رؤية السيسي حاجة فلسطينية مُلِحَة لابد من تلقفها !

بقلم: زهير الشاعر

في ظل الوضع الفلسطيني الداخلي المتوتر وتوقف عملية السلام وتصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي الأخيرة التي تحدث فيها عن خطة إسرائيلية لتجاوز الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي وصفه بالميت بالنسبة للمرحلة المستقبلة ، وفي ظل تلقي أولى الإشارات الإيجابية حول ضرورة إستعادة العلاقات بين مصر وتركيا، وذلك من الحكومة التركية، بعد محاولة الإنقلاب الأخيرة وفي ظل الإنقسام الفلسطيني والفتحاوي، والقلق من الصراع الذي قد ينتج بسبب أي طارئ يتعلق بغياب الرئيس الفلسطيني محمود عباس لأي سبب أو بسبب نتيجة الإنتخابات المحلية القادمة! ، تحدث الرئيس عبد الفتاح السيسي عن نقاط مهمة تهم الشأن الفلسطيني وذلك على هامش طرحه رؤيته لحل الأزمة السورية.
جاء هذا بالرغم من الحديث عن طلب الجانب الفلسطيني تأجيل أي مبادرات جديدة إلى ما بعد الإنتهاء من المؤتمر باريس الدولي الذي عبر الكثير من وزراء خارجية دول العالم عن تشاؤمهم حيال إمكانية تحقيق اي نتائج مرجوة منه تصب لصالح عملية السلام خاصة أن الجانب الإسرائيلي يعمل كل ما في وسعه لإفشاله!.
الرئيس السيسي تحدث عن دعوة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، كل من الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لمباحثات مباشرة في موسكو، دون أن يذكر ما إذا كان قد تم تحديد موعد لهذه المباحثات المرجوة من عدمه، وموقف الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي منها!.
كما أشار إلى وضع مصر المتميز في العلاقات مع طرفي الصراع حين قال أن علاقة مصر بالطرفين الفلسطيني والإسرائيلي تتيح لها أن تلعب دوراً محورياً لإيجاد حل لقضية السلام، وإيجاد ضوء في نهاية النفق لإقامة دولة فلسطينية مستقلة جنباً إلى جنب مع إسرائيل.
لكن لوحظ أن الرئيس السيسي ربط ذلك بنقاط مهمة للغاية وهي ضرورة إنهاء الخلاف الفلسطيني الفلسطيني من أجل تهيئة المناخ لتفاوض حقيقي، وذلك إبتداءاً من تحقيق المصالحة سواء داخل حركة فتح، أو بينها وبين حركة حماس، وكان في هذا رسالة قوية للقيادة الفلسطينية من جهة التي بات عليها أن تدرك بأن جمع الشمل الفلسطيني هو مسؤوليتها ولحركة حماس من جهة أخرى التي بات عليها أن تدرك أيضاً بأنها جزء من المجتمع وليس حالة منعزلة ومتمردة تستطيع أن تفعل ما تشاء وكيفما تشاء ووقتما تشاء!.
إن كشف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل أن يكشف عنها الجانب الروسي فيها رسالة قوية أيضاً، حيث أنها حملت دلالة على الثقة بالدور المصري من جهة وعلى محورية هذا الدور وأهميته في هذا الموضوع وبأنه ليس غائباً عنه بل أن مصر هي لاعب أساسي فيه!.
أما بالنسبة لربطه أي تقدم في عملية السلام بالمصالحة الفتحاوية من جهة والمصالحة بين حركتي فتح وحماس من جهة أخرى فهذا في تقديري يمثل إنعكاس لحالة القلق التي تساور القاهرة من إستمرار هذه الحالة المتشرذمة على الساحة الفلسطينية والتي أدت إلى ضعف الموقف الفلسطيني برمته من ناحية، ولربما يكون أيضاً خشية من أن يدخل الجانب الفلسطيني في صراع داخلي ستؤثر نتائجه على الجميع في المنطقة بدون إستثناء من ناحية أخرى!.
