الانتخابات والاحتلال وكذبة جحا

بقلم: عدنان الصباح

عاد جحا ينادي بأن الذئب لازال هنا وأنه أطل برأسه فعلا هذه المرة فأغلق الجمع آذانهم وغاب البعبع وانقسم حماة الدار والتم شمل الضعفاء واكتشفنا أن على الأكتاف خوابي للقمح لا قمح بها... هذا هو حالنا ونحن على أبواب الانتخابات المحلية القادمة في أكتوبر 2016حسب المراسيم الصادرة.
نداء جحا القديم الجديد الذي لم يصدقه احد لا لكذب جحا ولكن لضعف السامعين فان نحن صدقنا أن الاحتلال هنا بين ظهرانينا وفي فراش نومنا وانه يعبث بأدق تفاصيل أجسادنا فمعنى ذلك أن علينا مواجهته ومحاربته والصمود ولأننا لا نرغب بذلك فقد كان ولا زال الأسهل علينا تكذيب جحا وكل من يحاول قرع الناقوس أيا كان سنسميه اعتباطا جحا فلسنا بحاجة لان يذكرنا احد بالاحتلال وأدواته ومخططاتهم التي لا تتوقف.
البعبع هنا هو حماس التي يبدو جليا أنها لا ترغب بالمشاركة العلنية بالانتخابات لا في غزة ولا في الضفة وهم بالتأكيد لديهم ما يبررون به فعلتهم تلك وان كانت كل الآراء تقول بأنهم سيحاولون ان يقدموا قوائمهم بصفة مستقلين وقطعا ستجد حماس في الاحتلال والسلطة وما يتعرض لها كوادرها من ملاحقة سببا للامتناع عن تقديم قوائمها العلنية ولكنها لن تجد ما تبرر به فعلتها هذه في قطاع غزة إلا إذا استخدمت شعار مساواة الحال بين الضفة وغزة وهي بفعلتها هذه فتحت الباب على مصراعيه لأسوأ نتائج ممكنة في تاريخ الانتخابات الفلسطينية ففتح المرشحة لان تملأ هذه المقاعد بغياب حماس انفتحت شهية كل من يقف على أطراف أطرافها وباتت بلا حدود وصار من يعرف حرف الفاء مؤسسا لفتح وذلك يذكرنا باستمارات العضوية أيام تأسيس السلطة فقد كتب البعض في استماراته انه انتمى لفتح قبل مؤسسيها وهو لم يكن يسمع باسمها من قبل وقد دبت الخلافات في أوساط فتح ولن أكون حسن النية على الإطلاق ففتح تاريخيا لم تكن تهتم بتشكيل القوائم الانتخابية فقد كان كل من ينجح ينتمي لها وبحق وهي اليوم بعد ظهور حماس بكل قوتها لم تعد كذلك قادرة على احتضان من يفوز فلماذا تترك الحبل على الغارب ولماذا لا يتم تحديد مهام وتشكيل قوائم ومنع الفوضى العارمة والاجتماعات المفتوحة والنقاشات التي لا طائل لها سو مزيدا من الانقسام مزيدا من الفوضى, في كل مدينة وقرية أسماء بلا حصر وقوائم بلا نهاية وتحضيرات وصراعات والقيادة تعيش صمتها فهي لم تكلف أحدا ولم تحدد مسئوليات وتركت الحبل على الغارب وذلك يذكرنا بانتخابات البرايمري قبيل انتخابات التشريعي وانقسام فتح الى قائمتين وما أصابها من ضرر شديد بسبب ذلك وغيره قطعا.
