الوضع السياسي الذي نعيشه الآن في ظل الحديث عن لقاء او مؤتمر دولي كما تقول وسائل الإعلام والتي تحيكها فرنسا وتريد من الإدارة الأمريكية ان تكون شريكة فيه او ان تنال رضاها عن ذلك ، لم يأتي وفق المؤتمر الدولي التي تسعى اليه كافة الفصائل والقوى الفلسطينية من اجل مطالبة المجتمع الدولي بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية بكل قراراتها بما في ذلك وأهمها حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس .
من هنا نتوقف في هذه اللحظة السياسية التي يعيشها الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية ، الا إن انتفاضة فلسطين نقلت أو جعلت شعار الدولة الفلسطينية ينتقل من حيز الإمكانية التاريخية إلى حيز الإمكانية الواقعية ، حيث اعادت الانتفاضة الحلقة المركزية بالنضال الوطني الفلسطيني من خلال مواصلتها مسيرتها التي يخوضها شابات وشباب فلسطين وأخذت الانتفاضة طابعها الشعبي الجماهيري الديمقراطي , حيث استنهضت الانتفاضة الشعوب العربية واحزابها وقواها، انطلاقاً من التلازم الجدلي بين الوطني الفلسطيني والقومي العربي، مؤكدة ان طبيعة المشروع الصهيوني الاستعماري التوسعي، الذي يستهدف عموم المنطقة والأمة العربية وليس فلسطين فقط ، يستدعي اعادة البوصلة الى فلسطين ، وهذا ما شاهدناه من مواقف ضد التطبيع مع العدو من خلال حملات المقاطعة التي جرت في مصر وبيروت ودول عربية واوروبية وحتى الولايات المتحدة ، ودعت الى مقاطعة البضائع والشركات الداعمة للكيان الصهيوني، وهذا يؤكد على نجاح هذه المقاطعة كما جرى في جنوب أفريقيا وفي أوروباً ، ولهذا نرى أهمية المقاطعة السياسية والثقافية والفكرية للعدو، لأنها تشكل تراكم نضالي يؤدّي إلى نجاح الفعل المقاوم، وهذا ما يدعونا الى الايمان بثقة بحتمية الانتصار على المشروع الصهيوني وحلفائه، وهذا يستدعي من الفصائل والقوى الفلسطينية موقف سياسي واضح يضمن انهاء الانقسام الكارثي ووحدة الصف الفلسطيني ضمن اطار الكيان السياسي والمعنوي للشعب الفلسطيني منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيل مؤسساتها وحماية المشروع الوطني باعتبار كل ذلك يشكل وحدة الشعب على قاعدة برنامج نضالي يعمل على تغيير ميزان القوى تدريجياً , بحيث نصبح قادرين على فرض الدولة وقرارات الشرعية الدولية.
الموقف السياسي يجب أن يكون رفض اي مبادرة او مؤتمر او لقاء دولي, ينتقص من حقوق الشعب الفلسطيني ، مما يتطلب بلورة موقف فلسطيني واضح لانه اذا انهارت الثوابت نكون أمام مخاطر جمة في الساحة الفلسطينية، مما يستدعي رفض كافة الضغوطات لتقديم اي تنازل او الانزلاق في مشروع يؤدي الى شطب اي حق من الحقوق الفلسطينية .
ان الشعب الفلسطيني يبرهن على أن فلسطين ليست أرضاً بلا شعب بل إن شعبها البطل اليوم هو يكتب رسالته بالدم وهذا ما ارادته الفتاة مجد الخضور من بلدة بني نعيم في الخليل امام العالم ليثبت شجاعته وروعة عطائه وصموده وبسالة أبنائه وبسالة بناته في وجه الاحتلال وعدوانه ، وان الانتفاضة هي حركة الشعب الفلسطيني ضد الظلم الذي أصابه دون وجه حق، وامام الانتفاضة والمقاومة الشعبية وهذا الأتون المشتعل في فلسطين فشعب فلسطين ولاجئيه
الفلسطينيين الذين ليس لهم وطن سوى فلسطين، فلا مكان للاحتلال على ارض فلسطين ولا استيطان او جدار عنصري .
ان التطبيع واللقاءات التي يجريها بعض الانظمة العربية مع الكيان المحتل هؤلاء الباحثين عن الاستسلام لن يجدوه إلا عبر القوة والارادة العربية الواحدة الموحدة فالسلام العادل هو سلام الاقوياء وليس سلام الضعفاء ، فسلام الضعفاء هو الاستسلام وما اخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة ، وان الشعب الفلسطيني بانتفاضته التي تزداد كل يوم التحاما ووحدة وثباتا بأعمالها البطولية وحجارتها سترسم المستقبل في وجه العرب المستترين بالشعارات او المخفية وجوههم خلف الاقنعة، ولكن الشعب الفلسطيني بالرغم من كل الصعاب والتحديات فهو حريص على اقامة السلام القائم على العدل وقرارات الشرعية الدولية القائمة على تحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني حتى يعيش حراً فوق ارضه المحررة.
