مشعل والأيادي الناعمة والتدخلات الخارجية

بقلم: أحمد فايق دلول

كان ملفتاً للانتباه ما صرَّح به السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، حيث اتهم "الأيادي الناعمة"، و"التدخلات الخارجية"، بأنَّها تفسد طبخة المصالحة الفلسطينية، مؤكدا أن "الفلسطينيين (لو) تُركوا لحال سبيلهم بمفردهم، ولإرادتهم الوطنية الحرة، فهم قادرون على أن يعالجوا أزماتهم".
لعله من حسن الطالع أنَّ كلمة مشعل جاءت في وقتٍ قريبٍ من خطاب الرئيس محمود عباس حول الارتهان للعواصم العربية. وهذان الخطابان ينسفان مزاعم سابقة للفصيلين الكبيرين حول غياب دور القوى الخارجية في صناعة الانقسام، حيث كان البعض يتمادى في القول بأنَّ اختلاف برامج ورؤى الفصيلين هو من صنع الانقسام، وهذا الأمر فيه من الصواب والخطأ بشكلٍ نسبيٍ، خاصة إذا ما علمنا أن برامج الفصيلين يحتويان على الكثير من القواسم المشتركة التي تستلزم العمل التكاملي.
الخطابين للقياديين بدون شك سيتلوهما حراك على الصعيد الفلسطيني والخارجي من أجل تحريك مياه المصالحة الراكدة. وعلى الأغلب يندرج هذا الأمر في سياق "تحريك" بعض الملفات وليس في سياق إنهاء الانقسام، خاصة وأنه يتزامن مع الأحاديث المبعثرة حول احتمال لقاء عباس-نتنياهو بوساطة روسية.
وإذا ما أدركنا الأهمية السياسية الكبيرة للقضية الفلسطينية؛ ندرك الدوافع الإقليمية والدولية الكامنة خلف التنافس على القضية الفلسطينية. ودون الخوض في هذا الأمر؛ يكفي القول بأنَّ الأراضي الفلسطينية هي بوابة النظام الإقليمي الشرق أوسطي الذي يضم قوميات مختلفة وبوابة النظام الإقليمي العربي أيضاً، وبالتالي فإنَّ أيَّة دولةٍ أو قوةٍ إقليميةٍ تريد الحصول على مكانةٍ في المنطقة لا بد من الدخول من خلال القضية الفلسطينية.
ترتبط القضية الفلسطينية بقوى إقليمية ودولية لها أجنداتها الخاصة التي تلتقي وتفترق عند مجموعة من المبادئ والمصالح، الكل منها يحاول تحقيق مصالحه الخاصة، وهو بالطبع ما يفسر تكريس حالة الانقسام في الأراضي الفلسطينية.
لقد أصبحنا أمام فريقين إقليميين ودوليين متنافسين، كلاهما لا يقدِّم للقضية الفلسطينية إلا وفق المصلحة وعلى مبدأ النفعية، وبعض القوى تتشدق بدعم القضية الفلسطينية في حين أن دورها يشكِّل وبالاً على القضية الفلسطينية، لن نتعرض لذكرها، لكن الجميع يلمس أثرها ودورها السلبي، وهو ما أشار إليه السيد عباس في كلمته حول تدخل العواصم في المشهد الفلسطيني.
الشعب الفلسطيني من أكثر شعوب العالم تماسكاً، والروابط الاجتماعية فيه لا تتوفر لأي شعب حول العالم، لدرجة أنَّ الشعب هو أسرةٌ واحدةٌ بالمفهوم الواسع. التاريخ الحديث والقديم يشهد للشعب الفلسطيني بتماسك الشعب ووحدته، وبالتالي فإن الانقسام الفلسطيني ما هو إلا حالة طارئة في تاريخ الشعب.
لا يجوز البتة إضافة كلمة "الفلسطيني" إلى كلمة "الانقسام" فالانقسام هو في الأصل بين رؤى وأطروحات القوى المتنافسة على المشهد الفلسطيني، أمَّا ما حدث في الأراضي الفلسطينية منتصف 2007م؛ فما هو إلا انعكاس لتلك الحالة من الانقسام في المجتمع الدولي.
مع الأسف، لعب المال السياسي دوراً بالغ الأثر في انتزاع القرار السياسي الفلسطيني، حيث ترتهن القوى الفلسطينية للخارج وتقوم بتنفيذ أوامره على مبدأ السمع والطاعة وكأنهما "شاهد زور". القرار الفتحاوي لأمريكا والرباعية ومصر والإمارات بما لا يشكل إزعاجاً لإسرائيل، أما حماس فهي الأخرى يرتهن قرارها للموقف الإيراني والتركي والقطري وغيره. و "أصبحنا أصحاب قضية لا أصحاب قرار" على رأي الأستاذ الدكتور إبراهيم أبراش.