فتح لن تستطيع بسبب انقساماتها من تقديم أفضل ما عندها وهي بالتأكيد تملك ذلك ما دامت تشعر ان لا احد ينافسها وان أبواب البلديات مفتوحة على مصراعيها لمن ترشحه بغض النظر عن كفاءته, أما حماس فان أيا من مبرراتها لن يغطي على حقيقة أنها عازفة عن دور لها بالضفة بعد ان جربت ذلك في الانتخابات ما قبل الأخيرة ولم تجد تعاونا من السلطة وتعرض غالبية رموزها للاعتقال والملاحقة فهي إذن وبأحسن الأحوال لن تريد ان تعاود التجربة وتعطي الفرصة من جديد لإفشالها من جانب ومن جانب آخر فهي ترى ان غزة لها بانتخابات أو بدون انتخابات أو أنها تخشى حقيقة من الاحتقان الشعبي هناك بسبب الأوضاع القاسية بلا حدود التي يعيشها الغزيون ولان غزة خارج معادلة الصراع مع الاحتلال فان أيا كان الذي سيفوز سيجد نفسه مجبرا على التعاطي مع حماس كقوة حكم وحيدة هناك كما هو الحال في الضفة وبالتأكيد فان حماس لن تغيب حقيقة عن مشهد الانتخابات فهي ستجد ألف وسيلة ووسيلة لحصد نتائجها حتى ولو كان ذلك بقوائم غير مباشرة وهنا علينا ان نؤكد على رجاحة عقل قيادة حماس وقدرتها على إدراك الحقائق والتعامل معها ولأنها تدرك جيدا واقع الحال المأساوي هناك وأنها ستجد قطعا من يحملها مسئولية تلك الأوضاع فهي لن تغامر باسمها ومكانتها فقد تجد في حلفاء عشائريين او مهنيين ليقوموا بالمهمة نيابة عنها وهي لا تخشى فتح هناك أولا بسبب الانقسام الأصعب لفتح في غزة وثانيا بسبب غياب قيادة فتحاوية قوية وموحدة في غزة الى جانب ان قبولها بالانتخابات سيعطيها فرصة لتحقيق أكثر من غرض وفي مقدمتها قياس الرأي العام وتوجهاته وتعميق الانقسام في فتح وظهورها كقوة قابلة بالاختلاف والتعددية وليست معادية للانتخابات كما يتهمها من يختلفون معها أما في الضفة فهي لن تشارك علنا لكي تحقق ايضا العديد من الاهداف ومنها تاكيد اتهامها للسلطة والاحتلال بملاحقة كوادرها كقوة مقاومة وتعميق الانقسام الفتحاوي الداخلي وعدم تعريض مكانتها للخطر بانتخابات لن تمر حتى لو نجحوا ومع ذلك فلا زال امام حماس متسع من القوت لتغادر الانتخابات لأسباب مختلفة فها هو يوسف رزقة القيادي في حماس يضع تصورات ويتحدث عن لكن خافت الان قد تكبر فيما يأتي من الايام حين يقول " حين أتحدث عن التفاهمات والتوافقات فإنني لا أتحدث عن مبدأ الانتخابات المحلية، ولا حتى التشريعية والرئاسية، فالمبدأ عليه ثمة إجماع وطني شامل لأنه على الأقل يجدد شرعيات المجالس والنواب، وربما يمنح فرصة جديدة للمصالحة السياسية والشراكة الحقيقية". ويشير إلى إن حديثه عن التفاهمات والتوافقات اللازمة لا يتضمن الحديث في الموعد، وهل الثامن من تشرين الثاني مناسب أم لا؟، لأن جلّ المواعيد مناسبة، ولا مشكلة أبدا في الأزمان. ولكن المشكلة أن الأطراف في حاجة إلى إن تبحث عن تفاهمات واتفاقات تتضمن شروط النزاهة، والدعاية، ومحكمة الانتخابات، وآليات الطعون والنظر فيها، والإشراف المدني أو الدولي على النزاهة والشفافية، وعن كيفية إجرائها في الضفة وغزة معا ", ومع ذلك فان موقف حركة فتح من الانتخابات نفسها لا زال ضبابيا فالنائب عن حركة فتح جمال الطيراوي يقول مثلا "الوضع الذي تمر به الحركة من تخبط في هذه المرحلة، لا يسمح لها بالمشاركة في الانتخابات، دون اللجوء إلى حوار يشمل الكل الفتحاوي، للنهوض بالحركة، وقطع الطريق على المتربصين والمتآمرين " كما ان اللقاءات التي عقدتها وتعقدها كوادر الحركة هنا وهناك لا تبشر نتائجها بخير على الإطلاق وكان أبرزها ما حدث في جنين وطولكرم مؤخرا كما ان العديد من أجنحة فتح تتحدث عن محاولات لإقصاء البعض الوازن والفاعل في الحركة عن هذه الانتخابات علما بان كل الأصوات في فتح تنادي رسميا بلم الشمل ووحدة الحركة أساسا لخوض الانتخابات والظفر بها, عباس زكي عضو اللجنة المركزية يقول في حديث لدنيا الوطن بعد ان أسهب في الحديث عن وطنيتها ومعاداتها لإسرائيل وديمقراطيتها " فتح تراقب عن كثب اذا كان الناس لا يريدون الانفتاح الدولي الحاصل فبإمكانهم انتخاب حماس وعند ذلك لا يوجد دول مانحة والمساعدات ستكون مشروطة لو فازت حماس " وهنا يبدو الاشتراط واضح لزكي قبل غيره وكأنه يحذر علنا ان فوز حماس يعني حصار مالي جديد على السلطة والشعب.
