لقد كان لقرار سلطات الاحتلال الاسرائيلي تحويل الأسير بلال كايد من نابلس للاعتقال الإداري بعد أن امضى كامل محكوميته التي بلغت 14عاما ونصف وقعا صادما علي الحركة الأسيرة وكافة المتابعين لقضايا الأسرى والمدافعين عنهم ، فهذا القرار ينطوي علي خطورة تحدق بمجموع الأسرى باعتبارها سابقة وتحول خطير في انتهاج الاحتلال لسياسة الاعتقال الإداري بحق أسرى أنهوا فترات اعتقالهم تحت حجج وذرائع واهية لا تستند إلي أية مصوغات أو معايير قانونية .
وإدراكا منها لخطورة هذا التحول قررت الحركة الوطنية الأسيرة التصدي بحزم وإرادة تنسجم مع حجم القلق والخشية من أن يؤسس هذا النهج إلي سياسة ثابتة قد يتم تمريرها وانتهاجها بحق الكثير من الأسرى وخاصة القادة والمخضرمين منهم والذين تعتبرهم دولة الإحتلال خطرين علي امنها ، وفي هذه الحالة فإنه لا مجال للصمت أو التهاون في التصدي لهذه السياسة بغض النظر عن الظروف الذاتية والموضوعية والنتائج وغيرها من المعايير والحسابات التي عادة ما يتم تقييمها ودراستها عشية أي خطوة نضالية كبيرة داخل السجون ، فالأمر هذه المرة لا يحتمل التفكير والانتظار ....
لقد بدأ أسرى الجبهة الشعبية التي ينتمي لها الأسير بلال كايد خطوات نضالية اتسمت بالقوة والجرأة بعد أن تعهد فرسانها بمؤازرة الأسير كايد وعدم تركه وحيدا في هذه المعركة التي تعتبر مصيرية في مجابهة هذا الشكل الجديد من الاعتقال التعسفي ، كما أن قرارا قد تبلور في صفوف كافة فصائل الحركة الأسيرة بالمضي قدما في المعركة بشكل متدحرج وبنسق متصاعد حتى الاستجابة لمطالب الأسير كايد في الحرية واشتراط عدم العودة لانتهاج هذا الاسلوب بحق اسرى آخرين .
ما يثير الإعجاب هو هذا التلاحم والتماسك في صفوف الرفاق أسرى الجبهة الشعبية وإصرارهم علي نصرة رفيقهم المضرب عن الطعام بدخول العشرات في إضراب مفتوح عن الطعام متحدِين كل الاجراءات الانتقامية والعقوبات التي فرضت عليهم من قبل إدارات السجون من اقتحامات يومية وعزل انفرادي ونقل تعسفي ومنع للزيارة وغيرها من الإجراءات الهادفة لثنيهم عن الاستمرار في التضامن مع الأسير كايد ، الأمر الذي أحيى الأمل للبعض ورسخ قناعات لدى بعض آخر بأن الحركة الأسيرة قادرة علي النهوض من الركام في وجه مخططات الاحتلال وانتزاع حقوق أبنائها بعزيمة واقتدار ، كما أن هذا الموقف هو دليل ساطع علي أن كافة مخططات الاحتلال لتدجين الحركة الأسيرة ومحاولات تفكيكها وكي وعيها لم ولن تنجح أمام وحدتها وصلابة موقفها ، خاصة إذا ما تعلق الأمر بقضايا مفصلية تمس بحقوق أصيلة لا يمكن أن تخضع للمساومة أو التفاوض كالحق في الافراج عن الأسرى فور إنهائهم مدة أحكامهم التي أقرها الاحتلال نفسه والتي هي أصلا أحكام مجحفة ومبالغ فيها بالنظر إلي التهم الموجهة لهم .
وبالرغم من تمنياتي بأن تحذو كافة فصائل العمل الوطني والإسلامي داخل السجون حذو الجبهة الشعبية في الانخراط في خضم عمل نضالي وحدوي لمجابهة السجان ، ومع دعوتنا بأن تتسع رقعة التضامن والمؤازرة بين الأسرى أنفسهم ، إلا أنني أري بأن المواجهة في هذه المعركة يجب أن لا تقتصر علي الأسرى فقط في الوقت الذي نعكف فيه نحن خارج السجون بتوجيه الإرشادات والنصائح لهم بالاستمرار في الهجوم من خلف المكاتب ومكبرات الصوت ، مع إدراكنا لأهمية الكلمة والبيان في عملية الحشد والتأثير في الرأي العام دعما وإسنادا للأسرى البواسل ، لكن في هذه الحالة هناك حاجة ملحة للارتقاء بمستوى الفعل من خلال جهد حقيقي ومؤثر من كافة المستويات الفلسطينية وعلي رأسها المستوى السياسي والقانوني من أجل البحث في آليات تطبيقية من شأنها أن تَرفُد الأسرى بعوامل الانتصار بعيدا عن الشعارات الرنانة والرهانات علي ثبات الأسرى وصمودهم .
فأسرانا يكفيهم ما هم فيه من هموم ومحاولات احتلالية تسعى دائما لاستنزاف طاقاتهم من خلال إغراقهم في معارك جانبية تشغلهم عن بناء ذواتهم واستغلال اوقاتهم بما ينفعهم ، الأمر الذي يملي علينا واجبا وطنيا للنهوض دفاعا عن قضاياهم نيابة عنهم وعدم تحميلهم زيادة علي طاقاتهم ، إضافة إلي ضرورة التوحد في مؤازرتهم في معاركهم بمستوي يستجيب لنداءاتهم ويرتقي لحجم نضالهم وتضحياتهم التي يسكبون خلالها أطنانا من العرق والدماء .
وهنا تبرز ضرورة ملحة لوضع أجندة فلسطينية لأنشطة داعمة ومساهمة في إيصال صوت الأسرى إلي العالم تقودها السفارات والجاليات الفلسطينية بالخارج ، بحيث يكون لهذه الأنشطة برامج زمنية لا تستجيب فقط للحالة الراهنة وسياقها اللحظي الانفعالي بل تستمر نحو حالة منظمّة ترتبط ارتباطا وثيقا بالحالة العربية والدولية الداعمة لمطالب الأسرى المحقّة ومن شأن هذه العوامل مجتمعة أن تشكل حلقات تضامنية متصلة ومتزامنة تسهم في الضغط علي الاحتلال للنزول عند مطالب الأسرى ووقف السياسات العنصرية المتبعة بحقهم وعلي رأسها قانون الاعتقال الإداري .
بقلم : أسامة الوحيدي .