بمناسبة الذكرى الأسوأ في تاريخنا وهي ذكرى الانقسام فإنني في هذه العجالة لن اتوقف عند الانقسام الحالي الذي تعيشه بلادنا ويعيشه شعبنا عبر انقسام قواه الذي وصل للأسف الشديد الى انقسام الوطن نفسه بل سأذهب الى البعيد لذكر بأوسخ غسيل قديم لنا لعل من ينقسمون اليوم يعتبرون فلا يمكن لكلا طرفي الانقسام ان يكونا في ذات اللحظة حماة للوطن ولا مدافعين عنه فالانقسام اذى للوطن ومستقبله وللشعب وتطلعاته ولا اعتقد ان هناك فلسطيني واحد يمكنه القول ان الطرفين على حق افلا يكون هناك وقفة لنقول لذواتنا معا من منا على حق وكيف يكون الحق لبلادنا ولشعبنا لا لفصائلنا وعشائرنا مهما اختلفت التسميات والتلاوين.
اذا كان رب البيت للدف ضاربا فشيمة اهل البيت كلهم الرقص وبالضرورة هنا فان المثل جاء عن شخص او جهة تتقن مهنة الرقص حتما والباقون مقلدون بالضرورة لرب البيت او للنموذج الذي يدير دفة الامور,الراقص الممتهن يدرك متى وكيف يرقص ولماذا وبأي ادوات وعلى أية موسيقى ومع من لكن المقلدين بالعادة ورثة فاشلين وهذا ما نحن عليه في بلادنا فها نحن والحمد لله نواصل فعل الانقسام حد القدرة على ادارته بنجاح منقطع النظير وفي نفس الوقت لا زالت لدينا كل القدرة على الادعاء بأننا حريصون على وحدة الوطن والشعب, وحدة لا وجود لها على الارض لا في السياسة ولا في الاقتصاد ولا في الثقافة, لا في التعليم ولا في الصحة ولا في الامن ولا في الخبز, وحدة شفوية تشبه تاريخنا المنقسم بانقسام الأرض, وحدة الانقسام والاختلاف الاعوج البعيد كليا عن ادنى معاني التفكير او الادراك للخطر الذي يحدق بالوطن من كل الجهات.
تاريخ الانقسام في بلادنا ليس حديثا ابدا وبالتالي فلا يجوز لنا ان نتهم فتح وحماس على انهما سيدتا الانقسام وان كانوا بسبب التراكمات باتوا الاكثر ايغالا في الانقسام وتعالوا معنا نقرا تاريخ الانقسام القريب في بلادنا وفقط منذ ما بعد الحرب الاستعمارية الاولى وخضوع فلسطين للاستعمار البريطاني, فهي قبل ذلك والحق يقال كانت جزءا من ارض الخلافة العثمانية موحدة بوحدة الدولة العثمانية, لكنها ومنذ حملت اسمها لأغراض قرار الانتداب الذي اصدره المجلس الاعلى للحلفاء في سان ريمو سنة 1920م بدأ تاريخ الانقسام يكتب فقد عملت بريطانيا فورا الى اقالة موسى كاظم الحسيني من رئاسة بلدية القدس وعينت بديلا له راغب النشاشيبي لتخلق بذلك انقساما حادا بين اثنتين من اهم عوائل فلسطين في تلك الفترة وتحديدا في القدس, ولتعميق هذا الانقسام وافقت في العام 1922 على تأسيس المجلس الاسلامي الاعلى برئاسة الحاج امين الحسيني وخلقت بذلك تناقضا شهيرا بين الفلسطينيين سمي المجلسيين وهم مؤيدوا المجلس الاسلامي الاعلى والمعارضين الذين عرفوا بتأييد حكومة الانتداب وهم مؤيدو رئيس بلدية القدس راغب النشاشيبي, وفي حراك آخر تم تأسيس حزب الاستقلال العربي في فلسطين بقيادة عوني عبد الهادي ومحمد عزت دروزة وعجاج نويهض وآخرون وجاء تأسيس الحزب عام 1932م فلجا البريطانيون فورا الى دعم تأسيس حزب الدفاع العربي عام 1934م بزعامة راغب النشاشيبي الذي كان قد فقد للتو رئاسة بلدية القدس فوجد في حزب الدفاع مظلة لمناكفة خصومه السياسيين من ال الحسيني وحلفائهم الذين سارعوا بدورهم لتأسيس اللجنة العربية العليا عام 1936م على اثر الاضراب الشهير في ذاك العام.
مغيب ظل الوطن من اجندات ابنائه الذين لم يتمكنوا من توحيد تلك الاجندات عبر التاريخ الحديث لقضيتهم بل انقسموا بين مؤيد ومعارض ( مجلسيين ومعارضين ) ليس للوطن والدفاع عنه بل للمحتل وأعوانه فلم تكن المسالة من يحرر الوطن وكيف ولم يأت الاختلاف على قاعدة الصراع الايجابي على تحقيق اهداف الوطن بل الصراع السلبي للأسف على الموقف من الاستعمار البريطاني انذاك ويبدو ان ذلك جعل البذرة الرئيسية في تاريخنا تاريخا للانقسام على الوطن لا للوطن وهناك فرق شاسع بين النموذجين وتلك هي المقدمات التي نعاني منها الان ونعيشها في اسوأ ما في تاريخنا وهو الانقسام الحديث ولعلي اذكر هنا بما الت اليه اوضاعنا بعد الانقسام الاول في الثلاثينات والى اين وصل الحال بنا لعل هناك من يبادر لحماية غدنا من نتيجة كارثية تشبه التي سبقت, والفرق هنا ان كلا الطرفين يحملان مشروعين بتاريخ حقيقي لصالح الوطن فعلى ماذا يختلفون اذن اذا كان كلاهما يعلن اليوم ان الوطن هو العنوان وان مصلحته ووحدته هي هم الطرفين وعنوانهم فلماذا اذن يؤسسون لعكس برامجهم وأهدافهم وأماني شعبهم ومصلحة بلادهم.
يبقى السؤال الصارخ من هو الاقدر على الاستفادة من انقسامنا نحن المنقسمين ام عدونا الموحد على دمنا والى متى سنبقى ندفن رؤوسنا بالرمل بلا ادنى اكتراث حقيقي لما يحدق ببلادنا وشعبنا وبنا في نفس الوقت.
بقلم
عدنان الصباح