الحروب العدوانية أبشع أنواع الإرهاب الدولي المنظم

بقلم: غازي حسين

أعادت الولايات المتحدة الأميركية في العراق وأفغانستان تكرار ما فعلته بالهنود الحمر، حيث قامت بإبادتهم ومارست الرق والاستعباد بحق مواطنيها السود.

وأخرجت مؤسسة هوليوود اليهودية آلاف الأفلام كي تقنع الشعب الأميركي والعالم بأن سكان أميركا الأصليين (الهنود الحمر) كانوا متوحشين، قبائل متوحشة ترفض الأخذ بأسباب الحضارة والتمدن وشنوا الغارات على المستوطنين الأوروبيين لإبادتهم، بينما كان المستعمرون البيض في حالة الدفاع عن النفس.

وبالتالي حاولت إقناع الرأي العام العالمي بأن الإبادة الجماعية للهنود الحمر كانت ضرورية لوحشيتهم ولرفضهم التعايش مع المستوطنين، إلى أن وقف الرئيس بيل كلنتون واعتذر عما ارتكبه الأميركيون من إبادة للهنود الحمر، واستعباد الأميركيين السود واستغلالهم، وتابعت الولايات المتحدة الأميركية نهج الإبادة الجماعية في منتصف القرن العشرين باستعمال أسلحة الدمار الشامل ولأول مرة في تاريخ البشرية، فألقت بقنبلتين ذريتين على مدينتي نيكازاكي وهيروشيما ودمرت مدينة دريسدن بالطائرات في 13 شباط 1945، وأشعلت سلسلة من الحروب العدوانية في كوريا وفيتنام والعديد من بلدان أميركا اللاتينية والشرق الأوسط.

وأصبحت الحروب الاستباقية واستخدام القوة لخدمة السياسة الخارجية الأميركية وثقافة الإبادة والقهر واستخدام أحدث أسلحة القتل الجماعي لاستئصال ثقافة وحضارة الآخرين ونهب ثرواتهم والإطاحة بأنظمتهم وبشكل خاص العرب والمسلمين سياسة تراثية للإدارات الأميركية والمجتمع الأميركي.

استراتيجية الرئيس بوش

أخطأت الولايات المتحدة الأميركية بحق الشعب الأميركي وشعوب العالم عندما اعتمدت الأكاذيب لتسويغ الحروب العدوانية ومحاربة العرب والمسلمين والعقيدة الإسلامية. وأخطأت إدارة بوش بحق الشعب الأميركي والإنسانية جمعاء عندما تبنت نظرية صدام الحضارات بدلاً من الحوار والتعاون بين الحضارات، وعندما تبنت السياسات والممارسات

والمخططات الإسرائيلية لتحقيق الاستعمار الاستيطاني اليهودي في الأرض العربية وإقامة «إسرائيل العظمى الاقتصادية من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد».

كانت مصلحة أميركا تقتضي إعادة النظر في سياساتها الداعمة للإرهاب والاحتلال والاستعمار الإسرائيلي، وتتوقف عن تقديم الدعم المطلق لـ «إسرائيل» على حساب الأرض والحقوق والمياه العربية والإنسان العربي، وتتخلى عن سياسة الكيل بمكيالين التي ولّدت العنف في المنطقة وفي العالم.

ولكن الولايات المتحدة رأت أن المكانة العسكرية والسياسية والاقتصادية التي تحظى بها، نادرة الحدوث في التاريخ، لذلك عليها ألاّ تفوت الفرصة في تعزيز مصالحها وتطبيق استراتيجية الحروب الاستباقية لتحقيق استراتيجيتها العالمية والهيمنة على العالم.

فالولايات المتحدة تريد الإمساك برقاب جميع شعوب وأمم العالم وتطبيق مبدأ فليقتل الناس بعضهم بعضاً ما لم يصل هذا القتل إلى الأميركيين أو اليهود، وقررت الاستفراد بمنطقة الشرق الأوسط الكبير وتطويعها وتغريبها وصناعة قيادات وأنظمة جديدة وجيوش وشرطة محلية فيها للدفاع عن المصالح الأميركية والإسرائيلية.

تقوم الاستراتيجية الأميركية الأمنية التي وضعها الرئيس بوش على إشعال الحروب الاستباقية والحرب المستمرة والدائمة على الإرهاب لأمركة المنطقة العربية ـــــ الإسلامية وصهينتها بفرض الهيمنتين الأميركية والإسرائيلية عليها وتغيير هويتها الضاربة في أعماق الأرض والإنسان والتاريخ، ونجحت بنشر الإرهاب في العالم، وبشكل خاص في العراق وسورية وأفغانستان وليبيا.

