قطار التطبيع… هل وصل محطة اللا عودة

بقلم: علي الصالح

غريب بل غريب جدا أن تختار الجمعية العامة للأمم المتحدة رئيسا لإحدى أهم لجانها، وهي اللجنة القانونية التي تعرف باللجنة السادسة، مندوب الكيان الصهيوني الاحتلالي، لأول مرة في تاريخ هذا الكيان..
كيان يضرب عرض الحائط بكل القوانين الدولية والإنسانية.. كيان يرتكب المجازر والقتل والسلب والاستيطان يوميا ضد الشعب الفلسطيني المحتل.. كيان لا يعترف أصلا بقرارات الجمعية العامة، كما لا يعترف بمنظمة حقوق الإنسان الدولية، ويرفض التعاون معها، ولا يسمح حتى لأعضاء اللجنة التي شكلتها الأمم المتحدة للتحقيق في جرائمها ضد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، بدخول الأراضي الفلسطينية.
وإذا كان هذا غريبا جدا، فالأغرب هو أن تعطي أربع دول عربية، رغم مناشدات مندوب فلسطين رياض منصور عكس ذلك، أصواتها لمندوب دولة الاحتلال، في وقت يسعى فيه الفلسطينيون للدفع في اتجاه مقاطعة إسرائيل وعزلها دوليا لإرغامها على الاذعان للضغوط الدولية، للقبول بالسلام على أساس حل الدولتين.
صحيح أنه لم يعلن رسميا عن اسماء هذه الدول، لان التصويت كان سريا، لكن تفيد المعلومات المتسربة، وهي معلومات شبه مؤكدة، بأن اثنتين من هذه الدول، من دول ما كان يسمى سابقا بدول الطوق، والأخريين من الدول الخليجية.. واذا كنا نعرف السبب الرئيسي، ولكن لا نقبل به بل نرفضه، الذي دفع دولتي الطوق، إلى الوقوف إلى جانب اسرائيل، وهو التنسيق غير المسبوق بينهما وبين دولة الاحتلال على الصعيد الأمني واصعدة اخرى، في ظل الظروف والكوارث التي تعيشها المنطقة. فلا نعرف سببا مقنعا يدفع الدولتين الخليجيتين للتصويت لصالح دولة الاحتلال التي لا تربطهما بها علاقات دبلوماسية.
هناك من يرجح أن يكون السبب الرئيسي بالنسبة لإحدى الدولتين الخليجيتين، هو بادرة "خير" وثمنا تدفعه للتعاون الامني في اطار التحالف الجديد الذي تبلور في الشرق الاوسط، بعد توقيع الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران. ويضيف قائل إن ثمة سببا آخر دفع هذه الدولة الخليجية إلى اتخاذ مثل هذا القرار، وهو رفضها للمرشح الآخر من مملكة السويد، عقابا لها على انتقاد وزيرة خارجيتها مارغوت فاسلتروم لانتهاكات حقوق الانسان فيها.
يذكر ان فاسلتروم انتقدت انتهاكات حقوق المرأة في ذاك البلد في كلمة أمام البرلمان السويدي، وأدانت الاحكام بالجلد المتبعة فيه التي وصفتها بـ"أساليب القرون الوسطى". وعاقبت هذه الدولة الوزيرة السويدية بمنعها من مخاطبة جلسة لجامعة الدول العربية في القاهرة. فردت الحكومة السويدية التي كانت اول الدول الاوروبية الغربية التي تعترف رسميا بدولة فلسطين وقف تعاونها العسكري مع تلك الدولة. ووجود إسرائيل في هذا المنصب سيغطي على انتهاكات وعورات هذه الدولة في إطار حقوق الانسان، اعترافا بالجميل.
