توجه بالأمس السيد محمــد دحلان عضو المجلس التشريعي الفلسطيني وذلك برسالة تفصيلية إلى قيادات حركة فتح المجتمعين في مدينة رام الله وإلى أبناء حركة فتح المتواجدين في الشتات .
لن أدخل هنا في مقالتي هذه في تفاصيل ما جاء في هذه الرسالة ، والتي عرج خلالها بمرارة عن طبيعة العلاقات بينه وبين الرئيس محمود عباس، وقارن بين علاقة كل منهما مع الدول العربية ومن الذي يطالب بهذه المظلة لإدخالها في الشأن الفلسطيني في كل صغيرة وكبيرة بدون السعي للابداع بالمبادرة!.
إن أهم ما جاء في هذه الرسالة في تقديري هو دعوته لأبناء حركة فتح للوحدة في نهاية رسالته عندما قال " أدعو كل أبناء الحركة الشرفاء الغيورين والأمناء على ميراث الشهداء وأحلام و طموحات شعبنا أن يقفوا صفا متراصا و يدا واحدة خلال إجتماعاتكم رافعين شعارا واحدا مقدسا ، شعار " وحدة فتح ضرورة وطنية"، كما أكد على أنه لن يكون هناك أي إنشقاق في حركة فتح مهما كانت الظروف والتحديات!، وأن السلطات ما بين منظمة التحرير والسلطة وحركة فتح لن تكون في يد شخص واحد ولم يعد ذلك ممكناً.
كما أنه سجل لنفسه رؤية مستقبلية طموحة وواعية من خلال برنامج إنتخابي مبكر!، وأوضح في رسالته هذه أيضاً نظرته الشمولية بالنسبة إلى العلاقة ما بين الدولة الفلسطينية المستقبلية والدول العربية الأخرى خاصة فيما يتعلق بالدول التي يتواجد فيها عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين.
دحلان شدد في رسالته على أن صبر أبناء فتح على هذا التفكك لن يستمر طويلاً، وبأن تأجيل التشاور الفتحاوي الذي تداعى إليه أنصاره من الكثير من دول العالم وذلك للإجتماع في العاصمة المصرية القاهرة، والذي وصفه بأنه ليس محاولة للإنشقاق ، ما هو إلا إفساح المجال أمام جهود خيرة يبدو بأنها تبذل من أجل رأب الصدع بينه وبين الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مع تأكيده بإصرار على تصميمه بالسير في نفس طريق الدعوة للوحدة وتمسكه بعضويته في حركة فتح حتى لو بقيت يده ممدوة في الهواء لوحدها ورفضت دعوته للمصالحة!، إلا أنه ألمح بالمقابل بأن هناك حراكاً قادماً بات وشيكاً داخل قواعد حركة فتح التي باتت تتململ من هذا الوضع، وذلك في حال فشل هذه الجهود، يبدو بأن هذا الحراك بات ينتظر إشارة البدء فيه إن لم يقم أعضاء الأطر الفتحاوية بتحمل مسؤولياتهم الصادقة والأمينة ، وذلك بناءاً على مبدأ المشاركة وإلغاء فكرة الإقصاء من صفوفها لتضميض الجراج وإحتواء هذه المعضلة من جذورها!.
كما أنني لمست في هذه الرسالة ثقة بالحديث وإلتزام برؤية طموحة صاحبها تقديم الجزرة برغبة صادقة والتلويح بالعصا تعبيراً عن الضجر من إستمرار هذا الحال!، لكن يبدو أن ذلك مرتبطاً بمراهنةٍ على معطياتٍ داخلية اصبحت تتفاعل أكثر ، في تقديري أنه لا يمكن الوثوق بها ثقة مطلقة والبناء عليها في إتخاذ اي قرار!.
من هنا ، أعتقد أنه بناءاً على تقديري للأمر وعلى المعطيات القائمة وتبلور رؤى إعلامية وحركية وثقافية جديدة باتت على ما يبدو جاهزة فكرياً وتتمتع برغبة للمشاركة في بناء المستقبل القريب، أجد بأنه من المفيد للرئيس الفلسطيني محمود عباس أن يتمحص من جديد لقاء السيد أحمد قريع " ابو العلاء" مع قناة الغد العربي الأسبوع المنصرم ، والذي حاول دحر عوامل القلق لدى الرئيس عباس من خلال تأكيده على أنه لا أحد يريد الإنقلاب عليه ، وذلك من أجل تفويت الفرصة على تصعيد لربما تعمل على تغذيته بعض الأطراف المستفيدة من هذا التشرذم، لكي لا تغرق السفينة بمن فيها!.
كما أنني على يقين بأن السيد محمـد دحلان كتب رسالته هذه بقلب مفتوح وبعقل واعٍ بدافع غيرته الوطنية لتجاوز هذه المرحلة ومنغصاتها ومحنتها، والتطلع لبناء علاقة سليمة والرغبة بالمشاركة في البناء، لأنه يدرك حجم التحديات القائمة، ومن حقه كمواطن وكقائد فلسطيني ، أن يساهم في مواجهتها خاصة بأنه يمثل جزء أساسي في العمل الفلسطيني وله شريحة كبيرة محبينه والكثيرين من المؤمنين بفكرته الوطنية والقيادية بالرغم من تعرضه لحملة شرسة لا تتحملها الجبال ولكنه واجهها بكل إقتدار.
من هنا لابد من الإشارة إلى أنه من خلال إطلاعي وتواصلي مع الكثيرين من أبناء الحركة الوطنية فتح خاصة من ابناء الضفة الغربية لإستمزاج أرائهم حول هذا الموضوع، فإنني أستطيع القول يقيناً بأنني فوجئت بحجم الحضور الذي يتمتع به دحلان بين صفوفهم وخاصة بين صفوف المثقفين والكوادر الفتحاوية على كل المستويات بمن فيهم أمناء السر وكبار الرموز الفتحاوية!، مما يشير إلى أن ثقل دحلان في حركة فتح ليس عابراً وبأنه لا يقتصر على أبناء قطاع غزة فقط ، ومن يقول غير ذلك سيكون خاسراً والأيام القادمة ستكشف هذه الحقيقة!.
حيث أن فتح اليوم أمامها مسؤوليات كبيرة وتواجه إستهداف وتشويش على فكر أبنائها ، فتح اليوم إجتاحها دخلاء ليس لهم علاقة بتاريخها النضالي، بل هم من المنتفعين والوصولين وأصحاب الرؤى الإقصائية الضيقة!، فتح اليوم إن لم تحافظ على وحدتها بسواعد أبنائها ستصبح قريباً حركة متشرذمة لا حول لها ولا قوة ، ستصبح أقاليمها مبعثرة تشكو الوهن والفرقة!، ولذلك عليها أن تقرر ما الذي تريده وأن تكف عن العنتريات وأن تتوقف عن التجاذبات والمناكفات لأن البدائل لم تعد مستحيلة ولا غائبة!.
أتحدث هنا عن علاقة السيد دحلان بحركة فتح ولا أتحدث عن طموحات أخرى تخصه هو ، وهي حق مكفول لكل فلسطيني يرى في نفسه الكفاءة من خلال صناديق الإقتراع، لأن يحققها! . كما أنني أتمنى أن يرتقي كوادر حركة فتح بمفاهيمهم النضالية المنطقية التي تحاكي الواقع ومتطلباته، والبعد عن المبالغات الوهمية، والكف عن سياسة الرقص على الحبال تارة هنا وتارة هناك، لأن ذلك لم يعد مجدياً وأن الوقت لم يعد فسيحاً لرفاهية الإختيار!.
م . زهير الشاعر