أيضاً من المهم أن نذكر أن هذه الدعوة جاءت بعد أن تطرق الرئيس الفلسطيني محمود عباس مؤخراً أثناء خطابه أمام المجلس الثوري لحركة فتح في جلسته الأخيرة وبقسوة ، حينما عبر عن رفضه المطلق لإعادة العلاقة مع عضو المجلس التشريعي عن حركة فتح محـمد دحلان قائلاً " دحلان طرد من فتح، وطرد من اللجنة المركزية، وانتهى أمره وأنا قلت لكل الناس إنه طرد، إنتهى!، لا وساطة ولا غيرها، دحلان لن يعود إلى فتح وهو مطرود (الكلام للرئيس عباس) "، في وصف دقيق للحالة المعقدة التي تمر بها المرحلة والصراع القائم حول النفوذ ولربما رغبة قوية بإبقاء الحال كما هو خدمة لأجندات من صالحها ترك هذا الملف عالقاً ومفتوحاً، وذلك من خلال إقفال الباب أمام أي مبادرة لإحتوائه وإيجاد حلول جذرية وتوافقية له!.
أيضاً لربما أن الموقف الذي عبر عنه الرئيس الفلسطيني محمود عباس يمثل رغبة استباقية لعرقلة أي جهود في هذا السياق، ولرفض أي ضغوط تصب في صالح حل هذا الملف الذي زال يربك الساحة الفلسطينية ويؤثر على حالتها برمتها من جهة، ومن جهة أخرى لربما يؤثر على نتيجة الإنتخابات بشكل سلبي وغير متوقع من جهة أخرى ويقلب الموزاين رأساً على عقب ومن ثم يدخل الجانب الفلسطيني في نفق صراع أخر ومن نوع أخر!.
كما جاءت هذه الدعوة أيضاً بعد أن صرح الرئيس محمود عباس تصريح غير مألوف وبلغة غير معهودة حينما قال بأن أي شخص يترشح خارج القوائم التي تعتمدها اللجنة المركزية "طخوه!" في إنعكاس يبدو بأنه لحالة القلق والتخبط التي تعيشها القيادة الفلسطينية!.
أيضاً لا يمكن إغفال ما جاء في خطابه ذاك حول علاقته مع حركة حماس حينما قال إنهم غير مسؤولين ولا يريدون المصالحة ولا أريد أن أقسو عليهم أكثر!، مما يعني صراحةً أنه المسؤول الأول عن ما تتعرض له غزة بالكامل نتيجة موقفه من حركة حماس التي لا تريد المصالحة التي يسعى إليها كما يقول، وأن الحل لفك الحصار عن قطاع غزة وتخفيف ألامه ابنائه يكمن في يده لوحده وهو صاحب القرار بذلك إن أراد!.
في تقديري أن الرئيس عبد الفتاح السيسي طرح رؤية مهمة للغاية لا تحمل سحراً لإيجاد حلول فورية، ولكنها تحمل سيناريو رؤية منطقية ومسؤولة لمواجهة التحديات لم تكن لتخرج إن لم يكن هناك إلتفاف حولها وضوء أخضر لها من القوى الدولية والإقليمية، إلى جانب شعور كبير بالمسوؤلية إتجاه حجم المخاطر التي تواجه كل الأطراف في هذه االمنطقة وتعصف بها، وإدراكاً منه لأهمية حل القضية الفلسطينية في مواجهة شبح هذه التحديات، على أن يبدأ ذلك بسحب فتيل التوتر الفلسطيني الذي بدأت تلوح إشاراته في الأفق خوفاً من أن يتمدد وينتشر ويأخذ الأمور لنقطة اللاعودة، كما حصل في مخيمات لبنان من صراعات دموية سابقاً، وما ترتب على ذلك من صراع مستمر حتى يومنا هذا!، وبالتأكيد لا يمكن إغفال خشية القاهرة من هذا السيناريو المظلم الذي سينعكس على أمنها القومي ولربما يخلق حالة هجرة جماعية قسرية من جديد تربك المنطقة برمتها!.
لذلك في تقديري خرجت هذه الرؤية المسؤولة لكي تجد من يتلقفها لا من يستبق الإعلان عن ضرورة ربطها بمبادرات أخرى للإلتفاف على أهمية ما جاء فيها وخاصة فيما يتعلق بأهمية ترتيب الوضع الداخلي ومتطلباته!.
في النهاية في تقديري أنه لا يسع أي فلسطيني من أبناء الشعب الفلسطيني الذين يعشقون مصر ، أرضاً وسماءاً وهواءاً ونيلاً ، إلا أن يشكر مصر رئيساً وحكومة وشعباً على إهتمامها وتقديمها هذه الرؤية، وعلى الجانب الفلسطيني قيادة ومسؤولين ، بكل طوائفهم وأحزابهم وفصائلهم أن يرتقوا لمستوى تحمل المسؤولية في التعاطي معها ومع متطلباتها بإيجابية مفرطة، والعمل على توفير الأجواء المناسبة لتنفيذها بشكل فوري بدون مماطلة ولا تسويف أو تعطيل!.
تنويه: إن ما تمخض عن إجتماع اللجنة المركزية لربما يخلق تخوفات لدى البعض لأنه يبدو وكأنه بمثابة رسالة إستباقية لقفل الباب أمام رؤية الرئيس السيسي أو لربما قتلها في مهدها وخاصة فيما يتعلق بالمصالحة الفتحاوية !.

م . زهير الشاعر
[email protected]