أما الدولة الخليجية الثانية التي كانت في ظل رئيسها الراحل ومؤسسها، رائدة في دعم القضية الفلسطينية والقضايا الوطنية العربية الاخرى، تلعب في ظل حكم خلفه دور خطير ومشبوه، ضد القضية الفلسطينية وشعب فلسطين، يخدم حقا دولة الاحتلال. وتستخدم ثروتها النفطية في غير مكانها خلافا لوصية المؤسس.
ويؤكد قرار هذه الدولة علاقاتها المتينة مع دولة الاحتلال من خلال العلاقة مع شركات امنية اسرائيلية، وقرار السماح باقامة مكتب تمثيلي لها فوق ترابها، تحت غطاء وكالة الطاقة المتجددة الدولية "إيرينا". وتسمح باستخدام صحفها ووسائل إعلامها للتهجم على فلسطين وشهدائها، بل ايضا السخرية من اسم فلسطين.
واللجنة السادسة هي إحدى أهم اللجان الرئيسية في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وهي المنتدى الرئيسي للنظر في المسائل القانونية في الجمعية العامة. وترجع أهمية اللجنة القانونية أيضا إلى مكافحة ما يسمى بالإرهاب الدولي الذي تتزعمه دولة الاحتلال، ومناقشة الاتفاقيات التابعة لوثيقة جنيف.. وينطبق على اختيار اسرائيل لهذا المنصب، المثل القائل "حاميها حراميها".
ولهذا وصف السفير الإسرائيلي التصويت بأنه "تاريخي لإسرائيل"، وأنه فخور بأنه أول إسرائيلي يرأس اللجنة، بل أي لجنة منذ قيام الكيان الصهيوني عام 1948.
يذكر ان مندوب اسرائيل الذي سيترأس هذه اللجنة هو داني دانون اليهودي ذو الاصول المغربية من حزب الليكود، الذي يقف سياسيا إلى يمين قائده بنيامين نتنياهو، وشغل منصب نائب وزير الأمن واقيل من منصبه في عام 2014 بعد الانتقادات العنيفة التي وجهها إلى رئيسه وتحميله مسؤولية فشل العدوان الاخير على قطاع غزة في صيف عام 2014. وقبل ذلك عمل في عام 1996 مساعدا للوزير عوزي لانداو، الذي كان من السياسيين الاسرائيليين الأكثر تطرفا وعنفا، وكذلك نائبا لرئيس الكنيست عام 2009. كما شغل منصب رئيس منظمة الليكود العالمية، وعمل ضد خطة رئيس الوزراء الأسبق ارييل شارون للانسحاب الاحادي الجانب من قطاع غزة في صيف 2005.
وفي ديسمبر 2014 رشح دانون نفسه ضد نتنياهو لقيادة حزب الليكود وحصل على 19٪ من الاصوات. وفي مقابلة اجرتها معه قناة "الجزيرة" قال "هناك مكان فقط لدولة واحدة على ارض اسرائيل.. ولا اؤمن في حل الدولتين".
ورغم تواصل انتقاداته لنتنياهو بعد فوزه بمقعد في الكنيست في انتخابات ربيع 2015 عينه وزيرا للتكنولوجيا والعلوم والفضاء. وظل وزيرا إلى أن اختاره نتنياهو في أغسطس 2015 في محاولة منه لاحتوائه والتخلص من تأثيره ونفوذه وتهديده له على صعيد الليكود، لشغل منصب مندوب اسرائيل في الامم المتحدة الذي يعتبر أحد أهم المناصب الدبلوماسية، خاصة بالنسبة لدولة مثل اسرائيل التي تنتهك القانون الدولي والقانون الدولي الانساني على مدار ساعات اليوم.
وبقراره هذا خرج نتنياهو عن تقليد حاول هو ترسيخه، ويقضي بأن يكون السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، من أصول أمريكية أو من الخبراء في القانون والدبلوماسية. ويشكل أيضا تراجعا في نوعية السلك الدبلوماسي الإسرائيلي وممثليه في الأمم المتحدة، خصوصاً.
