من استمع للخطابات العربية والدولية في قاعة الامم المتحدة يدرك جيدا ان هناك خطاب استجداء من قبل بعض الانظمة العربية لما يسمى بالسلام، ولكن هؤلاء الخطباء تناسوا دماء شابات وشباب فلسطين ، والتي تتزامن خطاباتهم مع أندلاع ذكرى انتفاضتهم المجيدة ، التي اتت بعد انسداد الافق فاطلقوا صرخة مدوية في وجه المجتمع الدولي المنحاز لكيان العدو واستقراره وأمنه وسلامته على حساب مستقبل الشعب الفلسطيني و شعوبنا العربية .
ان هذه الخطابات التي لا تريد العنف ولا التصعيد ، وتعمل جاهدة لإجهاض الانتفاضة المجيدة و الألتفاف عليها لكبح جماح الشباب الثائر على الظلم والطغيان وعلى الاوضاع المزرية التي وصلت إليه سياسة المفاوضات برعاية امريكية كانت لعنة حلت على الشعب الفلسطيني قتلاً واعدامات ميدانية واعتقالات وتعذيب وجرحى وإعاقات ومصادرة ما تبقى من الاراضي الفلسطينية وأقامة مئات الآلاف من الوحدات الاستيطانية وجدار الفصل العنصري وحواجز عسكرية وطرق إلتفافة ومدن محاصرة.
وامام هذه الاوضاع كان الاجدى من الخطباء على منابر الامم المتحدة ان يروا الهجمة الشرسة التي تجتاح وطننا العربي من قبل أعتى القوى المعادية للانسانية لم يسبق لها مثيل بوحشيتها وهمجيتها وافكارها الظلامية المدمرة وما خلفته من قتل ودمار للبشر والحجر ولكل ما يمت للحياة الآدمية بصلة ، حيث حولت المنطقة الى ساحات صراع على النفوذ بين القوى الأقليمية والدولية وحقل تجارب لجميع أنواع الاسلحة الفتاكة التي فتكت بأطفالنا ونسائنا وشبابنا في مخيمات سوريا وقبلها في ليبيا والعراق وهجرت الالاف منهم في شتى أصقاع الارض يعانون قسوة التشرد والفقر والمرض والبطالة وقسوة الموت برداً وجوعاً وغرقاً ، لكن الشعب الفلسطيني سينهض من بين الركام كطائر الفينيق ليعلن للملأ بانه يرفض الظلم والذل والهوان ويطالب بالحرية والاستقلال والعودة فوق ترابه الوطني
إن ما يمارسه الاحتلال الصهيوني من قمع وانتهاكات وعربدة هو الارهاب بذاته ارهاب دولة تدعي الديمقراطية امام العالم الذي يقف موقف المتفرج على المجازر اليومية في فلسطين وهذا ما يجعل خيرة شابات وشباب واطفال فلسطين وهم في عمر الورود يزهدون الحياة ويندفعون بكل أيمان وثبات وبعزيمة حديدية يفجرون غضبهم كالبركان في وجه جنود الاحتلال المدجًجين بالسلاح ويمرغون هيبة المؤسسة العسكرية الصهيونية بكل جبروتها بالتراب وهم يتلقون الرصاص الحي بصدور عارية، لقد اذهلوا العالم بتصميمهم على مقاومة العدو واندفاعهم نحو موت محقق في سبيل الخلاص من هذا الطاغوت الجاثم فوق صدورهم ، من اجل ان تضيء للاجيال القادمة درب الحرية والعودة والاستقلال ، وهذا يستدعي من كافة الفصائل والقوى الفلسطينية دعم الأنتفاضة وتوفير مقومات الصمود والحماية للشعب ووقف التنسيق الأمني وكل الاتفاقيات حتى يكون الجميع على مستوى طموحات وتطلعات الشعب الفلسطيني وتضحياته الجسيمة
ولذلك نرى ان الوفاء للشعب الفلسطيني من قبل اي دولة او نظام عربي هو دعم الوحدة الوطنية الفلسطينية والمقاومة المشروعة وليس التدخل في شؤونه الداخلية ، لأن الشعب الفلسطيني
الرائع المعطاء، ويرى في امته العظيمة، في دفئها، دفء حقيقي، يعبر عن امتنان الامة ومحبتها، يعبر ان التفاف الجماهير وعطاءها واملها بانتفاضة فلسطين ومقاومتها ، التي تكسر شوكة الاحتلال وتحطم صورته وتفشل جميع محاولاته .
