حركة المقاطعة… والاستنفار في إسرائيل

بقلم: عماد شقور

حركة مقاطعة اسرائيل، وسحب الاستثمارات منها، وفرض عقوبات عليها، المعروفة عالميا بـ " بي دي اس"، تضيف اسرائيل إلى مهماتها "العمل على نزع شرعية وجود اسرائيل"، بل ونحتت الجهات الاسرائيلية ذات العلاقة، تعبيرا جديدا تختصر اسم هذه المهمة، هو "ديلغ". ورغم ان نشاطات هذه الحركة تحظى باهتمام كبير في الدوائر الحاكمة في اسرائيل، إلا ان تغطية الصحافة الاسرائيلية لذلك غير وافية، فيما يخص البرامج والخطوات التي تعتمدها الحكومة الاسرائيلية، ردا على نشاطات الحركة على الساحة الدولية. وخاصة بعد نجاحات كبيرة تسجل لهذه الحركة، على صعيد الجامعات ومراكز الابحاث العلمية، كما على صعيد استثمارات شركات دولية وبنوك كبرى، وصناديق استثمارات ذات وزن، وكنائس مؤثرة في اوروبا وفي أمريكا، اضافة إلى دول في أمريكا اللاتينية وفي جنوب افريقيا وغيرهما، وتنظيم ندوات لزيادة فاعليتها وانتشارها. والاهم من ذلك: بدء خلق رأي عام عالمي، ينزع عن اسرائيل رداء الضحية، ويلبسها رداء الجلاد، ينفر منها، ويدين احتلالها، وسياساتها العنصرية ضد الاقلية الفلسطينية العربية في اسرائيل، واستعمارها لاراضي الدولة الفلسطينية، ومجمل ممارساتها التي تتناقض مع ما اقرته الشرعية الدولية، ورفضها التقدم باتجاه حل عادل لقضية اللاجئين.
هذه النجاحات لـ"حركة المقاطعة"، وجدت صداها في تقرير "مراقب الدولة" الذي نشره في ايار/مايو الماضي، واشار فيه إلى اخفاقات الإعلام الاسرائيلي في مواجهة حركة المقاطعة. ويوم 23 تموز/يوليو قال نتنياهو اثناء نقاش في لجنة المراقبة في الكنيست: "اسرائيل هَزمت حركة المقاطعة، اننا نعالج موضوع الحركة، ولذلك فان داعمي المقاطعة في حالة دفاع، انهم يتلقون ضربات في العديد من الساحات، لقد هزمناهم" (!!). وفي حينه سخرت، بحق، مقالات عديدة لكتّاب اسرائيليين من نتننياهو وادعاءاته.
دافعي للكتابة حول موضوع نشاطات حركة المقاطعة، والسياسة الاسرائيلية للتعامل معها، هو مقال نشر في جريدة معاريف الاسرائيلية قبل اسبوعين، (يوم 2.9.2016)، لفت انتباهي لثلاثة اسباب:
ـ ان كاتبه هو يوسي ميلمان، هو المعلق العسكري للصحيفة الاسرائيلية، وليس المعلق السياسي او الاقتصادي اوالمتخصص بالشؤون الفلسطينية او العربية او الدولية مثلا.
ـ الكمّ الهائل من المعلومات في المقال.
ـ والاخطر: التحذير المبطن من عمليات إرهابية اسرائيلية ضد ناشطي حركة المقاطعة.
الى التفاصيل:
يقول ميلمان: "في المساحة الرمادية، بين المسموح والممنوع في دولة ديمقراطية، تحاول اسرائيل رسم سياسة في صراعها ضد حركة المقاطعة، من خلال وزارة الشؤون الاستراتيجية". ويضيف: "في ضوء تجارب الماضي، فان هناك خشية في وزارة العدل، ومن الافضل ان لا تنجر اسرائيل إلى عمليات مغامرة".
هذه التعابير تعني، في "لغة الصحافة الاسرائيلية"، ان في موقع اتخاذ القرار في اسرائيل، من يفكر جديا، بل وربما يخطط ايضا، لعمليات إرهابية تستهدف الناشطين في مجال يزعج اسرائيل، وهم في حالتنا هذه نشيطو حركة المقاطعة.
لتأكيد خطورة ما يحذّر منه المعلق العسكري ميلمان، يورد كمّاً كبيرا من المعلومات، لعل اهمها:
