مرت خمس سنوات على الحرب العدوانية التي شنت وتشن على سوريا كونها الحلقة المركزية في حلف ومحور الممانعة والمقاومة،فكسر سوريا وتحطيم جيشها وإسقاط قيادتها وبالذات رئيسها الأسد وتقسيم وتفكيك جغرافيتها،يعني عزل وتفكك حلف المقاومة من موسكو الى الضاحية الجنوبية وحتى عدن،والبعض بناءا على نصائح قدمت له من عواصم النفط والدولار إستدار في مواقفه (180) درجة وحزم امتعته ورحل عن سوريا التي احتضنته كما تحتضن الأم طفلها الوليد،رحل غير مأسوف على رحيله،حيث نصحته عواصم النفط والبترودولار بالرحيل،لكي يحفظ مصالحه ومواقعه،فالنظام السوري أيامه معدودة ..؟؟،خمس سنوات وسوريا تقارع وتتصدى وتحبط،بل وتقبر المشاريع الأمري- صهيونية والإستعمارية الغربية ومعها مروحة واسعة من حلفائها الإقليميين والعرب ،وعلى وجه التحديد العثمانية الجديدة ومشيخات النفط والكاز العربية،مشاريع تنفذها مجاميع إرهابية وتكفيرية وهابية من "القاعدة" ومتفرعاتها من "داعش" و"النصرة" و"احرار الشام" و"نور الدين زنكي" وغيرها المئات من التشكيلات والألوية والكتائب الإرهابية،التي تم ضخها الى سوريا بمئات الألآف من الإرهابيين مزودة باحدث الأسلحة وحنفيات المال،مع دعم وتغطية واسعة اعلامية ومخابراتية ولوجستية وغرف عمليات لإدارة المعارك في تركيا والأردن واسرائيل،لكي تمارس كل أشكال القتل والذبح والتخريب والتدمير والنهب والطرد والتهجير والتفكيك والتفتيت.
خمس سنوات والرئيس الأسد ثابت على قناعاته ووفيّ لمبادئه وشعبه،رافضاً أي رحيل او بعد عن جيشه وشعبه،اللذان التفا حوله،دفاعاً عن سوريا العروبة،سوريا الهوية والموقف،مؤمناً بان سوريا قادرة على هزيمة أعدائها بالإرادة والتضحية والثبات،وبمعاونة ومساعدة الحلفاء والأصدقاء،الذين كان لهم دوراً بارزا في دعم سوريا وانتصارها من موسكو مروراً بطهران وانتهاءا بالضاحية الجنوبية.
خمس سنوات سعت خلالها دول الجوار والأعداء المنخرطة في العدوان على سوريا الى توزيع سوريا كحصص وإرث لها،الخليفة السلجوقي في الشمال السوري والعدو الإسرائيلي في الجنوب،عملوا على تقديم كل أشكال الدعم للجماعات الإرهابية والتكفيرية،من اجل إقامة مناطق عازلة داخل الأراضي السورية تؤمن لهم الأمن والإستقرار وتحفظ لهم مصالحهم،وتمنع توحد سوريا،وتبقي سيادتها منقوصة،مارسوا كل أشكال العربدة والزعرنة في الأراضي والأجواء السورية،مستغلين إنشغال الجيش السوري في التصدي ل ومحاربة الجماعات الإرهابية على اكثر من جبهة على طول وعرض الجغرافيا السورية،وكانت احلامهم وطموحاتهم واطماعهم تتكسر وتسقط امام عظمة الصمود السوري الأسطوري،صمود وبطولات سجلها الجيش السوري ضد مروحة العدوان الكوني الواسعة التي تشن عليه من اكثر من (60) دولة،صمود لا يوازيه سوى صمود وبطولات الجيش الروسي في (ستالينغراد).
لم تفلح كل وسائل الترهيب والترغيب في جعل الأسد يساوم على وحدة سوريا او هويتها او قرارها وموقفها،أو اعطاء موطء قدم لهذه الجهة او تلك،لكي تكون خاصرة رخوة في الجسد السوري أو مقراً لممارسة كل أشكال الإرهاب والتآمر والتدخل في الشان السوري،وبلا قاطعة للقريب قبل البعيد،قال :- لا مساومة على سيادة سوريا،وبالفعل بعد خمس سنوات تحقق ما قاله الأسد،امريكا ومروحة حلفائها من تل ابيب والرياض والدوحة وانقرة وباريس ولندن سلموا بهزيمة مشاريعهم في سوريا،حيث كانت المفاوضات الروسية – الأمريكية المتواصلة،والتي توصلت أكثر من مرة الى هدن مؤقتة بشأن الأوضاع في حلب وغيرها من المدن السورية،والمشتملة على وقف الأعمال العدائية وفك التشابك الميداني ما بين الجماعات الإرهابية "داعش" و"النصرة" وما تسميه واشنطن ب "المعارضة" المعتدلة،تصطدم بالتهرب الأمريكي وحلفائها من الإلتزام والتطبيق،ويجري استغلال تلك الهدن من اجل دعم الجماعات الإرهابية،وإدخال المزيد من السلاح والرجال لصالحها.