ومن هنا نتوقف امام خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الدورة ال 71 للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي ذكر العالم بالكارثة التاريخية التي حلَّت بالفلسطينيين، مطالبا بريطانيا بالاعتذار من الشعب الفلسطيني لمسؤوليتها عن النكبة وتداعياتها التي حلت نتيجة وعد بلفور 1917، ومذكر العالم بالاتفاقيات الدولية ذات الصلة، وكل التصريحات الخاصة بإنهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وحق العودة، ورفض الاستيطان، مستعرضا بوضوح عنجهية الاحتلال وعدوانه وحصاره للشعب الفلسطيني وتهويد القدس وتدنيس المقدسات والإعدامات الميدانية ونشر الفوضى، واستمرار “الإرهاب” الاسرائيلي الذي ينذر بإشعال فتيل صراع ديني يحرق الأخضر واليابس، ليس في المنطقة فحسب، بل ربما في العالم أجمع ، مشددا على انه يدق ناقوس الخطر أمام المجتمع الدولي للتدخل قبل فوات الأوان، من اجل انتهاء الاحتلال الإسرائيلي وعربدته فوق الأرض الفلسطينية، فحرية فلسطين هي بوابة إنهاء الإرهاب.
لذلك نقول لقد تساقطت اوراق التوت مع تساقط الاوراق التي حكمت واقعنا العربي، تساقطت بصمود الشعب الفلسطيني، بكل آيات الكبرياء والثقة بالنفس، والارادة الحرة، والقرار الوطني المستقل الذي يجب ان يكون مفتاح لحوار جدي تشاركة فيه كافة الفصائل والقوى الفلسطينية بعيدا عن التدخلات الخارجية من اجل انهاء الانقسام الداخلي وتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية ورسم استراتيجية وطنية تستند لكافة اشكال النضال والكفاح من اجل تحرير الارض والانسان .
ان العرب الباحثين عن السلام لن يجدوه إلا عبر القوة والارادة العربية الواحدة الموحدة فالسلام العادل هو سلام الاقوياء وليس سلام الضعفاء ، فسلام الضعفاء هو الاستسلام وما اخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة ، المقاومة العربية اليوم ومعها انتفاضة فلسطين تعيد خلط الاوراق وهي تزداد كل يوم التحاما ووحدة وثباتا وتلاحما ثوريا ، فشباب ثورة السكاكين والحجارة، يتحدون الاحتلال وجبروته، في هذه الحقبة التاريخية في هذا الزمن العربي الصعب ، الذي كنا نأمل فيه ان يعزز الطاقات ورص الصفوف وتكثيف الجهود العربية كلها في مواجهة الاخطار الداهمة علينا جميعاً الداخلية منها والخارجية وفي مواجهة التحديات المصيرية المفروضة علينا، في مواجهة مشاريع الاحتلال باعتبارها ظاهرة استعمارية يجب مقاومتها كما نصت عليه المواثيق الدولية من اجل تحرير الارض الفلسطينية وكامل الاراضي العربية من رجس الاحتلال .
إن أنتفاضة فلسطين تحمل مضامين كبيرة ومعاني كثيرة ، و تمثل مرحلة جديدة من النضال الوطني الفلسطيني من الممكن أن تؤسس لمرحلة جديدة من النضال العربي برمته ، لأن الصراع الفلسطيني ضد المشروع الصهيوني جزءاً لا يتجزأ من الصراع العربي الصهيوني،أي أن المظهر الرئيسي للصراع صراع عربي صهيوني ، وبالتالي شاابات وشباب فلسطين تسلحوا بالحجر، بالمولوتوف ، بالسكاكين ، ضد المحتل ، ليثبتوا أن حقهم باقٍ وسيدافعون عنه بكل الصغار لانها ضمير هذه الامة وعقلها ونبضها سيبقى باتجاه فلسطين.
بقلم/ عباس الجمعة