نحن اليوم نتوقف امام انتصارت صنعتها المقاومة في لبنان وفلسطين ، ونقف امام خطاب مهم لسيد المقاومة السيد حسن نصرالله الامين العام لحزب الله في بنت جبيل ، حيث شكل نقطة تحول كبيرة ، نعم نحن امام ذكرى انتصار المقاومة الذي افشل مخططات العدو الصهيوني والادارة الامريكية وافشل الشرق الاوسط الجديد ، هذا الانتصار والصمود والتضحية كانت بأرادة المقاومين وبارادة الشعب اللبناني وجيشه الوطني، ولن ننسي حامي المقاومة دولة الرئيس نبيه بري الذي شكل باحتضانه ودعمه للمقاومة كافة الوسائل ، فكيف لا وهو يحمل المقاومة والقضية الفلسطينية في كافة البرلمانات العربية والدولية ويشكل بوصلة النضال من اجل حرية الارض والانسان ، كما كان انتصار وصمود الشعب الفلسطيني بتضحياته ومقاومته في قطاع غزة ، ورغم ذلك شعورنا بتعاظم الضغوط والمؤامرات الرامية الى تجريد الامة من سلاحها أي من حقها وقدرتها على مقاومة محتلي ارضها ومغتصبي حقوقها انطلاقا من ادراك اعداء امتنا بأن ظاهرة المقاومة آخذة في الاتساع والنمو، كما، ونوعا، وها هي تسطر بتضحياتها معركة على امتداد المنطقة ، وان هذه المقاومة كفيلة لا بتحرير الاراضي المحتلة فحسب، بل في احداث تغيير حاسم في ميزان العلاقات الدولية باسرها في حال انتصرت سوريا والمقاومة في معركة حلب، وباخراج العالم كله من هيمنة الآحادية القطبية الامريكية المتغطرسة، ومن نفوذ العنصرية التوسعية الصهيونية المتمادية، وكلاهما أي الهيمنة والعنصرية يشكلان وجهان لظاهرة الفاشية الجديدة التي تحاول التحكم بمنطقتنا والعالم.
لذلك فكان خطاب سماحة السيد حسن نصرالله يشكل الدعوة لكل ادوات التواصل والتكامل والتفاعل بين كل ساحات المقاومة وقواها ، فيزيل كل العقبات ويتجاوز كل العوائق وينزع كل الالغام المزروعة للفصل بين مقاومة هنا ومقاومة هناك.
ومن هنا نرى ان أي رهان على الخلل في ميزان القوى الظاهري لصالح قوى الاحتلال والهيمنة، سواء قامت به انظمة ودول، او شرائح وجماعات، هو رهان خائب وخاسر حتما، ليس بالمعيار الوطني والقومي والاسلامي، بل بالمعيار الواقعي ايضا، وخاصة ان خط المقاومة بين كافة اطرافها اصبح واضح وهذا يؤكد على صعود حركة المقاومة وتطويرها، والى تراجع وارتباك في صفوف الاعداء الذين لن تنفعهم كل محاولاتهم باثارة الفتن واشعال الحروب الاهلية، ومن يتابع بدقة ما يجري على الساحة الدولية والاقليمية يلاحظ بوضوح صحة ما نقول.
فنحن عندما نتحدث عن ذلك ندعو الى فتح أوسع حوار الاحزاب والقوى العربية ، لإعادة تحليل وتركيب كافة القضايا التي تواجه واقعنا العربي ، من أجل النهوض بكافة القوى اليسارية والتقدمية والقومية العربية حتى يتم فتح باب الحوار أيضاً بين مختلف التيارات والحركات الفاعلة على اختلاف مشاربها الفكرية والأيديولوجية .. الماركسية, والقومية, والإسلامية المتنورة ، إذ رغم الاختلاف على المستوى الإيديولوجي ،فنحن نميّز بين التيار الإسلامي المقاوم للمشروع الإمبريالي الصهيوني, وبين التيار الظلامي الاستئصالي التكفيري الذي يرفض الحوار ويعتبر نفسه البديل المطلق لكافة التيارات الأخرى الفاعلة في الواقع العربي.
