لقاء بوتين – أردوغان في بطرسبرغ لم يحمل أية تحولات ذات مغزى او إستدارة استراتيجية تركية تجاه الموقف التركي من الأزمة السورية،فتركيا منغمسة في العدوان على سوريا من رأسها حتى اخمص قدميها،ومن كان يعتقد بأن تركيا ستذهب الى حد الشراكة مع روسيا في حربها على الإرهاب والجماعات الإرهابية فهو يعيش حالة مرضية او مغرق في احلامه واوهامه،فتركيا رغم الإنقلاب الفاشل وما نتج عنه من تداعيات بإعلان أردوغان حالة الطوارىء في البلاد خوف تعرضها لإنقلاب جديد وقيامه بحملة تطهير واسعة شملت هيكلة اهم القطاعات في الدولة،القضاء والتعليم والاعلام والجيش من اجل احكام سيطرته على البلاد،فهو يرى بان حالة عدم الإستقرار السياسية والأمنية وخذلان الدول الغربية لتركيا ورفض عضويتها في الاتحاد الأوروبي وتعاطي وتأييد امريكا للإنقلاب وإحتضانها لمعلم أردوغان السابق فتح الله غولن المتهم بقيادة الإنقلاب،وكذلك الإنعكاسات الكبرى لهذا الإنقلاب على الاقتصاد التركي،كلها من العوامل الهامة في القرار التركي بلقاء بوتين في بطرسبرغ،يضاف لها التخوف من قيام كيان كردي بدعم امريكي على طول الحدود السورية – العراقية وامتداد هذا الكيان الى عمق الاراضي التركية وما له من إنعكاسات سلبية على وحدة الأراضي التركية واستقرارها.
حتى لا نتطير في التحليل تركيا عضو في حلف الناتو والألوية في التحالف والقرار والموقف لحلف الناتو وهذا ما قاله وشدد عليه اوغلو وزير الخارجية التركي،ولكنه أضاف بانه لا مانع من التعاون خارج اطار الحلف في القضايا الدفاعية.ولذلك لا يمكننا ان نحمل اللقاء في بطرسبرغ الكثير من النتائج ذات البعد الإستراتيجي فيما يتصل بالموقف التركي من الأزمة السورية.
فرغم الحديث عن الحل السياسي للأزمة السورية والتنسيق العسكري والأمني وإقامة غرف العمليات المشتركة والمشاركة التركية في الغارات على "داعش" في الرقة السورية،فهذا لا يمكن البناء عليه فالورقة التي تقاتل بها تركيا في سوريا،هي ورقة جبهة النصرة وحركة الإخوان المسلمين،تلك الحركة التي تشكل العلاقة معها خط احمر لا يمكن لأردغان تجاوزه،فهو يراهن على ان تكون جزء او لربما من تتولى مقاليد الحكم في سوريا،بعد رحيل النظام السوري الحالي وفق تمنياته ورغباته.
وهناك خلاف جوهري بين الرؤيتين الروسية والتركية لأسس وقواعد الحل السياسي في سوريا،فتركيا تقول بان لا يمكن التقدم في الحل السياسي،مع بقاء الرئيس الأسد،وروسيا تعتبر ذلك شان داخلي سوريا ومرفوض الخوض والحديث فيه،والألوية يجب ان تكون للحرب على الإرهاب،ومن هنا نجد تماثل ما بين السعودية وتركيا في النظرة للحل السياسي،من خلال استمرار ترديد الإسطوانة المشروخة رحيل الأسد،وكذلك فإنه لا يمكن لتركيا ان تخسر مشروعها الإستثماري الذي صرفت عليه ملايين الدولارات،وهي الطامعة بالجغرافيا السورية،والراغبة بتشكيل نظام حكم سوري كدمية لها.
