ان اهمية انعقاد مؤتمر دعم المقاومة ورفض تصنيفها بالإرهاب في اللحظة السياسية الراهنة يشكل نموذجا مهما من اجل اعادة البوصلة الى مسارها الحقيقي ، في ظل استمرار الهجمة التي تتعرض لها المقاومة في ومحاولة وصمها بالارهاب.
ومن هنا نرى ان حضور نحو 300 شخصية لبنانية وعربية تجمعوا في فندق "رامادا ـ السفير" في بيروت، للدفاع عن المقاومة ومواجهة الزلزال المذهبي المتحرك في المنطقة، يؤكد على دور القوى والاحزاب العربية في استعادة الوعي الشعبي، وما كلمة المنالضل الناصري الكبير حمدين صباحي القادم من مصر، والمناضل الفلسطيني الكبير فاروق القدومي ورئيس المجلس السياسي في حزب الله السيد ابراهيم امين السيد وامين عام الاحزاب العربية قاسم صالح زالدكتور زياد حافظ امين عام المؤتمر القومي العربي والتنوع الفكري والسياسي، كان ردا كبيرا على ما تتعرض له المقاومة في لبنان وما تتعرض له فلسطين ، وهذه رسالة الى الجميع ان المقاومة سوف تنتصر في المنطقة وان فلسطين هي بوصلة الصراع العربي الصهيوني ، وهذا يتطلب من الجميع في هذه اللحظات ترجمة الاقوال الى افعال حتى يتكامل مشروع المقاومة في فلسطين والمنطقة مع مشروع نهضوي حقيقي.
وامام كل ذلك اتى عقد المؤتمر في الذكرى العاشرة لحرب تموز التي شكل اكبر انتصار على المشروع الامريكي الصهيوني في المنطقة، التي تتزامن مع وضع عربي مؤسف، حيث يعي الجميع اكثر فأكثر قيمة المقاومة وثمة عمل جدي للتصدي لكل المحاولات التي تستهدف المقاومة، وهذا يؤكد ان انتصار تموز هو انتصار استثنائي في ذاكرة الشعب اللبناني كما في ذاكرة الشعوب العربية والشعب الفلسطيني على وجه الخصوص،انتصار اثبت قدرة الانسان المؤمن بقضيته والمناضل في سبيلها على صنع المعجزات ومحاكات الاساطير، انتصار سيبقى محفورا في ذاكرة اللبنانيين والعرب من جهة وفي ذاكرة العدو الصهيوني من جهة ثانية .
لقد كتبت المقاومة هذا التاريخ باحرف من دم فكانت شهادة سيد الشهداء عباس الموسوي وقائد الانتصارين عماد مغنية ورمز المقاومة بين الجولان وفلسطين الاسير المحرر القائد سمير القنطار، مع دماء شهداء جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية في الحزب الشيوغي اللبناني والحزب السوري القومي الاجتماعي وشهداء افواج المقاومة اللبنانية حركة امل وكافة الشهداء الذين صنعوا بدمائهم صورة ناصعة البياض في تاريخ الأمة، وافهمت من يهمهم الامر ان لبنان لن يكون مكسر عصا، وان هذا الانتصار الكبير الذي حققته المقاومة الوطنية والإسلامية اللبنانية بقيادة حزب الله، شكل أرضية لكل المقاومين في العام 2006، كما شكل قناعة لدى قوى وفصائل الثورة الفلسطينية على ارض فلسطين، أكثر من أي وقت مضى، أنه بالإمكان هزيمة هذا العدو الصهيوني وتحرير الارض واستعادة الحقوق، كما ساعد هذا الانجاز على صمود الشعب الفلسطيني وانتفاضاته وهباته الشعبية وبطولاته في غزة والضفة والقدس.
ان ما يتعرض له شعب الجبارين من عدوان متواصل في الضفة الفلسطينية والقدس هو استمرار لمسلسل القضاء على مقاومة شعوب المنطقة من خلال المشاريع الامريكية الصهيونية ، ونحن على يقين ان شعب فلسطين الذي قاوم الغزوة والاستعمار لهو قادر على الاستمرار في النضال والانتفاضة والمقاومة وكافة اشكال العمل الدبلوماسي والسياسي وصولا لتحقيق السلام العادل والشامل وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ، لأن المعتدي والمحتل للحقوق لا يمكنه أن يرتدع إلا إذا شعر بأن الطرف الآخر قوي، ويسعى لمعادلة استراتيجية تعيد حقوقه وتحقق الأمن والسلام والاستقرار لشعوب المنطقة التي من حقها أن تعيش بسلام واستقرار وازدهاراً أسوة بشعوب العالم الأخرى.
وفي ظل ذكرى انتصار تموز وعقد المؤتمر العربي العام لدعم المقاومة في بيروت لا بد لنا من ان ما تتعرض له المنطقة اليوم يأتي في سياق الهيمنة الاستعمارية على المنطقة ، وكل ما تعيشه هذه المنطقة من حروب ومؤامرات منذ مطلع القرن العشرين وبعد وعد بلفور ليس سوى محطات في مسار متصل من السعي المتواصل للقوى الامبريالية والاستعمارية بهدف تفتيت المنطقة وفق سايكس بيكو جديد ، بعد ان وصعت له القوى الامبريالية والصهيونية والاستعمارية والرجعية القدرات والإمكانات للقوى الارهابية التكفيرية التي جلب مرتزقتها من أصقاع الأرض لاستنزاف الأمة وتدمير قدراتها وتعطيل فرص نهوضها وتحررها خصوصا بالاستهداف العدواني الدائم لكل من فلسطين وسورية ومصر ولبنان وليبيا والعراق واليمن ، مما يتطلب من كافة الاحزاب والقوى العربية تشكيل جبهة شعبية عربية موحدة لمواجهة هذه المخاطر ودعم المقاومة على امتداد المنطقة ودعم صمود الشعب الفلسطيني وانتفاضته في وجه الإرهاب الصهيوني، باعتبار ان قضية فلسطين قضيتها المركزية.
