الإتفاق التركي - الإسرائيلي يربك السلطة الفلسطينية !

بقلم: زهير الشاعر

تقيم تركيا علاقات دبلوماسية رسمية وإستراتيجية مع إسرائيل منذ نشأتها في عام 1949 ، ولكن حصلت قطيعة في عام 2010 بسبب هجوم إسرائيلي على نشطاء أتراك حاولوا كسر الحصار على قطاع غزة عبر البحر الأبيض المتوسط ، وبعد مرور ما يقارب ستة أعوام من هذه القطيعة شبه الكاملة بين الدولة التركية ودولة إسرائيل أعلن الطرفان بالأمس إتفاقاً ينهي أسباب هذه القطيعة التي نشأت بسبب قتل عدة مواطنين أتراك في ذلك الوقت على أيدي كوماندوز البحرية الإسرائيلية.

كما هو معلوم من الأخبار التي نشرت حول هذا الموضوع بأن تركيا حاولت وما زالت وبكل الطرق تعمل من أجل رفع الحصارعن قطاع غزة ، لذلك وضعت من ضمن شروطها لإعادة العلاقات إلى ما كانت عليه قبل القطيعة مع إسرائيل التي حصلت بسبب الإعتداء على سفينة مرمرة، رفع الحصار عن قطاع غزة الذي يعاني أهله ويلات الحصار والألم والوجع وفقدان الأمل ، وبالرغم من عدم تحقيق ذلك بشكل كامل ، إلا أن المراقبين يعتبرون بأن هذا الموقف لم يسبق تركيا إليه أحد، بل ارتضته وسط التحديات التي تواجه المنطقة دعماً لقطاع غزة المحاصر الذي يبدو بأنها تتحالف مع أهله تحالفاً إستراتيجياً وتدعمهم تعليمياً وطبياً وفي كثير من المجالات الأخرى بكل قوة ، وقد أكدت في هذا الإتفاق على ضرورة حل مشكلة البنية التحتية لشبكتي الكهرباء والماء وبناء مستشفى كبير في قطاع غزة.

في هذا السياق لوحظ خروج د. رياض المالكي وزير الخارجية الفلسطيني بتصريحات صحفية ملغومة تدل على حالة إرباك في المؤسسة الفلسطينية خلال تعليقه على هذا الإتفاق، فمن ناحية رحب به قائلاً " نحن نعتبر أن الاتفاق التركي الإسرائيلي شأن مرتبط بقرارات سيادية بين دول لإعادة تفعيل علاقات ثنائية فيما بينهما، ولذلك فإننا لا نتدخل في مثل هذا الجانب"، ومن ناحية أخرى وضعاً شرطاً عندما قال "أن أي جهود تركية في قطاع غزة يجب أن تمر عبر الحكومة الفلسطينية، وذلك بعد الإتفاق التركي الإسرائيلي الذي يتضمن خطوات لتخفيف حصار القطاع"!.

لو تم التدقيق في كلام الوزير المالكي سنجد إرتباكاً واضحاً وعدم رضى عن هذا الإتفاق ، حيث أننا لم نسمع منه كلمة واحدة بالترحيب بالجزئية المتعلقة بتخفيف الحصار بغض النظر عن الألية لتنفيذ ذلك، وكأن حصار قطاع غزة بات فيه مصلحة فلسطينية لبقاء منظومة فاقدة الشرعية وتستمد شرعيتها من المتاجرة بألام وأوجاع شعبها المحاصر في هذا القطاع البائس.

بالنسبة لحديثه عن العلاقات الدبلوماسية بين الدوليتن ذات السيادة فهو نأى بنفسه عن نقدهما لأنه يدرك بأنه سيخرج خارج تغطية حدوده وأن الأمر أكبر من حجمه ، أما بالنسبة لتخفيف الحصار عن قطاع غزة فيبدو أن ذلك المه وأوجعه لأنه يدرك كمنظومته بأن هذا الحصار وبقائه ومد أجله هو البيضة التي تجلب له ولهم ذهباً وتبقيه في منصبه وتمد من عمر هذه المنظومة!.

