المشكلة ليست في الموقف التركي .. بل في طريقة التفكير السياسي الفلسطيني

بقلم: عمر شعبان

جاء رد فعل البعض الفلسطيني على عودة العلاقات التركية الاسرائيلية متناسقا تماما مع طريقة التفكير السياسي الفلسطيني منذ عشرات السنين: عاطفي، ثائر، معاتب، وتنقصه الكثير من العقلانية والرشد والنضج. من حق تركيا كأي دولة في العالم أن تبحث عن مصالحها بالطريقة التي تراها مناسبة، لم يسجل التاريخ حالة واحدة لدولة ضحت بمصلحتها الإستراتيجية من أجل دولة أخرى مهما كانت. في حين سجل التاريخ عشرات الأمثلة لدول نحت عواطفها جانبا لتضع مصالحها في الاعتبار. الصين والهند والكثير من دول أفريقيا وأمريكا اللاتينية وغيرها هي أمثلة على تلك الدول. صحيح أن واجب الدول العمل على إحترام حقوق الإنسان ومناصرة المظلومين ومساعدة من هم في إحتياج، لكن قدرة وإلتزام الدول بهذه المبادئ يتفاوت من دولة لأخرى ومن وقت لآخر. سيكون من السذاجة بمكان مجرد التفكير بأن دولة كبيرة ذات رؤية إسترايجية، تطمح بأن تكون قوة إقليمية لاعبا أن تتصرف بطريقة عاطفية. لا يمكن لتركيا أن تضحي بعلاقتها الإستراتيجية مع إسرائيل وهي علاقة عميقة متجذرة وكلاهما حليفان للولايات المتحدة من أجل غزة. هذا وضع طبيعي فالكثير من الدول العربية والإسلامية لا تقم بأكثر مما قامت به تركيا. من الظلم إنكار أن تركيا قد حاولت جاهدة الموازنة بين أولويات مناصرتها للقضية الفلسطينية وعلاقاتها الإستراتيجية مع إسرائيل، لكنها لم تنجح. لذا ليس هناك ما يدفع للصدمة من الاتفاق الاسرائيلي التركي، فعلاقات الدول تحكمها المصالح و ليس المشاعر.

المشكلة ليست في الموقف التركي بل في طريقة التفكير السياسي والمعايير التي نجري حساباتنا عليها. إن المديح المتضخم والمتواصل منذ سنوات عن دور تركيا قد أضرها أكثر مما نفعهاـ حيث سبب ذلك في رفع سقف توقعات الناس منها مما جعل سقوط أحلامهم مريعا. إن المحاولات المتواصلة والعقيمة في ذات الوقت على تصوير تركيا كدولة بريئة تتصرف برومانسية شديدة أساء لتركيا كثيرا لإنها ليست كذلك. هذا المديح المبالغ فيه لدور تركيا قد حجب عن سياسييها رؤية الواقع وتحسس مجالات التحسين.

رد الفعل الفلسطيني على عودة العلاقات التركية الاسرائيلية ليس بعيدا بالمطلق عن ردود الفعل تجاه التصريحات المؤيدة للموقف الفلسطيني والتي تصدر عن دول غربية وشرقية في حين تأخذ هذه الدول مواقفا تتسق مع مصالحها في نهاية الامر. ما حدث في مجلس الأمن والأمم المتحدة في مناسبات عديدة خير دليل على التناقض الكثير بين التصريحات والمواقف .

كما صفق الكثيرون من السياسيون والكتاب عن جهل شديد لفوز الحزب الشيوعي في اليونان في الانتخابات البرلمانية متوهمين أن فوز الحزب مؤشر على تغيير جذري في السياسة اليونانية تجاه الشرق الأوسط وكأن الشعب اليوناني الصديق جدا للقضية الفلسطينية، والذي يرزح تحت ضغط الضائقة الاقتصادية والديون الهائلة، لديه ترف الاهتمام بقضايا أخرى وتناسي قضاياه الضاغطة عليه .

إن الموقف التركي المتوقع والطبيعي جدا ورد الفعل الفلسطيني عليه يثير ملاحظات هامة هي:

أن القضية الفلسطينية والحصار على غزة لم يعد من أولويات السياسة الدولية، العالم مشغول بقضايا جديدة ملحة وضاغطة أكثر من الحالة الفلسطينية .

إن العمل والتفكير السياسي الفلسطيني يخلط بين المواقف التي يمكن للدول إتخاذها وبين تمنيات الجانب الفلسطيني منها.

إن حالة العجز المزمنة التي يعانيها النظام السياسي الفلسطيني تدفعه للمراهنة بشكل طفولي على موقف دول أخرى وكأنه ينتظر الفرج والمساعدة من الخارج .

أن الموقف الفلسطيني الذي يبتهج كثيرا بالتصريحات الصادرة عن الدول يأخذها وكأنها هي موقفه ونهجه السياسي الحقيقي.

في النهاية فإن رأيي الذي كتبته منذ سنوات وملخصه :

إن المصالحة التركية الإسرائيلية يمكن لها أن تصب في مصلحة الوضع الفلسطيني تطبيقا لمبدأ أساسي في السياسة وهو أن الاصدقاء هم ممن يتنازلون لبعضهم البعض وليس الأعداءـ فإذا رغبت تركيا في مساعدة فلسطين من خلال التأثير على السياسة الإسرائيلية تجاه غزة وفلسطين يجب أن تتمتع هي بعلاقة جيدة مع إسرائيل مسبقا كي يتم الاستماع لها.

إن الموقف التركي يجب أن يمثل حافزا جديدا لعقلنة العمل السياسي الفلسطيني نحو مزيد من العقل وقليل من المشاعر. إن ملايين التصريحات والمقالات والبرامج المؤيدة للقضية الفلسطينية غير كافية للوصول إلى هدفنا إن لم تترافق مع عمل فلسطيني داخلي يتسم بالعقلانية والمهنية ويقوم على تعزيز مصالح العالم لدينا.

الحل: كي يتحالف معنا ويؤيد مواقفنا، يجب على العالم أن يرى مصلحته في ذلك و هذه هي مسؤليتنا نحن فقط.

بقلم/ عمر شعبان