انطلاقة جبهة المقاومة وغياب رمزها كمال البقاعي

بقلم: عباس الجمعة

نقف امام صـورة تجتاحــها جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية فــي وهــج التحــدي، تـرتقـي فيــها البطولات إئتـلافـاً، فكيف لا وهي صاحبة الطلقة الاولى بعد انسحاب قوات الثورة الفلسطينية المعاصرة من بيروت عام 1982، فكان القرار، وكان القائد الشهيد كمال البقاعي بطـلاً ضــج بالرفـاق ارتشـافـاً، أغـرق الكـون بحزبا مكافح ومناضل وبجبهـــة قدمت التضحيات من رفاقها وقادتها لا تغيب، هكذا كان كمال البقاعي يؤسس مع رفيق دربه الشهيد القائد جورج حاوي ورفاقه في جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ، يحفر بعيداً في الأعماق بإصرار ودأب ، كان يؤسس لنموذج آخر يأتي مع الزمن البطيء ، كان يسقي الفولاذ برفاقه واصدقائه الصدق والانتماء والوفاء والتضحية والشجاعة الخاصة، كان الرحيل كبيراً في ذكرى انطلاقة جبهة المقاومة الوطنيه اللبنانية وكانت الأسطورة أكبر .

محطة مهمة في التاريخ النضالي التحرري ، ذكرى انطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية التي انطلقت في السادس عشر من ايلول بعد صمود اسطوري للثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية وافواج المقاومة الوطنية امل لمدة ثلاثة اشهر بمواجهة الغزو الصهيوني للبنان صيف عام 1982 ، وخروج قوات الثورة الفلسطينية ، كان النداء الاول من قبل القادة جورج حاوي ومحسن ابراهيم وانعام رعد وحزب العمل الاشتراكي العربي لاطلاق شرارة جبهة المقاومة ردا على غزو بيروت العربية ، ولاستعادة روح القضية ، لتشكل مجزرة العصر صبرا وشاتيلا الرد السريع من قبل جبهة المقاومة الوطنية ، فكان 20 أيلول 1982، حكاية مقاومة، حكاية مجد و بطولة، وحكاية شعبٍ يأبى الاحتلال وعملائه الخونة والذل والإهانة، وإذا كان هذا التاريخ محطةً لانطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، فإن الحكاية تبدأ قبل هذا التاريخ حيث عمد التلاحم بالدم اللبناني والفلسطيني بالكثير من المعارك من ثورة 36 مرورا بنكبة 1948 ،وصولا الى انطلاقة الثورة الفلسطينية وتواجدها في لبنان وتعزيز العلاقة مع الحركة الوطنية اللبنانية ، فهذه العلاقة تبدأ من فلسطين، فلسطين التي تخلّى عنها بعض العرب، وباعها من خلال علاقاته التجارية والسياحية والتطبيعية ، ولكن الشعوب ظلت بإيمانها وإرادتها بابقاء فلسطين حتى لا تنطفئ جذوتها، فعشقت ارضها واكدت التزامها بالقضية، ونحن على يقين بأن افكار القادة العمالقة الذين استشهدوا تركوا بصماتهم التي تفتخر بها الاجيال رغم ما تعيشه اليوم المنطقة من هجمة امبريالية وصهيونية واستعمارية ورجعية وارهابية تكفيرية ، الا انهم لم يغيروا بوصلة الشعوب باتجاه فلسطين .