القول بأنَّ الانقسام هو خارجي في الأصل لا يُعفي الفصائل والشعب الفلسطيني من المسئولية الدينية والأخلاقية والقانونية تجاه رأب الصدع ووحدة الصف الفلسطيني أمام التهديدات الصهيونية. بالتأكيد حماس وفتح مسئولان لأنهما أجَّجا نار الانقسام بالتزامن مع حالة الارتباط مع الخارج، أما اليسار الفلسطيني والجهاد الإسلامي فهم أيضاً تحت طائلة المسئولية، منهم من وقف متفرجاً على حالة الانقسام ليُشفي غليله ويأخذ بمظلوميته، ومنهم من جعل من حالة الانقسام بقرة حلوباً ومصدر استرزاق له، حيث استفادوا كثيراً من حالة الانقسام، وبالتالي فإن المصالحة تؤدي فيما تؤديه إلى تقليص حجم الدعم المقدم لهم من الخارج.
لقد كرَّس المتنافسون حالة الانقسام في بلادنا منذ عشر سنوات للاستفراد بالقضية الفلسطينية وتصفيتها، حتى بات الجمع الفلسطيني يعلم ما يعلم عن محاولات تصفية وتجزئة الضفة الغربية، والغالبية العظمى من الشعب لا يدركون أن 93% أصبحت تحت السيطرة الإسرائيلية، ومن المتوقع أن يخضع جزء من الضفة لحالة "الأردنة"، والجزء الأكبر لحالة "الأسرلة"، وربما جزء تحت حكم ذاتي للفلسطينيين بإشراف دولي وإسرائيلي.
أما غزة التي تعيش حالة من الهشاشة والضعف من منظور الجغرافيا العسكرية والتنمية والاقتصاد بعد 10 سنوات من الحصار الجائر -أو غزة الكبرى فيما بعد-؛ فهي مكان إقامة الدويلة الفلسطينية التي يتم الترتيب لها وفق سايكس بيكو جديد يجتاح المنطقة بأكملها، وبالطبع لن يتم شيء دون علم القيادة الفلسطينية التي حصلت لأبنائها على جنسيات أردنية وقطرية وإماراتية وصربية وغيرها، ومصالحها تسير على قدمٍ وساقٍ خارج الوطن.
لم يأت تصريح السيد مشعل بجديد بخصوص المصالحة وإنهاء الانقسام، ولن يقدم ولن يؤخر في منطقة لا يمتلك أهلها من قرارهم شيئاً، لكن ثمَّة دلالات واضحة يمكن استنتاجها من هذا التصريح، منها أهمية وضرورة العودة إلى حالة ما قبل الانقسام، وهو أمر يكاد يكون مستحيلاً ما لم يتم من الخارج، ليس انتقاصاً من قدر الشعب، ولكنه الواقع المرير الذي تعيشه فصائلنا الفلسطينية التي ربطت نفسها بالمال السياسي.
لقد عهدنا في السنوات الماضية جرأةً واضحةً لدى بعض القيادات الفلسطينية التي تخرج من دائرة الحكم، كنَّا نسمع تصريحات لم يكن للقيادات أن يتحدثوا بها أثناء وجودهم في مناصبهم، وهذا الأمر يقود إلى التأكد من أنَّ حركة حماس لن تجدد لولاية إضافية لخالد مشعل بعد نحو 20 سنة من قيادة الحركة من الخارج، وكأننا أمام خطاب نهاية الخدمة الخاصة بالسيد مشعل.
إذا ما كان الأمر كذلك؛ فلا بد لمشعل أن يظهر بمظهر الإنسان الدبلوماسي المعتدل والحريص على وحدة الصف الفلسطيني، وربما يحاول خالد مشعل خطب ود بعض الأطراف، خاصة وأن لم يعد يُنظر إليه في العواصم العربية على أنه "رئيس" المكتب السياسي لحركة تعتبر فاعلاً دولياً بجانب حزب الله وبعض حركات التحرر الأخرى.
في حال جرى تنفيذ بعض الإصلاحات في منظمة التحرير الفلسطينية فمن غير المستبعد أن تشارك حماس فيها كنائب رئيس المنظمة، ولعل خالد مشعل الذي يبدو شخصاً متزناً؛ سيكون مرشح الحركة، وهذا التطلع بالتأكيد يستلزم من مشعل إدراك أهمية وخطورة ومتطلبات منصب نائب الرئيس، عليه أن يبحث عن ذاته من الآن تحضيراً للقادم.
ومهما يكن من أمر، لا يمكن السكون على حالة الانقسام التي تكرسها الفصائل الفلسطينية بأوامر من الخارج، لأن السكوت عليها سيوصل الشعب الفلسطيني إلى الاعتقاد بأنَّ حالة الانقسام هي مصلحة وطنية عليا وقضية أمن قومي لا بد من وجودها.

بقلم: أحمد فايق دلول
15/09/2016م