ان انتصار تموز لم يكن انتصار المقاومة في لبنان في مواجهة العدو الصهويني فقط بل كان انتصاراً استراتيجياً للشعب الفلسطيني ومقاومته ، وخاصة ان المقاومة الوطنية اللبنانية تمكنت من اسقاط نظرية رايس انذاك حول بناء شرق أوسط جديد وسيكون لبنان بوابته وهذا القول هو كشف للمستور للهدف من وراء العدوان ،إن قراءة للمشهد السياسي الاقليمي تبين بشكل واضح حجم التحول الحاصل في وزن القوى السياسية المتصارعة في المنطقة وهو بالتأكيد لصالح نضال الشعب الفلسطيني وكل الشعوب العربية التواقة للاستقلال وهذا أمر لايستطيع أحد انكاره وهذا يرتب على كافة الفصائل والقوى والاحزاب الاستمرار في التنسيق والتماسك والتضامن لكسب المزيد من احرار العالم الرافضين لمشروع الهيمنة الامريكي ولمشاريع الاحتلال الصهيوني على ارض فلسطين والذي يستهدف شعوب المنطقة وحقها في حياة حرة كريمة.
إن هذا الاحتضان للمقاومة في مؤتمرها العام في بيروت يؤكد على ثقافتها التي أسهمت إلى حد بعيد في إضفاء الصفة الشرعية على عملها وثقافتها أمام المحافل الدولية ، رغم ما يجري اليوم من تخاذل واستسلام وتآمر من بعض العرب بمد اليد للعدو الإسرائيلي، لذلك نقول لم يعد في جعبتنا إلا المقاومة والمحافظة عليها والعمل على نشر ثقافتها ليس من أجلنا بل من أجل تأمين الحرية والكرامة لأجيالنا القادمة لتبقى متمسكة بهويتها رافضة لأي استسلام أو تنازل عن الحقوق العربية.
ان الشعب الفلسطيني العظيم صانع الثورات والانتفاضات وصاحب السجل الاسطوري في الصمود أمام أسوأ وأبشع عدو عرفته البشرية وعرفه التاريخ المعاصر، هذا العدو الذي لا يتورع عن ارتكاب المجازر ومواصلة العدوان ونهب الأرض وإقامة وتوسيع المستوطنات وتهويد مدينة القدس، مدينة المدائن ودرة تاج رأس الأمة، ومواصلة سياسة الاعتقال بحق ابناء الشعب الأعزل، لهذا نقول بكل وضوح ان الحرية والاستقلال والعودة اليوم يرسمها شابات وشباب الانتفاضة بدمائهم التي ترسم خارطة فلسطين ، وان بتضحياتهم يتم انتزاع حقوق شعبنا ، لا في الرهان على الرباعية ولا على المبادرات ولا الرهان على الولايات المتحدة الأمريكية لان هذا الرهان لم يعد يجدي نفعاً.
ان انتصار تموز بالنسبة لنا يشكل نقلة نوعية باستمرار النضال لان إرادة شعبنا وأمتنا لم ولن تنكسر ولن تضعف ولن تؤثر فينا ولا في قناعاتنا وطريقنا ومبادئنا واستعدادنا للتضحية والفداء مهما بلغت الإجراءات التعسفية والممارسات الارهابية بحقنا، ما دام هناك فرسان المقاومة ورموز للتضحية والفداء والعطاء من أجل حرية وعودة واستقلال شعبنا ، وإننا على ثقة أن ليل الاحتلال زائل وأن فجر الحرية آت لا محالة.
إن صمود أبناء شعبنا في فلسطين ، والتضحيات الجسام الذي يقدمها وصمود الاسيرات والاسرى البواسل في سجون الاحتلال تضيء لنا الطريق من جديد وهي تسجل صفحات مشرقة في تاريخ النضال الوطني والقومي والإنساني حتى ننهض من كبوتنا من خلال وحدتنا قبل ان نغرق في بحر الظلمات لفترة طويلة، فلنعمل جميعا من اجل انهاء الانقسام الكارثي وتعزيز الوحدة الوطنية وتفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية على ارضية تعزيز الشراكة الوطنية الحقيقية في مؤسساتها ورسم استراتيجية وطنية لتحريك كل الطاقات الكامنة، والإبداعية لدى شعبنا وجماهير أمتنا العربية واحرار العالم في كل مكان بأوسع حراك شعبي للدفاع عن فلسطين والقدس وعزتها في مواجهة المخطط الأمريكي- الصهيوني الظالم.
ختاما : لا بد من القول سيبقى شهداؤنا عنوان تاريخنا و طليعة انتصاراتنا ،وهم الجزء الأكثر إشراقاً في هذا التاريخ ، وان انتصاراتنا تشكل علامة فارقة في تاريخ صراعنا مع العدو الصهيوني الذي أصبح عاجزاً عن تحقيق أي هدف وبات همه محصوراً في كيفية الحفاظ على كيانه المهدد بالزوال.
بقلم/ عباس الجمعة