ان مقاومة الاحتلال تستدعي من الجميع علاقة تفاعلية واضحة، كما ان الوحدة بين مختلف القوى والاحزاب العربية بكل مستوياتها وتمسكها بالمقاومة التي هي درع هذه الوحدة وحصنها الرئيسي، حيث اثبتت التجارب ان مقاومة الشعوب لمحتليها واعدائها تكون اجدى وافعل اذا ترافقت مع علاقات وبنى ديمقراطية صحيحة، كما اثبتت التجارب ايضا، خصوصا في فلسطين والمنطقة، ان لا ديمقراطية مع الاحتلال، اذ لا ديمقراطية بدون حرية ولا حرية في ظل التدخل الامبريالي الاستعماري ، وخاصة ان المعركة الجارية كشفت زيف ادعاء خطاب السلام المخادع، كما أظهرت، وبوضوح مرة أخرى، الأطماع الامبريالية والصهيونية في محاولة لحذف كل أبجديات المقاومة من قاموس المنطقة العربية، حيث فتحت المعركة الجارية بمواجهة الارهاب آفاقاً جديدة على المستقبل، ولكن لن تكون تلك نهاية الأمور، وخاصة ان المرحلة تستدعي مواجهة سيناريو آخر وحلقة جديدة من المخطط الصهيوني الأميركي، وعلى الرغم من كل المؤامرات التي تحيكها الإدارة الأميركية في ما اصطلح على تسميته بـ"الشرق الاوسط الجديد" القائم على الحروب الطائفية وتفتيت المنطقة، إلا أن الوعي القومي العربي أصبح الحصانة الأولى للتصدّي لهذه المشاريع الاستعمارية الجديدة التي تقودها الامبريالية الامريكية والقوى الاستعمارية وحليفهم الكيان الصهيوني ، لانه لم يعد خافياً على أحد مدى تورط بعض دول الخليج العربي بمشروع تقسيم المنطقة في اطار ما سمي مشروع الشرق الأوسط الجديد، كل ذلك دعماً للمشروع الصهيوني من خلال التطبيع حيث كشفوا عن حقيقتهم المتصهينة من خلال دعمهم قوى الارهاب التي تستهدف تمزيق المنطقة وتفتيت مشروع المقاومة كل ذلك خدمة لأسيادهم الصهاينة.
لقد شكلت المقاومة على امتداد المنطقة وفلسطين درع للأمة في وجه كيان الاحتلال الصهيوني كما شكلت حصناً بوجه المنظمات الإرهابية ، نجد من الضرورة أن نقف أمام أبرز الدروس والعبر التي جسدتها التجربة النضالية لكافة قوى المقاومة، وأهمية تمثّلها في هذه اللحظة السياسية التي نعيشها في ذكرى انتصار المقاومة على المشروع الصهيوني وحلفائه، وبدور الجماهير الشعبية العربية الحاسم في تحقيق هذا الانتصار، بحيث لم تفقد البوصلة التي تشير إلى فلسطين يوماً أو تلك التي تحدد وبوضوح معسكري أصدقاء وأعداء الشعب الفلسطيني وثورته في وجه الظلم التاريخي الذي لحق به، وبغض النظر عن التناقضات والاختلافات والتعارضات مهما كانت حدتها، موضوعية وصحية، فنحن نتطلع ان تكون مصدر أساسي للارتقاء والتقدم والتطور، طالما بقيت مضبوطة لأولوية تناقضها الأساسي مع عدوها الرئيسي، ولقواعد الحوار والحوار فقط، لتعطي مثلاً ونموذجاً غير مألوفاً في واقعنا العربي ومنه الفلسطيني.
ان الزمن الفلسطيني كان زمن جميل فكانت العمليات البطولية للثورة الفلسطينية ولا احد ينكر دور الفصائل الفلسطينية من حركة فتح الى جبهة النضال الشعبي الفلسطيني ، وعلى وجه الخصوص الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وجبهة التحرير الفلسطينية والجبهة الشعبية القيادة العامة الذين كانت عملياتهم من البر والبحر والجو فشكلوا مدرستهم الثورية وتجربتهم النضالية من مبادئ ومنطلقات ورؤى وقيم وأخلاق لا تزال ماثلة في عقول وقلوب وسلوك في طريق الكفاح والتمسك بالاهداف الوطنية والقومية والأممية، ولن ننسى العلاقة الكفاحية التي ربطت مع الاحزاب والقوى الوطنية اللبنانية الحزب الشيوعي اللبناني والحزب السوري القومي الاجتماعي وحركة امل وحزب الله ، في تعزيز دعم وصمود الشعب الفلسطيني ومقاومته .
بقلم / عباس الجمعة