نأمل أن لايتعامل احد باستخفاف مع قضية اجراء الانتخابات البلدية الفلسطينية في موعدها .
فهذه الانتخابات، ان جرت في تشرين الأول، ستكون أول انتخابات في تاريخ الشعب الفلسطيني تجري مرتين متتاليتين في موعدها، ولذلك مدلول عظيم في تكريس تقاليد الممارسة الديمقراطية.
وهي ستكون أول انتخابات تجري في الضفة والقطاع بشكل موحد منذ عام 2006، ويمكن أن تفتح الطريق لاجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية وللمجلس الوطني، والتي طال انتظارها بعد أن مر على موعدها سنوات.
وهي تمثل اثباتا على امكانية الممارسة الديمقراطية رغم الانقسام، وكأسلوب فعال ومثالي لانهائه واستعادة وحدة النظام السياسي.
وستعطي هذه الانتخابات فرصة للشعب المغيب عن صنع القرارلاختيار قياداته المحلية، وتكريس مبدأ مساءلة المسؤولين أمام الشعب.
ومن شأن الانتخابات المحلية أن تكون فرصة لعزل ومحاصرة العناصر المتناقضة مع المشروع الوطني التحرري، ولتكرار مأثرة انتخابات عام 1976 في اسقاط المتعاونين مع أعداء شعبنا.
وستساهم الانتخابات في تعزيز وتمكين الشعب الفلسطيني بمجالس حيوية متجددة، أقدرعلى مواجهة مخططات الاستيطان وتحديات الاحتلال.
كما أنها تمثل وسيلة مباشرة لتأكيد استقلالية القرار الوطني الفلسطيني في وجه ضغوط الاحتلال وأي اطراف خارجية تريد ان تحرم شعبنا من حقه في ممارسة الديمقراطية ، ومن تميزه بالتعددية السياسية، لتغدو التعددية عنصر قوة وليس عنصر ضعف مرافق للانقسام .
ومع بالغ الاحترام لمحكمة العدل العليا وأعضاءها فان قراراها بوقف العملية الانتخابية حتى 2192016 ، بحجة النظر في اعتراضات مقدمة لم يكن مقنعا، لثلاثة اسباب :
أولا ان التذرع بأن الانتخابات لن تجري في القدس كسبب لالغاءها يتجاهل أن كل الانتخابات البلدية السابقة في أعوام 2006وحتى 2008 و2012 لم تجر في مدينة القدس وان كانت كما الانتخابات الحالية جرت في معظم القرى والبلدات المحيطة بها.
ثانيا: اننا قد اقترحنا مثل كثيرين، منذ أسابيع اجراء انتخابات بالتوافق لمدينة القدس العربية، وما زال ذلك ممكنا، كشكل من اشكال المقاومة الشعبية وبحيث يعاد تشكيل أمانة القدس لتكون هيئة فاعلة لحماية عروبتها.
وبدل وقف الانتخابات كان بامكان المحكمة اصدار قرار باجراء هذه الانتخابات في القدس العربية أيضا وبالصيغة القابلة عمليا للتطبيق.
وثالثا: ان مسالة صلاحية محاكم البداية واختلاف طبيعتها في غزة عن الضفة كانت حاضرة في ذهن وخطاب لجنة الانتخابات المركزية منذ البداية، ومعروفة للجميع ومشمولة ضمنا بميثاق الشرف الذي وقع من قبل كل الاطراف.
وان كانت بعض القرارات قد بالغت في شطب بعض القوائم، علما بأن جزءا منها شطب بقرار لجنة الانتخابات المركزية حسب القانون، فمن الممكن حصر مشكلة الانتخابات في تلك المواقع وايجاد حلول عادلة لها دون أن تؤدي مشكلة خمسة مواقع الى الغاء الانتخابات في 422 مدينة وقرية وبلدة بكاملها.
اننا نأمل من محكمة العدل العليا،ان تراعي كافة الاعتبارات الوطنية والديمقراطية،و أن تحترم جهد مئات الآلاف ممن شاركوا فيها حتى الآن، وأن تسمح في قراراها النهائي باستئناف العملية الانتخابية واجراء الانتخابات في موعدها. خاصة أن الحجتين المطروحتين كسبب لتعطيل الانتخابات هي قضايا سياسية خالصة، وليست مسائل قانونية.
ولنتذكر أن اجراء الانتخابات سيوجه ضربة قوية للانقسام ومن يروجون له، في حين أن الغاءها سيعمق الانقسام والشرذمة وسيؤدي بالتالي الى الحاق المزيد من الضعف بالشعب الفلسطيني.
ولا بد للجميع من تذكر أن العالم يراقب ويتابع كل صغيرة وكبيرة تجري في حياتنا. والغاء الانتخابات سيعطي صورة بالغة السلبية عنا لدى شعوب نحتاج الى دعمها واسنادها.
وأول الشامتين بنا سيكون اولئك الذين يضغطون لالغاء الانتخابات وفي مقدمتهم سلطات الاحتلال، حيث سينبرون للادعاء بأن الفلسطينيين ليسوا ديمقراطيين ولا يستطيعوا ممارسة الديمقراطية ، وأن الديمقراطية في منطقتنا حكر على اسرائيل.
يعاني النظام السياسي الفلسطيني من عوارض أزمة خطيرة من مظاهرها استمرار حالة الانقسام وعدم اجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية وعدم اجراء انتخابات المجلس الوطني، والحاجة الملحة لتطوير منظمة التحرير الفلسطينية.
وتأجيل أو الغاء الانتخابات، سيزيد من عمق الأزمة ، بينما سيكون اجراؤها في موعدها مدخلا لمعالجة مظاهر هذه الأزمة المستعصية الواحد تلو الاخر.
بقلم/ د. مصطفى البرغوثي