موائد المصالحة أفسدت شهية الفلسطينيين

بقلم: عماد أبو الروس

عشر سنوات عجاف على الانقسام الفلسطيني الذي دخل عاماً آخر في منتصف حزيران الحالي.
الانقسام الذي أحدث شرخاً حقيقياً في الوضع الفلسطيني الداخلي يبدو أنه لن ينتهي على الأقل خلال الوقت المنظور، رغمَ استئناف جولات المصالحة التي ما هي إلا حلقة رقمية يضاف لمسلسل جلسات المصالحة التي لم يتحقق لها النجاح.
الفلسطينيون منذ اتفاق مكة الذي لم يتفقوا عليه وحتى هذه اللحظة يسيرون وفق الأجندة الاقليمية التي مازالت ترعى جلسات وحوارات وقمم المصالحة من مصر لقطر للسعودية لتركيا لسويسرا (....)، ومازالت المصالحة تتجول من دولة لدولة حائرة بين " حانا ومانا " غير مدركة لما تؤول إليها الأقدار.
ورغم أن المجتمع الفلسطيني لا يعلق أمالاً وحتى محدودة بإمكانية نجاح المصالحة بين حماس وفتح، إلا أنه في المقابل يرى أن التوافق الفلسطيني هو المدخل الاستراتيجي لفكفكة حلقات الحصار على غزة وما نتج عنه من أزمات إنسانية مختلفة.
الانقسام الفلسطيني، ورغم أن تاريخهَ المتعارف عليه فلسطينياً يعودُ لمنتصف حزيران 2007، إلا أنَ له أسباباً موضوعية فجرت من الخلاف بين حركتي حماس وفتح.
فمن ناحية فتح التي تؤمن بطريق التسوية خياراً استراتيجياً لإدارة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فهي ترفض طريق المقاومة كخيار من خيارات تحرير فلسطين.
ولعل منظمة التحرير الفلسطينية أحد أوجه الخلاف الذي تسيطر عليها حركة فتح، والتي ترفض أبداً إجراء تعديلات في برنامجها السياسي في وقت تطالب الفصائل الفلسطينية بالانضواء تحت سقفها المهترئ وفقاً للبرنامج السياسي المعمول به "التسوية".
غير أن عدم إيمان حركة فتح والرئيس محمود عباس بالشراكة السياسية، سبب رئيسي لعدم حصول هذا التوافق الفلسطيني.
بالمقابل، حركة حماس التي تسيطر على زمام الأمور في غزة منذ حزيران 2007، لا تزال تعاني من عزلة دولية، لعدم اعترافها بشروط الرباعية الدولية( نبذ العنف-الاعتراف باتفاقيات منظمة التحرير-تسليم سلاح المقاومة).
ويبدو أن حماس التي أيدت الثورات العربية، وراهنت في إحداث تغيرات جذرية تجاه الوضع الفلسطيني، وعزز هذا من قناعات قيادة الحركة بأن المرحلة القادمة والأولوية الأولى هي تحرير المسجد الأقصى المبارك.
ومع اخفاقات الثورات العربية نتيجة للثورة المضادة التي واجهتها بدعم عربي وأمريكي وإسرائيلي، وقعت حماس في أزمة سياسية حقيقة، دفعها فيما بعد لتغييرِ تعاملها مع أحداث الشرق الأوسط، وباتت تؤكد كما يظهر في تصريحات قادتها بأنها تقف على مسافة واحدة من الجميع، ولا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، لكنها في نفس الوقت حافظت على شعارها التي رفعته بأنها تتعاطف مع الشعوب العربية في حراكهم في ثوراتهم على أنظمتهم.
ولا شك أن موقف الحركة من الأزمة السورية المؤيد للثورة ومراهنتها على الثورات العربية، ساهم في توقف الدعم الإيراني الثقيل لغزة في وقت دخلت حماس بأزمة مالية حادة لم تستطع على إثرها من توفير رواتب موظفيها التي عينتهم بعد الانقسام.
إذن نحن أمام حالة من الضياع الفلسطيني الذي للأسف تسيره دول أخرى غير معنية إلا لمصالحها السياسية، ولعل شاهد ذلك أن القضية الفلسطينية التي كانت محور الاهتمام الأساسي لجميع الدول باتت لا تدخل في صف الاهتمام او حتى المسلمات، ولولا شعلت الانتفاضة الفلسطينية الحالية في الضفة الغربية والقدس والتي تحاول انعاشها إلا انها قد تاهت في غيابث الجب لا يلتقطها أي سياره حتى ولو بالخطأ !!!
الحالة الفلسطينية الان تقع بين سنديان الانشغال العربي لمصالحهم الخاصة والتي أقحمتها لهم المفتي أمريكا والمفتي روسيا على أساس البعد المذاهبي الطائفي فانشغل العرب بين شيعة وسنه مع ان الأمر ليس كذلك لكن أقلة من يفهم !!! واسرائيل تصفق فهي في أفضل حالاتها وتكاد الان أن تحجز مقعدها في جامعة الدول العربية.
أما السنديان الاخر فهو اللاتوافق الفلسطيني، واللا الاتفاق الذي أوصل الشارع الفلسطيني القول لا نريد إلا عودة الاحتلال ليحكمنا، فحماس مازالت تحكم غزة وتعلم بأن المزيد من التنازلات قد يوقعها في فخ اقصاء المقاومة وساحته الواقية المتمثلة بمنظومة الأمن في غزة، وفتح لا تعترف بأي شراكة سياسية ووطنية وتحتكر منظمة التحرير وتحتاج من الجميع أن ينضوي تحت جناحها بصمت وبلا كلام، ولا حل وسط بين التنظيمين ولعل المانع الاكبر من التوصل لأي جهد مصالحة مسؤول عنه الرئيس عباس الذي يشارك في حصار غزة ولم تحركه الدماء التي سالت فيها باتخاذ خطوات صحيحة تجاه الوحدة الفلسطينية ومازال يسعى متناقضاً للتصالح مع الاحتلال واحياء المفاوضات التي لم تجلب لنا سوى الويلات المتدرجة لقضيتنا التي من الممكن القول بأنها تندثر تحت هاوية اللامبالاة العربية والفلسطينية، ولعل أطباق المصالحة المقدمة على موائد الافطار أفسدت شهية الفلسطينيين فقرروا الصوم والاكتفاء بالدعاء بحسبنا الله ونعم الوكيل ينتظرون الفرج من رب العالمين في ظل التخاذل الذي يحياه سماً في فاه .
بقلم: عماد أبو الروس