الشهيد "ناهض حتر" الذى أرعب الظلاميين بفكره ومواقفه

بقلم: عباس الجمعة

إذا كان الكاتب الحقيقي ، هو الناقد لعصره ومجتمعه ليرتقي هذا المجتمع سلّم التقدم ، ويتجاوز التخلف والركود 0 والكتاب والمفكرون العظام هم الذين وضعوا هذا المفهوم نصب أعينهم ، وعملوا من أجله ، ودفعوا كل نفيس وغال من أجل ذلك 0
ولكننا في عالمنا العربي نجد هذا المفهوم مجرّما ، فالخطوط الحمراء كثيرة ، وسقف الحرية قد انخفض إلى حدّ بعيد في كثير من البلدان العربية بعد وجود قوى سلفية متشددة وقوى ارهابية تكفيرية ، فحرية التعبير ، والنقد ، والتفكير العلمي جميعها من العادات المكروهة ، بل وفي كثير من الأحيان تستوجب العقاب ، الذي يصل إلى قصف الأقلام ، والزجّ في السجون ، وتنتهي بالاغتيال 0
والذي يواجه حرية الفكر هم المتطرفون الأصوليون أنفسهم ، دون التعمق والبحث في بنية العمل الفني أو الفكري ، وتسابقوا في العدوان على حرية التفكير ، سواء بالتحريض لدي العامة على المفكرين ، أو تحريض السلطات ضدهم ، وفي أحيان كثيرة ينفذون ما يرغبون بأيديهم ، ورشّاشاتهم وخناجرهم ، وبأدواتهم التي ورثوها عن العصور الوسطي 0 فكانت النتيجة هذا السيل من دماء المفكرين والكتّاب أصحاب الرأي الحر 0
واليوم يغادرنا الكاتب الصحفي "ناهض حتر" هذا الكاتب الذي شكل ينبوع من الفكر ، احب فلسطين واحتضن قضيتها وشكل بقلمه المقاوم وقوفه الى جانب المقاومة في لبنان وفلسطين ، كما وقف الى جانب الدول والشعوب العربية التي تتعرض لهجمة امبريالية صهيونية رجعية تكفيرية بهدف القضاء على الفكر الثوري وتفتيت المنطقة الى كانتونات طائفية ومذهبية واثنية ، فاغتالته أيدي الجهل والتطرف ،لقد فعلت ذلك لأنها لا تملك القدرة على الحوار مع التفكير العلمي ، ولا تقوى على المواجهة الحقيقية مع فكر ناهض حتر ، وأنها بفهمها المتخلف للتراث والدين الذي تحتمي به لتمرير أفكارها المتخلفة ، والرجعية ، ترى في حرية التعبير ، والتفكير العلمي نهايتها ، ولذا فإنها تتستر وراء فهم سطحي للنصوص ، وتقوم بعمليات التصفية الجسدية والاغتيالات أملا في الإبقاء على سيطرتها على عقول الجهلاء 0
لقد كان الكاتب الصحفي "ناهض حتر" مفكراً رأى في القلم سلاحاً للدفاع عن الحرية والمقاومة ومواجهة القوي الظلامية التي بدت كخفافيش الليل في الاردن والدول العربية 0 منتقدا برامجها ، وشرحا ومحللا بنيتها 0 فقد رأى أن القوى الارهابية الظلامية تنفذ برنامج خطير ضد الرأي والرأي الاخر وتسعى الى تجهيل الشعوب ، لافتا ان قوى التغيير هي قوى التقدمية وقوى المقاومة ضد الإمبريالية العالمية ، والاحتلال الصهيوني .
الكاتب الصحفي "ناهض حتر" كان يؤمن بالأستمرار بالفكر العلمي ، لم يعبأ للتحذيرات ، و ظل يمارس حياته العادية كأن شيئا لم يحدث ، فجاءته الرصاصات امام قصر العدل في الاردن من قبل خفافيش الظلام ،لتضع حدا لفكره الثوري التقدمي ، وليمضي على طريق شهداء الفكر والحرية .
أن حقيقة اغتيال "ناهض حتر"هي مثال حي للقضاء على الفكر الثوري في أقصى تعبيراته، وخاصة ان الفاعلين معروفين ، ولكن نقول لعصابات القوى الارهابية الظلامية ان فكر ناهض حتر يضيئ الطريق كي نتبصر المقبل ونسجت العروة الوثقى بين تراثنا القديم وأجيالنا الشابة بعد ان كشف بكتاباته للأجيال القيم الإنسانية الرفيعة التي يختزنها ، فهو كان مبدعاً في كشفه لحقائق الصراع الطبقي في قلب التراث الفكري والأدبي والديني والثقافي عامة، بغير جمود منهجي أو ايديولوجي.
ختاما : ان شارعنا العربي اليوم واقع بين مطرقة قوى الظلام والارهاب ، وبين سندان النيوليبرالية الأميركية المتهافتة، والنتيجة المرة هي شلل الشارع العربي الناجم عن تغييب العقل والواقع والتاريخ، وهكذا، فإن مهمة كبيرة تنتظر من يحققها، ، أعني العقل، ولكن بصورته الحديثة العلمية، وهذا بالضبط ما بدأه الشهيد "ناهض حتر" الإنسان المتنور والمناضل السياسي من أجل الحرية والديمقراطية، والمفكر الثوري الطلائعي الذي استطاع أن يحلق في سماء الامة كواحد من صناع القرار الذي تجاوز الحدود الجغرافية ، وستبقى أفكاره، رغم رصاصات القتلة، شامخة وباقية وحية في وجدان كل الاحرار ، وزاداً لكل المناضلين والثوريين العرب في معاركهم الحضارية والكفاحية نحو الحرية والشمس والفرح الإنساني.

بقلم/ عباس الجمعة
كاتب سياسي