانهاء هذا الملف الاسود الذي طال انتظارنا لإنهائه .
بقلم/ وفيق زنداح