بعد ظهر نفس اليوم دخلت ثلاث وحدات من الجنود الكتائبيين يبلغ عدد كل منها خمسون رجلاً الى المخيمات، يساندهم الجيش الارهابي الصهيوني حيث القصف بالمدفعية الثقيلة، وبدأت المجازر تحت حماية ومساندة ومشاركة الجيش الاسرائيلي الذي كان يحاصر المخيم ويمنع الدخول اليه والخروج منه،وبعد أيام من السماح للصحفيين والمصورين بدخول المخيمات، لم يكن هناك وصف يمكن أن يصف هول جريمة الجيش الصهيوني وقوات العمالة والارهاب الكتائب اللبنانية، لقد كانت جثث النساء والأطفال مكومة على جانبي أزقة المخيمات الضيقة ورجال مسنين تم إعدامهم على عتبات بيوتهم، ولقد جاء في رواية الضابط الاسرائيلي "أوعلول " أنه سمع القائد الكتائبي المجرم " لإيلي حبيقة " يقول لأحد مرؤسية من الجنود خلال اللاسلكي - ردا على سؤال الأخير له عن كيف يتعامل مع وجود عدد كبير من النساء والأطفال في المخيم – " أحذرك من أن تلقي عليَّ بمثل هذا السؤال مرة أخرى، فأنت تعرف تماما ماذا يجب عليك أن تفعل بهم "، وكان المعنى هو أمر مباشر بقتل كل فلسطيني كائن حي في المخيم، لقد راقب أكثر من مائتين من الضباط والجنود الاسرائيليين عملية الابادة داخل المخيمات واستمروا في قصف المخيم بالمدفعية، وفي النهاية لم تجد اسرائيل أي مقاتل فلسطيني في المخيم أو بين الجثث، حيث كانت تسمي خيرة رجال المقاومة الفلسطينية " بالمخربين "، إن الحصيلة الدقيقة للقتلى من المدنيين الذين أزهقت أرواحهم في تلك المجزرة لن تُعرف أبداً؛ و قالت مصادر فلسطينية وغيرها إن عدد القتلى بلغ بضعة آلاف، من بينهم الأطفال والنساء (بما في ذلك الحوامل) والشيوخ؛ الذين تم التمثيل ببعضهم أشنع تمثيل، فطعنوا ونُزعت أحشاؤهم قبل أو بعد قتلهم،
لقد كانت ساعة البداية في "صبرا وشاتيلا"، مع غروب يوم الخميس في السادس عشر من أيلول/ سبتمبر سنة 1982، وكانت النهاية -إن تكن للمجازر من نهاية- الساعة الواحدة في عزّ الظهيرة من يوم السبت في الثامن عشر من الشهر نفسه، وبلغة الساعات، فالمجزرة امتدت ثلاثاً وأربعين ساعة متواصلة.
ولقد عقب الارهابي مناحيم بيغن أمام الكنيست يصف رجال المقاومة الفلسطينية "إنهم حيوانات تسير على ساقين اثنين"، فيما أعلن ضابط كتائبي بعد إعلان نبأ المذابح "أن سيوف وبنادق المسيحيين ستلاحق الفلسطينيين في كل مكان، وسنقضي عليهم نهائيا". .
اليوم، وبعد 34 عاماً على مجزرة صبرا وشاتيلا لم يحاكَم المجرمون القتلة الذين قاموا بارتكابها من عناصر الميليشيات اللبنانية، كذلك لم يحاكَم أحد من الإسرائيليين الذين قاموا بحماية المجرمين القتلة وتسهيل مهماتهم!! .
إن التاريخ الفلسطيني لن ينسى ابدا دموية تلك المجازر ولن يسامح أحد، ومهما طال الزمن أو قصر فسوف يأتي اليوم الذي يعود الحق لصحابه، وهذا أقل وفاء لمن قتلوا بدم بارد وأعدموا في بيوتهم ومثل بجثثهم، ولقد أثبت التاريخ أن صاحب الحق لا يموت، ولا يحق يموت وخلفه مُطالب.
بقلم د.مازن صافي*
• كاتب فلسطيني – مفوض الاعلام بإقليم خانيونس لحركة فتح "سابقا".