العرب ... غياب الفعل غياب الفكر

بقلم: عدنان الصباح

حين سمعنا عن الانقلاب الفاشل في تركيا أعلنا استنفارنا ضد بعضنا بين مؤيد ومعارض واقتتلنا على صفحات الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وفي المقاهي وعلى صفحات الصحف وفي الشوارع وحين فشل الانقلاب رفعنا أعلام تركيا وصور أردوغان وجبنا شوارع مدننا ونحن نطلق سماعات سياراتنا بأغاني تركية قد لا تكون من النوع الذي يحبه أردوغان والسؤال هل كنا سنغني للمنقلبين لو نجح الانقلاب في تركيا لا سمح الله وهل كنا سنتوجه بالرجاء لأصدقاء الانقلابيين ليقبلوا اعتذارنا , وتلك ليست الحالة الأولى فنحن غنينا لسوريا قبل سنوات ثم انقسمنا عليها فغنى من غنى معها وغنى من غنى ضدها وحين حاربت العراق إيران انقسمنا على العراق وحين احتلت الكويت انقسمنا عليها وراح معظمنا يعلن سعادته باحتلال الكويت حتى صرنا أعداء مطلقين للكويت وشعبها وشتت أكثر من 300000 فلسطيني عبر جهات الأرض دون مأوى ولا عمل ولا حتى بطاقة مرور ولا زلنا حتى يومنا ندفع ثمن ذلك في العراق يعتبروننا أنصار صدام ونحن من أودى به إلى الهاوية وأحيانا يصل الأمر ببعضهم لتفضيل إسرائيل على الفلسطينيين وفي الكويت يشمت بعض كتابهم بنا وبمعاناتنا وفي مصر أعلن بعض الإعلاميين تأييدهم لذبحنا وكأننا نحن من قتل أطفال بحر البقر تماما كما كنا نعلن هنا وهناك تأييدنا لهذا الطرف أو ذاك على أرضهم فبتنا خاسرين لبعضنا مؤيدين لتركيا أو لروسيا أو لأمريكا أو لأي كان سوى العروبة وأصحابها وحين وأعلنا أننا سنحمي العراق بصدورنا وحين سقطت العراق بأيدي المحتلين انخرسنا فجأة ولم يعد احد يغني عن دمه الذي سيبذله رخيصا لأجل العراق بل ولأجل صدام قبل العراق.