نعم نقول ذلك ونحن نعلم ان الشعوب العربية هم أسطورة العشق الأزلي لأبناء فلسطين الذين يتعربشون أسوار المجد كفراشات ملونة ، يشرعون صدرهم للرصاص ، يختلطون بالتراب ، ليس لأنهم يكرهون الفرح ونبض الحياة ، بل لأنهم يدركون محاكمة الأم الرحيمة والحنونة القاسية التي لا تسمح بإهانة تراثها المقاوم ، ولا ترخى ظفائر ليلها أو شلالات شعاعها على ظلم أو رضوخ، ونحن نؤكد ذلك في غياب مناضل ومقاوم عشق المقاومة ولبنان وفلسطين ،إنساناً ثورياً فريداً ، شيوعيا ، استطاع أن يتخطى الحدود بموته الكبير دون إذن فهو رفيق فرج الله الحلو وجورج حاوي ومهدي عامل ولولا عبود وجمال ساطي و خالد احمد هـندوس و انعام

سليم حمزة و الشهيدة يسار مروة، فكان لا بد من التضحية والفداء ليس كرهاً بالحياة بل تعبيراً عن حبهم لهذه الحياة اضافة الى قوافل الشهداء من لبنانيين وفلسطينيين الذين انخرطوا في صفوف جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية التي جاءت نتيجة النضال المشترك للقوى الوطنية اللبنانية والثورة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال والعدوان الصهيوني على لبنان ، وشكلت انطلاقتها الرد الحاسم على الاجتياح الصهيوني للبنان ، وبعد الصمود الاسطوري للمقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية والجيش العربي السوري، أثمر اعترافاً إسرائيلياً باستحالة احتلال بيروت ، وبعد التوافق الدولي على انسحاب قوات الثورة الفلسطينية من بيروت العربية ، خرجت بموجبه قيادة المقاومة من العاصمة اللبنانية مرفوعة الرأس، بعد مقاومة وصمود دام 88 يوماً تمثل أطول حرب في تاريخ الحروب الفلسطينية والعربية ـ الإسرائيلية، لم يكن يتوقعها أي من المراقبين السياسيين والعسكريين، وشكلت كوفية الرئيس الرمز ياسر عرفات نموذجا يحتذى به الى جانب رفاق دربه القادة حكيم الثورة جورج حبش وابو العباس وطلعت يعقوب ونايف حواتمة وسمير غوشه وكل القادة الذين كان لهم دور في معركة العزة والكرامة الى جانب قادة الحركة الوطنية اللبنانية ، ومن هنا اخذت جبهة المقاومة مكانتها العالية والمميزة في مواجهة العدو الصهيوني،وبدأت مسيرةَ التحرير.

بكل تأكيد اليوم يحتفل كل الوطنيين والثوريين بانطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، باعتبارها العين التي قاومت المخرز، وقدمت نهرُ من الدماء الذكية في ساحات المواجهة والتصدي مع الاحتلال الصهيوني ، حيث صنعوا ابطالها وشهدائها وأسراها ومعتقليها نموذجا ، حيث شكلت مع المقاومة الاسلامية وافواج المقاومة اللبنانية امل العلامة الفارقة والشعلة المضيئة في عتمة الليل العربي، وأسقط المناضلون الشرفاء من لبنانيين وفلسطينيين أهداف الاجتياح، وكان تحرير بيروت والجبل وصيدا وسائر أنحاء الجنوب والبقاع الغربي، وزلزلت الأرضَ تحت أقدام الغزاة وكان التحرير عام 2000 علامة نموذجية في التاريخ العربي ، ونصر تموز عام 2006 الذي افشل مشروع في ولادة مشروع شرق أوسط أميركي جديد.

ولا بد من القول ان قدر المناضلين ان تبقى شعلة الكفاح والنضال ، وابطال جبهة المقاومة الوطنيه صاغوا الانتصارات ، وجمعتهم نعمة الشهادة والاستشهاد بمواجهة العدو ، فكانت شراكة الدم في ميزة استشهاد القادة رمز جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية القائد جورج حاوي الى سيد المقاومة عباس الموسوي الى سندياتها القائد محمد سعد الى نورها سناء محيدلي الى عمادها قائد الانتصارين عماد مغنية رمز المقاومة في الجولان سمير القنطار الى من بذل واعطى راية جبهة المقاومة حقها الشهيد القائد كمال البقاعي وصولا الى كل مناضليها ومجاهديها الذين رووا تراب لبنان باستشهادهم حيث جسدوا مسيرة واحدة النضال والتحرير ، لتشكل هذه الظاهرة النوعية في تاريخ الشعوب العربية تجسيداً حياً للمعاني الكفاحية في النضال من اجل تحرير الارض من الاحتلال الاسرائيلي، وواجباً وطنياً وثورياً التزمه المناضلون الذين شقوا طريقً الكفاح وبنوا صرحاً من البطولات اثمرت اول انتصار عربي على العدو الاسرائيلي، ورسموا فيه اسلوباً جديداً في النضال وما زالت العيون شاخصة باتجاه تحرير فلسطين والاراضي العربية المحتلة .