ايضاً لا يمكن تجاهل أنه من المؤلم أن يتم الحديث عن تدخلات ولا يتم الحديث عن ترحيب والعمل على بناء ما تم تحقيقه لإستغلاله بطريقة تؤدي إلى رفع الحصار الظالم عن القطاع كهدف أساسي بشكل شامل وكامل، وأن يكون هناك مبادرة منه كوزير للخارجية وفورية بإتخاذ قرار لزيارة قطاع غزة الذي يبدو بأنه على علم بأن أهله لا يرحبون به ولا يريدون أن يرونه فيه ، حيث انهم لا ينسون بأنه هو من كان أثناء الحرب الأخيرة عليهم يطالب بوقاحة بخنقهم من خلال قطع الكهرباء عنهم!.

قطاع غزة اليوم ينتظر إنفراجة حتى لو كانت بطيئة وجزئية ولكنها حتماً ستخفف من ألامه وأوجاعه وستسجل الأيام بأن صبر أهله لم يذهب هدراً وبأن الفوز في النهاية لهم وسيبنون مدنهم ويحققون احلامهم ويعيشون بمستقبل أكثر أمناً مع أطفالهم بعد أن تنفضح حقيقة المنظومة التي تاجرت بألامهم وأوجاعهم وعملت على تكريس إنقسامهم وتجسيد حصارهم.

قطاع غزة اليوم يجب على أهله إعادة النظر في مكونات العلاقة التي تتحكم بمستقبلهم ، فمن أراد له أن يكون جزءاً من الوطن ولا يريد لأحد من خارج منظومة الوطن أن يتدخل بشؤونه عليه أن يبادر بتحمل مسؤولياته الأخلاقية والوطنية إتجاهه وإتجاه أبنائه أو أن يبقى بعيداً اسيراً لرؤيته الإنفصالية الضيقة والمفضوحة ليذهب خاسئاً مكسوراً ذليلاً خائباً إلى مزابل التاريخ بدون عودة ولا ذكر لصفحته الملوثة بفساده وسقوطه الوطني والإنساني!.

قطاع غزة اليوم يجب أن يدرك بأنه جزء من سلطة هي جزء من منظومة إقليمة ودولية عليه أن يحترم مقرراتها حتى تتحقق تطلعات أبنائه للعيش بأمن وامان وسلام، والتي لا تأتي بالتمني ولا بالتحدي ولا بالعاطفة ولا بالأحلام بل تأتي بفهم الواقع ومتطلباته والعمل بمرونة على تذليل العقبات التي تواجهه!.

قطاع غزة اليوم بات لا يحتمل أهله أكثر مما تحملوا وتضحيات أكثر مما ضحوا، لذلك يجب عليه أن يدرك أولاً بجدية وشفافية أن بوابته الحقيقية هي الشقيقة مصر العربية وأن ترميم العلاقة معها يجب أن يكون مطلباً مقدساً وفي سياق حفظ أمنها وتفهم متطلباتها الإستراتيجية، كما يجب أن يكون هناك ألية منطقية في التعاطي مع التحديات التي تواجهه، والإعتراف بأن الواقع يريد رجالاً مرنين لا تهزهم الرياح ولا يتشبثوا بحكم من خلال أسر شعب من أجل بقاء مزيف وهزيل ، لا بل عليه أن يفتح ابوابه واسعة أمام عمليات إستثمار وبناء نظيفة بعيدة عن الشبهات ومسببات الحصار!، فمن يظن بأنه يمثله عليه أن يأتي إليه ويساهم بشكل عملي على حل مشاكله وأن ينهي معه حالة الإنقسام التي تنهشه لا أن يبقى متفرجاً ولا يؤلمه حصاره!.

بقلم/ م . زهير الشاعر