جاءت معركة حلب،لكي تحسم الوجهة حيث حقق الجيش السوري انتصارات واسعة،وأصبح كل المشروع المعادي في خطر،فالجيش السوري،سحق النواة الصلبة للجماعات الإرهابية جبهة "النصرة"،ولذلك وجدت امريكا نفسها امام خيارات صعبة إما ان توافق على حل يحفظ لها ماء الوجه،وإما نهاية المشروع المعادي في الشام،فكان الإتفاق الروسي – الأمريكي بوقف الأعمال العدائية والهدنة لمدة سبعة أيام،يجري تمديدها إستناداً للوقائع الميدانية،التي قالت بأن الجماعات الإرهابية خرقتها بشكل كبير واسع في اكثر من مدينة سورية،ولكن النظام السوري تمسك بهذه الهدنة،هو وحلفاءه الروس والإيرانيين وحزب الله.
ومن داريا المحررة التي زارها الأسد قائداً لسيارته الشخصية من اجل الصلاة فيها،مرسلاً من هناك رسالة طمأنه لشعبه،بأنه أينما حلت الجماعات الإرهابية حل الخراب،وبانه سيعيد بناء ما دمرته تلك الجماعات الإرهابية وقوى العدوان،وبان السكان الذين هجروا قسراً منها،يجب عليهم العودة إليها،وبانه لا تغيير في الواقع الديمغرافي للمدينة،فالوطن فوق المذهبية والطائفية،والأسد لم يكتف بهذه الرسائل،بل أراد ان يوجه رسائل اخرى لكل العابثين والطامعين في الجغرافيا السورية جنوبا وشمالاً،وليقول لهم بان وقت الزعرنة والبلطجة قد ولى،فإسرائيل تدرك بأن وقف الأعمال العدائية في سوريا،سيجعل الجيش السوري يتفرغ لها، الجيش الذي تريد له الإستنزاف والضعف،ولذلك سارعت لتقديم الدعم العسكري والطبي واللوجستي والمخابراتي لجماعات "النصرة" و"احرار الشام" في معركتها التي أسمتها "قادسية " الجنوب،لكي تؤمن لها منطقة عازلة على طول شريط الجولان المحتل، كما هو حال المنطقة العازلة التي أقامتها في الجنوب اللبناني بقيادة المغدور انطون لحد،والتي قبرها حزب الله وقوى المقاومة اللبنانية بتحرير الجنوب اللبناني المحتل في ايار /2000،ففي الثالث عشر من هذا الشهر حاولت طائرات العدوان الصهيوني تقديم الدعم الجوي لتلك الجماعات الإرهابية بالعدوان على مرابض المدفعية السورية،متيقنة بان الدفاعات الجوية التي تضررت كثيراً بفعل العدوان كالعادة لن تتصدى لها،وليكن الرد المفاجىء والتحول النوعي بالتصدي واسقاط طائرتين معادتين واحدة حربية واخرى بدون طيار جنوب غرب "القنيطرة" وغرب بلدة "سعسع"،هذا الرد وجه رسالة صاعقة للقيادتين العسكرية والسياسية الإسرائيلية وأربكهما،وقال لهما بشكل واضح زمن العربدة والبلطجة قد ولى،وسوريا سترسم وتحمي حدودها وتحرر المحتل منها (الجولان) بالدم والنار،ولن تسمح بتقسيم جغرافيتها،وهي ليست بالرجل المريض،وكذلك هذه الرسالة وصلت الى الحالمين والطامحين ببعث واحياء خلافتهم الجديدة على حساب الدم والجغرافيا السورية والعربية في أنقرة،فما يخططون له من إقامة منطقة عازلة في الشمال السوري،تحت ذريعة حماية أمن واستقرار تركيا،من خطر إقامة كيان كردي على طول الحدود السورية –العراقية وفي العمق التركي،يجب أن لا يستغل من اجل العدوان على سوريا وإحتلال أراضيها،حيث اعتبرت سوريا ما تقوم به تركيا من اعمال عسكرية هناك،بمثابة عدوان على الأرض السورية،يستوجب الرد عليه،وأي مقاتلة او قوة عسكرية تجتاز الحدود السورية،سيتم التصدي لها والتعامل معها على انها قوة معادية،وأي ادخال للمساعدات إنسانية وإغاثية للجماعات الإرهابية والسكان المحاصرين هناك بفعل تلك الجماعات في شرق حلب،يجب ان يتم بالتنسيق فقط مع الدولة السورية،ولعل وزير الدفاع الروسي بلقاءه لنظيرة التركي في انقرة قد اوصله هذه الرسالة.
و أنهي مقالتي بما كتبته الكاتبة الصحفية سناء أسعد في "البناء" اللبنانية بتاريخ 16/9/2016 " من اعتقد أنّ سورية وصلت إلى حدّ الإنهاك والضعف، فهو مخطئ. ويجب أن يعلم الجميع بمن فيهم الطاغية أردوغان والكيان السعودي الواهن،أنّ هناك خطوطاً حمراء لا يمكن تجاوزها: وحدة سورية وسيادتها، ومصير الأسد. وإنّ المعركة الكبرى لتحرير الأراضي المغتصبة من براثن العدو الصهيوني، تعدّ عدّتها. ويبدو أنّ القلق والتخبّط «الإسرائيلي» الواضح، إزاء فاجعتهم الكبرى، يترجمه الضجيج الاعلامي الذي وصل في تحليلاته إلى خلاصة مفادها: أنّ الجيش السوري يخوض معركة على مستوى الوعي وتهيئة أفراده لحربه التحريرية الكبرى".
بقلم :- راسم عبيدات
القدس المحتلة – فلسطين
16/9/2016
0524533879
[email protected]