إن جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية قد سجلت صفحات من المجد، والتضحيات، وابقت قضية فلسطين القضية المركزية للأمة العربية وهي تتطلع لنضال جميع الشعوب المضطهدة

والمظلومة في العالم في مقاومة قوى الشر والطغيان في العالم، وعلى رأسها الإمبريالية العالمية وفي مقدمتها الإمبريالية الأمريكية.

إن ثبات جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية التي استخلصت الدروس من اجل تعميمها على الأجيال الجديدة حتى لا تفقد البوصلة وتذهب بالاتجاهات المعادية لحركة التاريخ وحركة الشعوب المتطلعة إلى العدالة والحرية والديمقراطية.

لقد مضى على الشعب الفلسطيني والامة العربية حوالي مئة عام منذ وعد بلفور حتى يومنا هذا، اكثر من مئة عام من النضال والتضحيات منذ الغزوة الصهيونية الإمبريالية عانى خلالها الشعبين الفلسطيني واللبناني والشعوب العربية من المجازر والقهر، والطرد، والتشريد ، اكثر من مئة عام والإمبريالية العالمية تعمل على تعزيز مواقعها ونفوذها في المنطقة عبر أداة صنعتها وطورت قدراتها العسكرية والاقتصادية وحمتها في المحافل الدولية، وشرعت وجودها بكيان عنصري استيطاني إجلائي فاشي (إنه الكيان الصهيوني) الذي لولا دعم الإمبريالية العالمية وفي مقدمتها الولايات المتحدة لما استمر هذا الكيان شوكة وبؤرة إجرام وفساد وعنصرية في المنطقة العربية.

ومن هنا نرى في ذكرى انطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ضرورة استخلاص الدروس والعبر من اجل تعزيز وتطوير المقاومة بكافة اشكالها على الارض الفلسطينية وفي الجولان العربي السوري المحتل، هذه المقاومة التي أجازتها كل الشرائع والقوانين والأعراف للشعوب من أجل تحرير الأرض المحتلة من رجس الإحتلال، من اجل خلق موازين القوى على الارض، اخذين بعين الاعتبار تجارب الشعوب التي تحررت، وحركات التحرر التي أنجزت أهداف شعبها في الحرية والاستقلال، لأن تلك الشعوب وحركاتها الثورية، فاوضت وهي تقاتل فاوضت عندما وصلت إلى حد فرض شروطها على العدو بالقوة، فاوضت عندما امتلكت قواتها زمام المبادرة وجعلت العدو يدفع خسائر كبيرة، فاوضت على كيفية رحيل الاحتلال .

ختاما : ان الشعب الفلسطيني الذي قاوم الاحتلال وما زال يؤكد تصميمه على خياره في النضال وهو يتطلع الى أن ارادة الشعوب أقوى من الاحتلال وهو يعيد اليوم القضية الفلسطينية الى صدارة الأحداث بعدما تجاهل العالم لمدة طويلة الظلم التاريخي الذي يحيق بالشعب الفلسطيني، وبحقه في الحياة وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني.

ألف تحية لجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، والف تحية للشعب الفلسطيني ومقاومته وللأسرى في سجون العدو الصهيوني.

التحية كل التحية لكل حركات التحرر في العالم.

بقلم / عباس الجمعة

كاتب سياسي