الكاتب الكويتي عبد الله الهدلق وصف المقاومة الفلسطينية بالإرهاب وقال في احد مقالاته " لا استطيع منع ضميري من تأييد الإسرائيليين في دفاعهم عن النفس " وفي مقاله الذي نشر بصحيفة الوطن الكويتية بعنوان ازدواجية المعايير يقول الهدلق نصا وحرفا " عندما تطلق المنظمات الإرهابية ومنها «حركة حماس» قذائف هاون وصواريخ من قطاع غزة على مدن الجنوب الإسرائيلي وتقتل المدنيين الأبرياء من النساء والأطفال فإن وسائل الإعلام المضللة تسمي ذلك «مقاومة» أو «ممانعة» أو «أعمالا جهادية» ولكن عندما تقوم إسرائيل بشن غارات على المواقع العسكرية والأمنية لتلك المنظمات داخل قطاع غزة بهدف وقف إطلاق تلك القذائف والصواريخ الإرهابية فإن وسائل الإعلام تسمي دفاع إسرائيل عن نفسها «عدوانا» وتمضي تلك الوسائل الإعلامية في ازدواجية معاييرها وتسميتها للأشياء بغير مسمياتها الحقيقية فتسمي الضحايا الإسرائيليين «قتلى» بينما تسمي الضحايا في قطاع غزة من الفلسطينيين «شهداء» ولا تتورع تلك الوسائل الإعلامية عن تضليلها فتسمي هجوم «حركة حماس» على المدنيين الأبرياء في مدن الجنوب الإسرائيلي «حقا فلسطينيا لحركات المقاومة والجهاد بينما تسمي دفاع إسرائيل عن شعبها «عدوان جيش الاحتلال الإسرائيلي على غزة "أما الكاتب الكويتي أيضا فؤاد الهاشم فقد كتب يقول " حين كان شعب غزة بأكمله يعوي كالذئاب - حاملا صور صدام حسين - وصارخا بأعلى صوته.. «بالكيماوي يا صدام من الكويت.. للدمام»؟! أين كانت.. «أخلاق ومثل ومعدن الشعب الكويتي»، ومطاوعة حماس وملاليها يصرخون من فوق منابر مساجد غزة ورام الله وجنين وطولكرم والخليل ونابلس وعمان ومخيم «الوحدات» قائلين - وآبار النفط الكويتية التي أشعلها حقد الشقيق وزادها الأشقاء سعيرا - «اللهم لا تطفئ لهم بئرا، ولا تخمد لهم.. نارا»؟!! إن الغضب الإلهي لم يسلط عليهم يهود «خيبر» وبني «النضير» وبني «قينقاع» وبني «اشكناز» وبني «سفارديم» فقط بل زادهم من بني «حماس» وبني «سورية» وبني «حزب الله اللبناني» وبني «إيران»، فأصبح غضباً «خاثرا» وثقيلا، لا ماء الرحمة طاله، ولا ثلج الغفران.. ناله " الكاتب المصري احمد رجب كتب عن قطر يقول " الزائدة الدودية هي اصغر عضو غير عامل في الجسم الإنساني, فهي بلا وظيفة ولا منفعة لكنها دائما تحاول إثبات وجودها صوتيا بالصراخ والضجيج وهي ملتهبة, وصراخها اصغر من ضجيجها والزائدة الدودية في الجسم هي قطر "
قبل الأحداث الأخيرة كانت سوريا تسمى قلعة الصمود الأولى لدى غالبيتنا المطلقة وحين وقعت الأحداث هناك واعتقد البعض أن سوريا سيصيبها ما أصاب تونس أعلنا مقاطعتها ولم تعد لا قلعة الصمود ولا ما يحزنون, وحين سقط نظام مبارك شددنا الرحال إلى هناك لنعلن تأييدنا للحكم الجديد مع أننا كنا أيضا نشد الرحال إلى مبارك وحين انقلب عليه المنقلبون سعينا إليهم حتى كدنا نصبح جزءا منهم وحين عادوا وانقلبوا صرنا نرسل الوسطاء تلو الوسطاء لعل احد من القادمين الجدد يرضى علينا وصار كل فلسطيني بنظر المصريين إرهابي ولم يعد لرابطة العروبة معنى.
لم نعد نذكر أبدا متى كنا عرب بل ومتى كنا مسلمين فحين يكون الحديث عن العروبة نصبح أغرابا عنها فيسعد بعضنا بأصله الفرعوني وآخر بكنعانيته أو فينيقيته أو حتى بربريته وصرنا نجوب أحرفنا بحثا عن أسماء لأطفالنا لا تمت للعروبة بصله.
في جلساتهم وسهراتهم يتبارى فتيتنا وشبابنا بالرطن بالانجليزية بل وبعضهم بالعبرية حتى أننا لم نعد نجد بديلا لبعض الكلمات العبرية في لغتنا الأوسع والأرحب والأكثر أصالة وقد تجد من يقود سيارته مستمتعا بالاستماع للاغاني العبرية دون خجل حتى من المارة الذين قد لا تعجبهم الحركة وسيستنكرونها لكن بقلوبهم على قاعدة اضعف الإيمان.
المسلسلات التركية والغربية تغزو بلادنا في كل أقطارها حتى أن بعض أبطال المسلسلات التركية صاروا رموزا لنا بينما يقاطع الشامي مسلسلات مصر والعكس صحيح ونفهم فيلما مترجما من أي لغة غربية ونحفظ أسماء ممثليهم ومخرجيهم وأفلامهم عن ظهر قلب ولا نعرف اسم مخرج عربي واحد ونخجل أن نقول أننا نستمع لسميرة توفيق وشادية ونفضل عليهم ديميس روسز ومايكل جاكسون بل أن البعض منهم يستمع لاغاني تركية أو اسبانية أو انجليزية حتى دون أن يفهم معاني الكلمات ولا ادري كيف لشاب من قرية فلسطينية نائية ولم يسبق له أن غادرها أن يشعر بأغنية وموسيقى لا تمت لواقعه أو حياته أو ثقافته بصلة سوى انه يكذب فقط لاعتقاده أن كل ما هو غير عربي أرقى وأكثر حضارة وبالتالي فهل يوجد على وجه الأرض أكثر اغترابا من هذا.