كولن باول يكذب على مجلس الأمن

وقف الجنرال كولن باول وزير الخارجية الأميركي أمام أعلى مؤسسة دولية في العالم بوقاحة لا تضاهى لعرض الأكاذيب الأميركية على مجلس الأمن الدولي في محاولة لانتزاع قرار منه بإعلان العالم الحرب العالمية على العراق لإرجاعه إلى العصور الوسطى.

وعرض الجنرال باول صوراً فوتوغرافية من الأقمار الصناعية تظهر ما زعم أنه عمليات إزالة أسلحة من المواقع قبيل بدء التفتيش، وكذلك شاحنات ضخمة باعتبار أنها مواقع بيولوجية متحركة تستخدم في إنتاج أسلحة بيولوجية مثل الأنثراكس وربما الجدري.

وأمسك باول بأنبوبة صغيرة مشيراً إلى أنها تعادل حجم «ملعقة شاي» مشيراً إلى أن ملء تلك الأنبوبة من بكتيريا الأنثراكس قد أدى إلى إغلاق الكونغرس وقتل أميركيين العام الماضي.

وزعم باول أن العراق ما يزال يملك آلاف الليترات من الأنثراكس. وتابع باول أكاذيبه أمام مجلس الأمن الدولي في خطابه الذي استغرق ساعة ونصف وقال: إن العراق يملك ما يتراوح بين مئة وخمسمئة طن من الأسلحة الكيماوية إلى جانب ستة عشر ألف صاروخ، وأن الرئيس العراقي صدام حسين أعطى تعليمات لقادة الجيش باستخدامها في مواجهة الهجوم الأميركي.

وأصر باول على أن بغداد تواصل برنامجها النووي، وأنها تملك بالفعل عنصرين من ثلاثة عناصر مطلوبة لتخصيب اليورانيوم، والعلماء القادرين على تطوير البرنامج، وذلك كمقدمة لتسويغ اغتيال العلماء العراقيين وتهجيرهم من وطنهم.

وأسهب وزير الخارجية الأميركية في الحديث على علاقات العراق مع تنظيم القاعدة والإرهاب الدولي وعن اتصالات وتنسيق بين بغداد وتنظيم القاعدة.

وعلّق المحللون الغربيون المتخصصون على خطاب باول وقالوا: إن أدلة وزير الخارجية الأميركي لا تكفي لتسويغ الحرب على العراق. وثبت بعد الاحتلال أنها كانت أكذوبة اختلقتها «إسرائيل» أولاً وبالتحديد الموساد الذي سوّقها إلى مجرمي الحرب بوش وبلير.

اقترح وزير الخارجية الفرنسي أمام مجلس الأمن تعزيز عمليات التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل، وعرض من أجل ذلك نشر طائرات ميراج 4 لتأمين تغطية أفضل للأراضي العراقية (وذلك لعدم قناعته بأدلة باول).

واعتبر أنه يعود لفرق التفتيش الدولية في العراق أن تدقق في المعلومات التي عرضها وزير الخارجية الأميركي.

وأعلن وزير الخارجية الروسي حينها أيغور ايفانوف في مجلس الأمن الدولي وجوب مواصلة عمليات التفتيش في العراق.

وقال: «إن المعلومات التي قدمها باول تكشف مرة جديدة بشكل مقنع أن نشاطات المفتشين الدوليين في العراق يجب أن تتواصل».

عدم صحة المعلومات الواردة في خطاب باول:

أخفق باول بتقديم أدلة مقنعة لمجلس الأمن الدولي والتي وعد بها العالم وتثبت أن العراق يمتلك أسلحة الدمار الشامل النووية والكيماوية والبيولوجية على الرغم من امتلاك «إسرائيل» لها بدعم أميركي فاضح.

وعرض بعض الصور لشاحنات فارغة زعم أنها عبارة عن مخابر متنقلة لأسلحة الدمار الشامل البيولوجية والكيماوية.

ولكن عرضه المسرحي وعدم وجود أدلة فيه لم يغير من آراء المشككين في وجود أسلحة الدمار الشامل وفي النيات الأميركية الحقيقية وهي الاستيلاء على النفط العراقي وتغيير هويته العربية وإرجاعه إلى العصور الوسطى ورسم خريطة للمنطقة العربية والإسلامية لإرضاء «إسرائيل» واليهودية العالمية والهيمنة عليها وعلى ثرواتها من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد.

