"اللوبي الصهيوني في الاتحاد الأوروبي": منظمات وأفراد وأموال تؤثر في صنع القرار

بقلم: زياد منى

للصورة المكبر | انقر هنا

البحث في هذه المادة يواجه، بلا شك، مجموعة من المعوقات أولها غياب الشفافية في الاتحاد الأوروبي عندما يتعلق الأمر باللوبيات وبمصادر تمويلها، إضافة إلى أن مجموعات عديدة تعمل من دون أن تسمي نفسها "لوبي" وبالتالي لا تخضع لأي تفحص حقيقي، ما يصعّب من أمر تصنيفها إلا بعد تفحص مضنٍ لأعمالها ونشاطاتها الظاهر والخفي، المباشر وغير المباشر، كما سيتضح لاحقاً.

يلاحظ القارئ أننا اخترنا وضع العنوان "اللوبي الصهيوني" بدلاً من "اللوبي الإسرائيلي" الوارد في النص الإنكليزي الأصلي، الذي أوردناه كاملاً في هذا العرض.
البحاثة الثلاثة الذين أنجزوا هذا الملف المهم، هم الصحافي الإيرلندي والناشط السياسي ديفِد كرُنن المقيم في بروكسل، وسبق له أن أصدر مؤلفات عدة عن القضية الفلسطينية وعلاقات الاتحاد الأوروبي بكيان العدو. الباحثة ساره مَرُسِك باحثة وأستاذة مساعدة في الدراسات الدينية في جامعة جوهانسبرغ الجنوب أفريقيّة، وتحمل شهادة الدكتوراه من جامعة سركيوز الأميركية في العلوم الاجتماعية، ولديها مؤلفات عدة مرتبطة بسياسات العدو الصهيوني. أما الباحث ديفِيد مِلّر فهو برفسور السوسيولوجيا وعلومها في كلية العلوم الاجتماعية في جامعة باث البريطانية، ولديه مؤلفات عدة في القضية الفلسطينية وتفرعاتها.
يضمّ البحث مقدمة وملخصاً، كل واحد منها خمسة فصول، معني بجانب من جوانب البحث غاية في التعقيد.
المقدمة خصصها البحاثة الثلاثة للحديث في أسلوب تقصّيهم ومنهجية العمل، إضافة إلى مختلف الصعوبات والمعوقات التي تواجه عملاً كهذا، لكنها تبدأ في شرح كيفية استعمالهم لمصطلح "اللوبي الإسرائيلي" والذي يشير إلى: طيف من مصادر صنع القرار وتسويقه سياسياً وفكرياً ونفعياً (Think Tank) ــ ومجموعات اللوبي ومنظمات الميديا المرتبطة بها والتي تقف خلفها حكومة العدو الصهيوني أو مؤسسات محافظة أو أي مصادر تمويل أخرى ــ الناشط في صناعة القرار في الاتحاد الأوروبي (ومن منظور هذه الحقيقة رأينا ضرورة ترجمة العنوان إلى "اللوبي الصهيوني" لأنه يغطي هيئات ومؤسسات ومنظمات وميديا داخل كيان العدو وخارجه، إضافة إلى حقيقة أن المشاركين في هذه اللوبيات ليسوا يهوداً فقط وإنما أيضاً مسيحيون صهاينة منهم مجموعة من ساسة اليمين المتطرف في المجر وبلغاريا وهولندا وبلجيكا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وأكرانيا وغيرها. وعلينا هنا التوقف لحظة للتذكير بحقيقة مهمة ذات صلة وهي أنه ليس ثمة تبعية (nationality) إسرائيلية. فسكان الكيان، وفق البطاقة الشخصية وجوازات السفر هم إما يهود أو مسلمون أو مسيحيون أو دروز).
الهدف الرئيس الذي تعمل مختلف أبحاث هذا العمل عليه، هو الإجابة عن السؤال الآتي: "ما مدى وجود لوبي لإسرائيل ينشط على مستوى الاتحاد الأوروبي؟".

المشاركون في هذه اللوبيات ليسوا يهوداً
فقط وإنما أيضاً
مسيحيون صهاينة

البحاثة يربطون تحليلاتهم لمواقف مختلف أفراد اللوبيات الصهيونية موضوعة البحث بما يصدر عن مؤسسات حكومة العدو الصهيوني وسفاراتها، حيث لاحظوا التطابق بينهم، بما يسوغ، علمياً، عدهم بوقاً من أبواق لوبي الصهيونية في الاتحاد الأوروبي.
إضافة إلى ما سبق، ينوه البحاثة إلى حقيقة الدور الرئيس الذي تؤديه صناعة الأسلحة في كيان العدو بالترابط مع صناعات الأسلحة في دول الاتحاد الأوروبي بما يوسع من دائرة أعمال اللوبي.
لنتذكر الآن أن كيان العدو غربي الجذور والمعايير بما يجعله جزءاً لا يتجزأ من العالم الغربي، وذلك وفقاً لكلمات رئيس وزراء إسبانيا الأسبق خوسيه ماريا أزنار.
أما مظاهر وجود اللوبي الصهيوني فيتمثل، وفق المؤلَّف، في حقيقة مشاركة "مركز خطة العمل الأوربي/ European Policy Centre - EPC"، وهو مركز صنع القرار الأكثر أهمية في الاتحاد الأوروبي في استضافة فطور عمل عام 2011 شارك فيه داني آيلون الذي كان نائب وزير خارجية كيان العدو حينئذ.
منهجية البحث التي تسوغ أسباب عَدّ البحاثة أفراداً وجماعات منظمة آنفة الذكر وما سيلي منها جزءاً من اللوبي الصهيوني، لخصها البحاثة في مصطلح "بحث في بنية السلطة/ Power Structure Research" ذي البعدين "تحليل الشبكة" و"تحليل المحتوى". الأول معني بمسح مختلف الأشخاص والمنظمات التي تشكل بنية السلطة وعلاقاتهم بالحكومات وتأثيرها في قراراتها. أما البعد الثاني، فمعني بما يجري في تلك الشبكات بما في ذلك تحليل مفاضلاتها الفكرية والسياسية. الهدف هو كشف ما هو مخفي من معلومات ومتابعة المصادر التي عادة ما يتم تجاهلها، بهدف وضع صورة أكثر وضوحاً لقوة أولئك الأشخاص والمنظمات. والبحاثة يستعينون بهذه المنهجية اعتماداً على ما وضعه علماء غربيون متخصصون في البحوث الاستقصائية وكشف ما هو مخفي من علاقات، منهم وليم دمهوف ودي واي هو. مصادر التمويل بحثها الكتاب عبر متابعة نشرات الخزانتين الأميركية والبريطانية ذات الصلة بالضرائب والمنظمات المعفية من الضرائب، والموجودة في صفحاتها على الإنترنت. هذا ساعد أيضاً في كشف مساهمة بعض أوليغارشيي عدد من دول الاتحاد السوفياتي السابق (الروسي رابينوفتش، والقازاق ألكسندر مخكفتش، والأوكراني كولُمُيسكي الذي اتهمته وكالة الاستخبارات الأميركية بممارسة غسيل أموال)، بل وحتى ترشيح بعض الرياضيين الأوربيين للانخراط في اللوبي الصهيوني ومنهم الإنكليزي ديفيد بكهام.
عودة إلى بنية المؤلَّف.