في الوطن العربي جميعه لا يعرف شبابنا ولا صبايانا ماركة عربية واحدة للباس أو عطر أو مكياج فقد نتفهم صعوبة أن نفضل ماركة سيارة أو طائرة لكن أن لا نتمكن من الاقتناع ببديل عربي لماكدونالدز أو كنتاكي أو ايف سان لوران وما شابه فالمصيبة ليس لها حدود.
قديما كانت هناك نكتة بين الفلسطينيين تقول إن أمطرت في موسكو رفع الشيوعيون العرب مظلاتهم في بيوتهم واليوم صار ذلك جائزا قوله إن أمطرت في إيران أو في تركيا والبعض حتى في أمريكا والشيوعيين لأنهم لم يجدوا ملاذا يلوذون به بديلا للاتحاد السوفيتي لووا عنق المنطق واعتبروا روسيا وريثة للثورة الاشتراكية وراحوا يؤيدونها وأنا هنا لا أتحدث عن التأييد السياسي ولا عن فن التحالفات في الصراعات الدولية بل عن الغباء والخواء الثقافي الذي يجعلنا نستورد كل شيء حتى اللغة.
شبابنا يتحاورون على مواقع التواصل الاجتماعي أو يعبرون عن أنفسهم إما بالانجليزية أو بالفرنسية والأنكى من ذلك أن بعضهم يستخدم العبرية وحتى من لا يتقن الانجليزية فقد راح يستخدم حروفها في حديثه بالعربية واستبدلوا بعض الحروف ببعض الأرقام لغيابها عن الانجليزية كحرف (ع) مثلا الذي أصبح رقم (3) بالانجليزية وهكذا وليس لهذا معنى سوى الإقرار الضمني بان اللغة العربية عاجزة فتحت نستخدم الانجليزية في وصفات أطباءنا وفي المصطلحات العلمية وفي تسميات المخترعات العصرية الحديثة وقد تكون اللغة العربية أكثر لغات الأرض تقصيرا في المختصرات والدلالات المختزلة.
حلم العرب كثيرا بما سيأتي به ما سمي بالربيع العربي وانفتحت أبواب الأحلام على مصراعيها فإذا بنا أمام فوضى بلا حدود في ليبيا وعودة إلى زمن العسكر وتأليه الرئيس في مصر واقتتال لكل العالم على ارض سوريا واقتتال طائفي على ارض اليمن وانقسام بلا معنى على ارض فلسطين المحتلة وانتظار مشوب بالخوف والتوتر والقلق في عديد الدول العربية التي باتت تنتظر دورها وكأن العرب لا حول لهم ولا قوة ولم يعد أحد يرى في جامعة الدول العربية بيتا جامعا لهم ونسوا كليا ما أسموه مؤتمر القمة العربي وبات انعقاده بلا معنى وصارت علاقات الدول العربية الفردية مع الغرب أهم مليار مرة من علاقاتهم ببعضهم البعض حتى أن دخول العربي إلى دولة عربية أخرى صار بحاجة لموافقات لا تطلب من الأمريكي أو الأوروبي أبدا فاغربي مرحب به أكثر من العربي على ارض العرب وهو إرهابي وتهم غير مرغوب به في أمريكا وأوروبا.
لا احد يدري كيف ولماذا وعلى أية أسس يتم رسم سياسات الدول العربية التي لا قاعدة لها إلا إذا عرفنا أنهم ينفذون أجندات غيرهم حتى دون أن يقرئوها فقطر تحالف السعودية وتركيا في تخريب سوريا وتختلف معها في مصر على سبيل المثال والفلسطينيين كانوا حلفاء لحزب الله قبل أحداث سوريا ثم فجأة تذكوا انه حزب طائفي بعد أحداث سوريا ولم يعد حليف المقاومة الأول كما كان وهو نفسه أي حزب الله بات اهتمامه بأحداث اليمن والبحرين أكثر بكثير من اهتمامه بحدوده مع فلسطين المحتلة, وباتت خطابات السيد ضد السعودية والبحرين أكثر بكثير مما هي ضد إسرائيل وقد يكون مفهوما موقفه من الأحداث في سوريا وانخراطه التام بها ولكن ما معنى اهتمامه بأحداث اليمن والبحرين أكثر من ما يجري في فلسطين أو ليبيا أو مصر مثلا.
في أكثر من مناسبة ومقال عرفت الفكر على انه وعي الفعل وأوضحت أن من يصنع السلعة يصنع فكرها ومن يستهلك السلعة يستهلك فكرها وحين يغيب الفعل يغيب الفكر وهو ما نعيشه كعرب فلا رؤيا واضحة ولا سياسة جامعة وبالتالي لا فكر عربي يوحد كل العرب ليتوحد فعلهم فنحن اليوم منقسمون بلا حدود فمن يغني لريال مدريد وينسى فريقه الوطني ومن ينتصر لتركيا أو لإيران, لأمريكا أو لروسيا لن يجد ما يدافع عنه فعلا على ارض وطنه فهو فكريا وعمليا رهن نفسه للغير ومن يقاتل ناسه اليوم ويقتلهم على الاسم أو اللغة أو الجهة أو العشيرة لا يمكن له أن يشارك غدا في صناعة تاريخ البشر فما يجري على ارض العرب هو اقتتال بدمهم لحروب غيرهم فكيف يمكننا القول إن العرب هم من يمارسون الفعل على أرضهم وكل الحروب تجري لأجندات غيرهم وكل الثروات تهرب لغيرهم لتعود لهم سلاحا يقتلون بعضهم به ومن لا يصنع الفعل لا يمكنه أن يصنع حضوره على الأرض.

 

بقلم
عدنان الصباح