ورغم الإتفاق الروسي – التركي على وحدة الأراضي السورية،فهذا الموقف التركي لم يأت رغبة في الحفاظ على وحدة سوريا،فهي بعد ان ادركت بان مشروعها القائم على اقتطاع جزء من الجغرافيا السورية قد فشل وهزم،وبأن امريكا تخدعها فيما يخص العلاقة مع الأكراد،وبانها تدعم قيام كيان كردي مستقل،شعرت بان ذلك يشكل خطراً جدياً على امنها وإستقرارها ووحدة أراضيها،ولذلك ترى بان التحالف مع روسيا هنا مفيد لها ويتفق مع رؤيتها وموقفها،ولكن المهم ان لا يكون الحل السياسي ووحدة الأراضي السورية قائمة على أساس استمرار الأسد في الحكم.
كذلك فإن الإقتصاد التركي وما اصابه من تراجع في ظل الإنقلاب وتداعياته والعقوبات التي فرضتها موسكو على تركيا عقب اسقاط المقاتلات التركية لطائرة السوخوي الروسية في خريف العام الماضي،تجعل تركيا في حاجة كبيرة لروسيا من اجل تعافي اقتصادها،حيث القطاعات الزراعية والسياحية والمصرفية وحتى الخدماتية تأثرت بشكل كبير بسبب العقوبات الروسية،وترطيب العلاقات وإعادتها مع موسكو مهم لهذه القطاعات.
بوتين ما أراده من هذا اللقاء هو دفع تركيا لوراثة الدور الأمريكي في تحييد الجماعات الإرهابية وفك الشراكة ما بين المتطرف منها" النصرة" وما يسمى بالمعارضة المعتدلة،حيث أمريكا تتراجع دوماً عن التفاهمات في هذا الشأن تحت ضغط لوبي التطرف في القيادة الأمريكية وضغوط الحلفاء عرب ودوليين (السعودية وفرنسا وبريطانيا)،وهو بذلك يريد أن يبعث برسالة للأمريكان بانه قادر على إحداث خرق في حلف الناتو،وإقامة علاقة مع عضو متميز في الناتو،والرسالة هنا مزدوجة،تركيا ترسل رسالة غضب واحتجاج على الموقف الأمريكي من الإنقلاب،وموقف الإتحاد الأوروبي برفض عضوية تركيا في الإتحاد.
وكذلك بوتين يطمح لتطوير الموقف والتعاون التركي بشأن إستثمار علاقتها بالجماعات الإرهابية،من اجل خفض مستوى اعمالها الإرهابية أو دفعها للموافقة على المشروع الروسي للحل السياسي للأزمة السورية.
ولكن تبقى التحالفات الروسية – التركية في الإطار التكتيكي،وبما يتصل بالعلاقة في القضايا الإقتصادية والتجارية والتنسيق الأمني،فهناك خلافات ذات بعد جوهري في القضايا الإستراتيجية،خلاف في الأهداف والمنطلقات،تصل حد التعارض الكلي،حيث روسيا تعتبر الدولة السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد،منطقة نفوذ وحليف استراتيجي لها ولمصالحها في المنطقة،في حين تركيا تريد رحيل النظام لخدمة اجنداتها ومصالحها في المنطقة،وبالذات الإخوان المسلمين،وليبقى اللقاء في إطار تفعيل التعاون الإقتصادي وإلى حد ما الأمني،وإيصال الرسائل التهديد والإستغناء،والتعاون من اجل عدم حدوث المواجهة او الصدام،وإن إستدارت او إرتدت تركيا في مواقفها ورؤيتها بعض الشيء تجاه الموقف من سوريا،فهي لا تعدو كونها مؤقتة بحكم الأوضاع الداخلية التي تمر بها تركيا من عدم إستقرار سياسي وامني وفتور للعلاقات مع امريكا ودول الغرب الإستعماري .
بقلم :- راسم عبيدات
القدس المحتلة – فلسطين
13/6/2016
0524533879
Quds. [email protected]