بهذا الوضوح وهذه الرؤيا الصادقة يقف الشعب الفلسطيني خلف وحدته الوطنية ملتفاً حول انتفاضته ومقاومته، يعطيها ويحميها ويحنو عليها بكل الوفاء والمحبة يذود عنها وتذود عنه لتستمر شعلة النضال وهاجة ولتبقى المسيرة قوية منيعة وليجسد هذا الشعب الاصيل عنفوان التضحية والعطاء حتى يبقى رمزاً من الرموز الحية في تاريخ الامم.
وفي ظل هذه الاوضاع اقف امام بعض التصريحات لقادة الانقسام الكارثي ، لأقول هل يعلم هؤلاء في هذه الحقبة التاريخية من هذا الزمن العربي الصعب الذي شاء القدر ان يتحمل قادة الثورة الفلسطينية مسؤولية تاريخية جسيمة لتجميع الطاقات ورص الصفوف وتكثيف الجهود الفلسطينية كلها في مواجهة الاخطار الداهمة وفي مواجهة التحديات المصيرية المفروضة على الشعب الفلسطيني، فهم عندما يرفضون الانقسام ويرفضون فصل غزة عن الضفة ان الهدف من ذلك عدم تمرير مشاريع الاحتلال .
ونحن اليوم نقول بكل وضوح ان الشعب الفلسطيني من خلال التفافه حول وحدته الوطنية ما زال مؤمنا بأن هناك قوى عربية شقيقة وعلى رأسها مصر وسوريا والجزائر وتونس ولبنان ما زالت تلعب الدور القومي لاعادة التضامن وتكثيف الجهود لمواجهة المصير الواحد المشترك، وحتى لا تقع الشعوب العربية ودولها ضحية لمؤامرة سايكس- بيكو جديدة تجري اتفاقياتها والتي تورط بها البعض خلسة بين اطراف عدة تتكالب على القضية الفلسطينية ، ومن هنا فان الولاء لفلسطين كقضية عربية مركزية هو المقياس الجماهيري الحقيقي لدى الشعوب العربية واحزابها وقواها اليسارية والتقدمية والقومية والقوى الاسلامية التنويرية، فالولاء لفلسطين ليس من منطلق اقليمي ولكنه من خلال الايمان بالفكر القومي النضالي في هذه الحقبة من التاريخ العربي ، ولهذا الولاء على الساحة الفلسطينية نفتح صدورنا وعقولنا، في ظل واحتنا الديمقراطية التي نفاخر بها، هذه الديمقراطية التي نصونها بوحدتنا وتلاحمنا ، وليس باستمرار الانقسام وفق اجندات خارجية ، الولاء لفلسطين باعتبار فلسطين هي قدس الاقداس في هذه المسيرة الثورية النضالية.
ان الوحدة الوطنية الفلسطينية هي الصخرة التي تتحطم عليها المؤامرات في مسيرة النضال الشاقة، هذه الوحدة التي صنعتها الدماء الزكية من الشهداء القادة والمناضلين وفي مقدمتهم الرئيس الشهيد الرمز ياسر عرفات وابو العباس والحكيم جورج حبش وطلعت يعقوب وابو
احمد حلب وابو علي مصطفى وسمير غوشة وسليمان النجاب وابو عدنان قيسى وعمر القاسم والشيخ احمد ياسين وعبد الرحيم احمد وفتحي الشقاقي وجهاد جبريل وزهير محسن ، فكانوا قابضين على جمر الثورة، ونحن نتطلع الى مزيدا من الوحدة الوطنية والاستمرار في شعلة النضال ، واستمرار المسيرة حتى تشق الطريق نحو تحرير الارض والانسان.
ختاما : لا بد من القول ، إن الشعب الفلسطيني يتعامل مع كل المعطيات من حقه ان يتوجه إلى الضمير العالمي والى الاحرار والشرفاء في العالم اجمع، إلى جميع اصدقائه وحلفائه لماذا حكوماتكم تتنكر لقرارات الشرعية الدولية وتنكر لابسط حقوق الانسان الفلسطيني في تقرير مصيره، وعودته الى دياره ، واقامة دولته الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس ،هل هناك بعد كل الذي حدث ويحدث من العدو العنصري الصهيوني وقطعان مستوطنيه ، ما يبرر الجمود والتردد في مواجهة الحقيقة التي تقول ان الشعب الفلسطيني هو ضحية الارهاب الرسمي المنظم، وان الواجب الانساني، والاخلاقي، والحضاري، يلزم هذه الشعوب واحزابها وهيئاتها وجمعياتها وحكوماتها بان تؤازر شعب فلسطين للحصول على حقوقه الوطنية والمعترف بها على الصعيد الدولي وفي الامم المتحدة، فنحن نحيي كافة شعوب العالم واحراره وشرفائه و جميع حركات التحرر الوطني في العالم والدول الصديقة التي وقفت مع الشعب الفلسطيني من اجل نيل حريته وعودته واستقلاله مثل بقية شعوب العالم .
بقلم / عباس الجمعة
كاتب سياسي