ولهذا أثار قرار تعيين دانون، وهو من أكثر السياسيين الاسرائيليين فظاظة، في هذا المنصب الذي يحتاج لكثير من الدبلوماسبة وضبط النفس، انتقادات حادة داخل إسرائيل نفسها. فدانون متطرف وفظ، حتى وفق مقاييس تسيبي ليفني وزيرة خارجية اسرائيل التي قادت اسرائيل دبلوماسيا خلال حربي لبنان في صيف 2006 وغزة في نهاية ديسمبر 2008، واعتبرت التعيين محاولة من نتنياهو للتخلص من خطر دانون الذي كان يسبّب له قلقاً داخل حزب الليكود. وقالت ليفني من المعسكر الصهيوني المعارض، إن نتنياهو وضع مصلحته الشخصية، فوق المصلحة الوطنية.
ويبدو أن مسلسل التهافت العربي على كسب رضى دولة الاحتلال، وقطار الهرولة للتطبيع معها، قد انطلق ولن يتوقف. فبعد التصويت لصالح إسرائيل في الأمم المتحدة، طالت هذه المرة قائمة المشاركين في مؤتمر "هرتسيليا للمناعة القومية" الذي يعتبر أهم مؤتمر أمني تعقده إسرائيل سنوياً، وبدأته منذ عام 2000، وفيه تتخذ كل القرارات الاستراتيجية والمصيرية التي تحدد مستقبلها في المنطقة.
ففي دورته السادسة عشرة، التي انطلقت من مقر الرئيس الإسرائيلي رؤبين ريفلين، تحت شعار "أمل إسرائيلي رؤيا أم حلم"، وصل عدد المشاركين من العرب إلى اكثر من عشرة وهم، من فلسطين 1948 أيمن عودة: رئيس القائمة العربية المشتركة، وفادية نصر أبو الهيجا (جامعة تل أبيب) وعماد الدحلة رئيس بلدية طرعان، ومحمد النبالي رئيس بلدية حوره وبيان قبلان رئيس بلدية بيت جان (ومشاركة هؤلاء يمكن فهمها لغرض ايصال رسالتهم لليهود الاسرائيليين). ولكن ما هو غير مبرر مشاركة شخصيات مثل أحمد مجدلاني من منظمة التحرير والياس زنانيري رئيس لجنة المنظمة للتواصل مع المجتمع الاسرائيلي. ومن الأردن وليد عبيدات: السفير الاردني والبروفيسور رياض الخوري مدير الشرق الأوسط للشؤون الاقتصادية. ومن مصر حازم خيرت السفير المصري. ومن قطر الدكتور سلمان الشيخ: مركز بروكينغز الدوحة. ومن سوريا عصام زيتون. وهناك خلاف حول المنصب الذي يشغله زيتون. فهو يدعي انه يمثل الجيش الحر، لكن هناك في الجيش الحر من ينكر معرفته به ولا يعترف بوجوده اصلا.
وختاما لا بد من دعم دعوة اللجنة الوطنية لمقاطعة إسرائيل للضغــط على منظمة التحرير لتنفيذ التزاماتها بقـــرارات الدورة الأخيرة للمجلس المركزي الفلسطيني، في مارس 2015، الداعية إلى تأييد مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها وفك الارتباط مع الاحتلال.
وتدعو اللجنة أيضا إلى محاسبة المجدلاني وحل لجنة "التواصل" الريادية في التطبيع، ومحاسبة الزنانيري، ووقف "التنسيق الأمني" والتطبيع بكافة أشكاله مع دولة الاحتلال. وتعزيز العمل في المجتمع الفلسطيني في أراضي 1948 مع القوى والأطر الشعبية الفلسطينية الرئيسية لمواجهة عمليات الأسرلة والتطبيع ومنع حرف مسار نضال الجماهير الفلسطينية ضمن النضال الوطني الشامل.

 علي الصالح.

٭ كاتب فلسطيني من أسرة "القدس العربي"