وكانت المزاعم حول علاقات العراق مع الإرهاب الدولي وتنظيم القاعدة من أضعف وأهزل ما جاء في الخطاب الأميركي أمام مجلس الأمن الدولي. وثبت بعد احتلال العراق أنه ليس للعراق أية علاقة مع الإرهاب الدولي وتنظيم القاعدة ولكن الإدارة الأميركية سخرت الأكاذيب لتخويف الشعب الأميركي والشعوب الأوروبية من العراق وحملهم على تأييد الحرب العدوانية عليه واحتلاله، والإطاحة بالنظام فيه وتدمير منجزاته ونهب ثرواته ونشر الإرهاب ونشر الإرهاب التكفيري في العالم.

إن ما أطلق عليها باول «البراهين والأدلة» لم تقنع أحداً من أعضاء مجلس الأمن، لأن الولايات المتحدة كانت قد أنجزت حشد أساطيلها وقواتها في العديد من بلدان الخليج العربية ولجأت إلى اختلاق الأكاذيب لتضليل أعضاء في مجلس الأمن للحصول على قرار من المجلس لإعلان الحرب على العراق باسم الأمم المتحدة. وفي الوقت نفسه أعلنت الإدارة الأميركية أنها ذاهبة إلى الحرب بقرار من مجلس الأمن أو دون قرار، ما يظهر بجلاء النظرة الأميركية للأمم المتحدة وإيمانها بالغطرسة وممارسة الإرهاب وإشعال الحروب العدوانية والعودة بالعلاقات الدولية مئة سنة إلى الوراء، أي العودة إلى شريعة الغاب، ما ينذر بأفدح الأخطار للبشرية جمعاء.

وأعلنت إدارة بوش بغطرسة منقطعة النظير أن الدول المشتركة معها في الحرب ستنال حصتها من النفط العراقي وستحرم الدول التي تعارض الحرب منه، وستواجه الدول المذكورة الغضب الأميركي.

سبع دول أوروبية فقط أيدت الحرب العدوانية على العراق

كان وزير الخارجية البريطاني العضو الوحيد في مجلس الأمن الذي أيد أكاذيب وزير الخارجية الأميركي.

ووقع رؤساء سبع دول أوروبية بياناً مشتركاً نُشر في صحيفة التايمز اللندنية يدعو إلى الحرب على العراق وهم:

1 ـ رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير.

2 ـ رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني.

3 ـ ورئيس الوزراء الإسباني خوسيه ماريا أزنار.

4 ـ ورئيس الوزراء البرتغالي خوزيه مانويل باروسو.

5 ـ والهنغاري بيتر ميجيساي.

6 ـ والتشيكي فاسلافهافل.

7 ـ والبولوني لاشيكميللر.

وهكذا دعم زعماء «الديمقراطيات الأوروبية» المذكورة ومنهم ثلاثة زعماء يمثلون عتاة الاستعمار الأوروبي في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية الحرب العدوانية الأميركية على العراق وشعبه التي أرادها يهود الإدارات الأمريكية وإرادتها إسرائيل.

كذب هؤلاء الزعماء على شعوبهم وشعوب العالم وانحازوا إلى الإمبريالية الأميركية والصهيونية العالمية.

وتناسوا أن الجهة الوحيدة التي تملك جميع أسلحة الدمار الشامل وتمارس إرهاب الدولة والإرهاب الدولي وتتمرد على تنفيذ قرارات الشرعية الدولية هي «إسرائيل». وتناسوا السجل الأميركي في الحروب العدوانية وتهديد الاستقرار والازدهار في نيكاراغوا وبنما والبيرو وكوبا وكوريا وفيتنام ومصر وسورية ولبنان وليبيا والسودان وإيران.

وباسم معزوفة «الأمن القومي الأميركي» أطاحت الولايات المتحدة بأنظمة وطنية وديمقراطية في تشيلي وغواتيمالا والدومينيكان والبرازيل وهاييتي وبوليفيا وأندونيسيا واليونان وغرنادا.

إن الحروب العدوانية التي شنتها الولايات المتحدة على العراق وعلى أفغانستان تحت شعار محاربة الإرهاب تجسد إرهاب الدولة الأميركية وأبشع أشكال الإرهاب الدولي، وتنتهك أهم العهود والمواثيق الدولية والقانون الدولي. وتظهر بجلاء الدور الذي تريد أن تلعبه الولايات المتحدة على الصعيد العالمي لإقامة الإمبراطورية الأميركية والشرق الأوسط الكبير لأمركة المنطقة وصهينتها وعلى حساب حقوق ومصالح وثروات جميع الشعوب والأمم في العالم.

بقلم/ د. غازي حسين