القوى اليسارية او الديمقراطية كما أحبت ان تسمي نفسها توافقت على خوض الانتخابات بقائمة موحدة وقالت في بيان مشترك لها " بعد حوار معمق وجاد ومسئول، اتفقت القوى الديمقراطية الخمس (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، حزب الشعب الفلسطيني، حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، الاتحاد الديمقراطي الفلسطيني/فدا) على خوض الانتخابات لمجالس الحكم المحلي في الضفة الفلسطينية، بما فيها القدس، وقطاع غزة بقائمة تحالف ديمقراطي موحدة تشكل الشخصيات الديمقراطية المستقلة، التي تتمتع بالكفاءة والنزاهة والوزن الاجتماعي، شريكاً رئيسياً في تشكيلها وصوغ برنامجها. وتتوجه القوى الخمس إلى جميع الحريصين على إعلاء راية التقدم والديمقراطية ومصالح الوطن والشعب، وبخاصة الكادحين من أبنائه، للتوحد والانخراط في هذا الجهد الذي سيشكل منصة انطلاق لبناء ائتلاف ديمقراطي عريض للدفاع عن الديمقراطية وعن حقوق وكرامة المواطن ولصون سلامة المشروع الوطني واستنهاض النضال من اجل الحقوق الوطنية المشروعة لشعبنا في الحرية والاستقلال والعودة " وعلينا ان نلاحظ معنى لجوء قوى مضى على تأسيس البعض منها قرن من الزمان تقريبا الى التحدث عن شخصيات ديمقراطية وازنة من خارجها دون حتى ان تتذكر ان مجرد وجود مثل هذه الشخصيات ان وجدت خارجها هو من باب غيابها وضعفها لا أكثر ولا اقل وقد نجد أنفسنا شئنا أم أبينا فجأة أمام أسماء قبلية وعشائرية لا علاقة لها لا بالديمقراطية ولا بهذه القوى اليسارية ولا ببرامجها وأهدافها ويتابع بيان الخمس من القوى اليسارية التي فضلت تسمية نفسها بالقوى الديمقراطية متنازلة عن يساريتها فيقول البيان " أن مسعاها هذا سوف يشكل قوة دفع هامة لتجاوز حالة الاستقطاب الثنائي التي تفسد الحياة السياسية الفلسطينية، ولفتح الطريق بالتالي نحو إنهاء الانقسام المدمر وإعادة بناء الوحدة الوطنية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية تعزيزاً لمكانتها كممثل شرعي وحيد لشعبنا الفلسطيني " حتى دون ان يفكروا بان أحدا سيسألهم أين هو دوركم في إنهاء الانقسام قبل اليوم وما هي الوحدة الوطنية التي تتحدثون عنها, كل هذا الى جانب خلو البيان من أي اهتمام بالقضايا الحيوية للمواطن ومن الفوضى العارمة والانفلات الذي تعيشه بلادنا في كل مدينة ومخيم وقرية بلا وازع ولا ضابط, ويبقى السؤال أين كانت هذه القوى منذ الانتخابات السابقة وهل يجوز لقوى فاعلة ووازنة بهذا الكم وهذا التاريخ ان تتذكر وحدتها وأحوالها والانقسام عند الانتخابات وفقط على ما يبدو لأهداف انتخابية لا تغني ولا تسمن من جوع.
قوى وفصائل أخرى صمتت هذه الأيام صمت القبور رغم أنها ممثلة في المجلس الوطني واللجنة التنفيذية ولها مخصصات ثابتة في الصندوق القومي ومكاتب وتمثيل وحصص إلا أنها لم تجد الأمر يدعو حتى للاهتمام لا من قريب ولا من.
هناك الكثير ممن يتحدثون عن وقف الانتخابات وعدم إجرائها وخصوصا في فتح خشية النتائج لكن أحدا لن يوقف هذه الانتخابات فقد كانت أحوال فتح قبل انتخابات التشريعي لا تختلف عن أوضاعها الآن ان لم تكن أسوأ ومع ذلك جرت انتخابات وكان ما كان لفتح ودورها.
الانتخابات ستجري ونحن نعيش الوضع على النحو التالي:
• صمت حمساوي قاتل وغريب لا احد يتوقع نهايته ولا الى اين سيصل.