ـ المدير العام السابق لـ "وزارة الشؤون الاستراتيجية"، (كان اسمها يوم انشأها ايهود اولمرت، عام 2006، "وزارة التهديدات الاستراتيجية")، رام بن براك، والذي كان، قبل تسلمه هذا المنصب، نائب رئيس الموساد، قال عن حركة المقاطعة، انها "إرهاب من نوع آخر". مع كل ما يعنيه ذلك من اساليب، لمواجهة الإرهاب.
ـ كذلك، فان من تتولى حاليا هذا المنصب خلفا لبراك، وهي سيما فاكنين/غيل، مسؤولة الرقابة العسكرية على الصحافة الاسرائيلية سابقا، تبنت قناعات براك، وزادت عليها مؤخرا: اننا نسعى إلى اقامة "وحدة محاربة" في الوزارة.
ـ في جلسة للجنة الشفافية في الكنيست (البرلمان) الاسرائيلي، في مطلع الشهر الماضي، قالت فاكنين/غيل، ردا على رئيسة اللجنة، ستاف شبير، "نريد ان تكون اكثرية نشاطات الوزارة سرية. هناك حساسيات كثيرة، لدرجة انني لا استطيع ان اشرح في اطار علني سبب وجود حساسيات…جزء كبير مما نعمله مخفي". وقالت انها مستعدة للتحدث عن ذلك الجزء المخفي في "جلسة مغلقة للجنة الشؤون الخارجية والامن في الكنيست"، وهي الاهم بين اللجان في البرلمان الاسرائيلي.
ـ بعد تولي غلعاد اردان، اليميني المتطرف، وزارة الشؤون الاستراتيجية، اضافة إلى توليه وزارة الامن الداخلي، (وهو المسؤول المباشر عن عدم تسليم عدد من جثامين شهداء فلسطين إلى ذويهم)، يلاحظ المعلق العسكري لجريدة معاريف، يوسي ميلمان، ان "لغة العسكر وتعابيرهم واسلوبهم في الكلام" اصبحت طاغية في الوزارة. وبعد ان كان كادر الموظفين العاملين في الوزارة سبعة افراد فقط، اصبحت الآن موازنة الوزارة التشغيلية 128 مليون شيكل، (نحو 35 مليون دولار)، اضافة إلى 44 مليون شيكل رواتب ومكاتب وما إلى ذلك.
ـ لا تقتصر نشاطات اسرائيل في مواجهة حركة المقاطعة على الاساليب المعروفة من التهديد، بل والتنفيذ احيانا لعمليات إرهاب واغتيالات كما شهدنا في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، بل هي اضافة لذلك تشمل عمليات تخريب لشبكات التواصل الالكتروني الخاص بالحركة، ومحاولات تلطيخ سمعة ناشطي الحركة، والتحرش بهم، والتجسس على حياتهم الخاصة، وتهديد عائلات نشطاء الحركة كما حصل مع عائلة المحامية الفلسطينية السويدية ندى كسوانسون، الناشطة في منظمة حقوق الانسان الفلسطينية "الحق"، وضابطة الارتباط مع محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، بعد اسبوعين من تقديمها هي وزميل فلسطيني آخر لها،(الذي وردته هو ايضا مكالمة هاتفية مهددة )، تقريرا حول "يوم الجمعة الاسود" في رفح، اليوم الاخير لحرب اسرائيل على قطاع غزة، في "غزوة الجرف الصامد" عام 2014، وطلب فتح تحقيق حول عمليات عسكرية همجية اسرائيلية، راح ضحيتها مئة مدني فلسطيني، حسب بيان فلسطيني، و41 مدنيا فلسطينيا، حسب بيان اسرائيلي.
هذه التطورات في هذا الملف الساخن، تستدعي يقظة من ذوي العلاقة، وتستدعي اكثر من ذلك تحركا للديبلوماسية الفلسطينية، لتنبيه الدول الغربية اساسا، واجهزة الامن فيها خاصة، لتأمين الحماية لابناء شعبنا المناضلين في اطار حركة المقاطعة، وحماية المناصرين لحقوق شعبنا المشروعة، من مواطني تلك الدول والشعوب.

 عماد شقور

٭ كاتب فلسطيني