نوه البحث إلى الدور
الرئيس لصناعة الأسلحة في كيان العدو بالترابط مع صناعة الأسلحة في دول الاتحاد الأوروبي


الفصل الأول خصص للبحث، المعمق دوماً والنقدي، في "أصدقاء إسرائيل الجدد في أوروبا" بما في ذلك المنظمتان الرئيستان الداعمتان بالمطلق للعدو الصهيوني وسياساته، وهما ‹أصدقاء إسرائيل الأوروبيون/ European Friends of Israel - EFI"، والثانية "مبادرة أصدقاء إسرائيل/Friends of Israel Initiative - FII"، إضافة إلى منظمات الصهيونية المسيحية مثل "وقف حلفاء إسرائيل/ Israel Allies Foundation"، و"التحالف الأوروبي من أجل إسرائيل/ European Coalition for Israel"، وكذلك ارتباطهما بالسياسات اليمينية المتطرفة بل وحتى علاقاتها بأحزاب أوروبية يمنية متطرفة مثل اليمين المتطرف الفرنسي والبلجيكي والهولندي، ومصادر التمويل.
الفصل الثاني خُصص للحديث في "ترسخ اللوبي في بروكسل"، ودور العديد من المنظمات الأمريكية ــ الصهيونية ومنها "اللجنة الأميركية اليهودية/American Jewish Committee - AJC" و"مبادرة حلفاء إسرائيل/ Friends of Israel Initiative - FII"، و"المؤسسة الأوربية للديمقراطية/ European Foundation for Democracy - EFD"، وغيرها في ذلك.
الفصل الثالث خصص للحديث في نمو "علاقات الاتحاد الأوروبي التجارية مع إسرائيل" مع التركيز على تجارة الأسلحة ودور اللوبي الصهيوني في تقويتها.
الفصل الرابع "تجريم المقاومة"، خُصص للحديث في الحملات على حركة "حماس" و"حزب الله" وإيران وتحريض دول الاتحاد الأوروبي على عزل الفلسطينيين، بل وحتى على دعم العدوان العسكري عليهم.
الفصل الخامس "إسكات الأصوات المخالفة" ومنع أي انتقاد لإسرائيل وأخيراً إلقاء اللوم على المسلمين المتطرفين، موظِّفين ما يسمى "معاداة اليهود الجديدة/The New Anti-Semitism". البحاثة يشددون على أن اليمين الأوروبي المتطرف تحول أخيراً من معادة اليهود إلى معاداة الإسلام ووجد في إسرائيل حليفاً، وهو ما رحب به قادة كيان العدو والحركة الصهيونية.
هذه النقاط الرئيسة التي ذكرناها آنفاً تشكل أسس البحوث المتقصية، والتي بينت للبحاثة مدى توغل أفراد وعائلات ومنظمات أوروبية وأميركية في الاتحاد الأوروبي مشكلين لوبيات صهيونية مؤيدة لكيان العدو وسياساته العدوانية والعنصرية على نحو مطلق. أما عددها وأسماؤها فيتجاوز حجمها المساحة المخصصة لهذا العرض، لكننا أخذنا ثلاثة مصورات من النص الأصلي وعرضناها، بعد تعريب ما رأيناه ضرورياً منها، تحوي أسماء المنظمات والهيئات والعائلات والأفراد من أوروبا والولايات المتحدة المنخرطين في اللوبي الصهيوني، وتبين في الوقت نفسه مدى تعقد شبكة علاقاتهم بعضهم ببعض، وبمؤسسات في داخل كيان العدو ما يجعل البحث فيها أمراً على جانب كبير من الصعوبة والتعقيد أنجزه البحاثة على نحو موفق للغاية.
لكن هذا المؤلف يحوي معلومات وجداول عديدة ذات علاقة، أجهد البحاثة في جمع المعلومات التي تحويها والتأكد من صحتها. إلا أن المساهمين فيه ذكروا القارئ بأن ما يحويه تقريرهم هو المعروف فقط، أما المخفي فقد يكون أعظم بكثير.

للصورة المكبر | انقر هنا
للصورة المكبر | انقر هنا
زياد منى /"الاخبار" اللبنانية