• غياب حمساوي عن الانتخابات عمليا وحضور غير مفهوم عبر الموافقة والتأييد.
• انقسام فتحاوي وفجوات لا يبدو ان هناك أي أمل بردمها رغم كل المحاولات غير الجدية في داخل الأطر الحركية.
• محاولات متأخرة جدا للفصائل الخمس ومع ذلك يشوبها بعض التوترات فيما بين أجنحتها ليصل لرفض التحالف في بعض المناطق وعدم الانصياع للقرارات المركزية.
• توجه خطير لدى البعض لتشكيل قوائم عشائرية والحديث عن ذلك بات كبيرا خصوصا في مدينة الخليل التي تعتبر العشائرية فيها مصدرا مهما لأي خطوة ينوي أيا كان اتخاذها بل ان بعض العشائر تتحدث عن قائمة خاصة بها بدون مشاركة أيا كان وتأخذ هذه الخطوة الصبغة الجهوية في المدينة مع إدراك الجميع خطورة الجهوية قبل العشائرية على مستقبل المدينة وطنيا وسياسيا
• عبر كل هذا يجب علينا ان لا نغفل اليقظ الأخطر في المعادلة وهو الاحتلال الذي يمد يده بالتأكيد هنا وهناك وكيفما اتفق لتحقيق غاياته وأهدافه خصوصا وان هذه الانتخابات تأتي في ظل غموض كبير لمستقبل التركيبة السياسية للسلطة الفلسطينية.
احد من أي جهة كانت في المنظمة او خارجها, في السلطة او خارجها لم يتحدث عن توافق جماعي لحل أزمة هذه الانتخابات على طريق حل أزمة العمل البلدي برمته فنحن أمام حال كارثي تعيشه هذه البلديات جميعا وفيما عدا رام الله والبيرة فان التعطيل هو السمة العامة للعمل البلدي في سائر البلديات الفلسطينية وما دام الجميع يدرك في السلطة وخارجها وفي المنظمة وخارجها ان العمل البلدي خدماتي فقط فلماذا لا يجدوا وسيلة للتوافق الجماعي على تقديم خدمة أفضل وتحسين أوضاع العمل البلدي وردم حفرة جديدة من الانقسام في أوساط شعبنا فنحن اليوم أحوج ما نكون لوحدة كل الشعب قبل وحدة كل القوى والإصرار على اجرء الانتخابات بمثل هذه الأجواء لا يكرس الانقسام القائم فقط بل يهدد بخلق انقسامات اخطر وأعمق قد تجد طريقها أيضا الى أشكال أخرى من تدمير الذات كنهج لا زلنا نسير عليه بإمعان منذ الانتخابات التشريعية الأخيرة وما آلت إليه الأوضاع في بلادنا نتيجة ذلك.
ان تحرير فلسطين وإعلان الدولة ليس بالتأكيد من مهام المجالس البلدية الحالية او القادمة وبالتالي فان الصراع عليها من قبل القوى التي لا مهمة لها أصلا سوى تحرير الوطن وإعلان الدولة يعتبر واحدة من مهازل حالنا فلينشغل الجميع بالبحث عن أشخاص أكفاء ومخلصين وبدون مصالح خاصة ليذهبوا بهم لإدارة البلديات بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية والتنظيمية فابن فتح او حماس او الخمس سيسعى لخدمة بلده ان وجد من يحاسبه قبل ان يسعى لخدمة فصيله وفور انتهاء الانتخابات ستكون المهمة منحصرة بالنظافة والمياه والكهرباء وخلافه ولا اعتقد ان ذلك ممكن لفتحاوي مثلا ومستحيل على حمساوي او العكس وغير ذلك فإننا قد نجد أنفسنا أمام مجالس بلدية لا تنتمي لأيا من هؤلاء المتنازعين على الوطن بلا وطن وقد تكون الأجندات لا تمت لبلادنا بصلة فجحا عاد لينادي من جديد وقد كان دائما صادقا وهو يصرخ ان الاحتلال يدق أعناقنا لا أبوابنا فلا تهربوا منه لخلق ذئب خرافي غير موجود لتنتصروا على الوهم فسينتصر عليكم عدوكم الموجود فعلا على الأرض لا في أوهامكم فلا تنتصروا على بعضكم كي لا ينتصر المحتل عليكم جميعا "اللهم اشهد اللهم إني قد بلغت..."

بقلم
عدنان الصباح