جائزة نوبل للسلام المزيف

بقلم: صلاح صبحية

بعد اثنين وخمسين عاماً من الصراع تتوقف الحرب الأهلية في كولومبيا مخلفة وراءها 260 ألف قتيل ونزوح نحو ستة ملايين نسمة خارج البلاد ، حيث وقّع كل من الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس وزعيم حركة ( فارك ) وبقلم مصنوع من ظرف طلق ناري اتفاق سلام بينهما وذلك خلال الشهر الماضي ، هذا الاتفاق الذي حول حركة ( فارك ) الكولومبية إلى حزب سياسي نتيجة تفاوض استمر نحو أربعة أعوام في العاصمة الكوبية هافانا ، ليمنح بعدها هذا العام الرئيس الكولومبي سانتوس جائزة نوبل للسلام ، ولكن السلام في كولومبيا تعرض بعد أيام وخلال هذا الأسبوع لأول هزة تواجهه حيث لم ينل ثقة الأغلبية لشعب كولومبيا عند الاستفتاء عليه ، مما اضطر الرئيس الكولومبي للدعوة إلى حوار وطني في البلاد للعمل من أجل تنفيذ اتفاق السلام الذي لم يضع قدميه بعد على طريق الإنجاز .

وهنا يفرض السؤال التالي نفسه ، هل تُمنح جائزة نوبل للسلام لسلام قد تحقق فعلاً على الأرض ، أم تُمنح الجائزة لمجرد توقيع اتفاق سلام بين متصارعين أو متخاصمين دولياً بغض النظر عن إنجاز هذا الاتفاق على الأرض ، وأن اتفاق السلام يصبح بحاجة إلى اتفاقات أخرى لتحقيقه ؟

والحديث عن جائزة نوبل للسلام يجعلنا نعود إلى ثمانية وثلاثين عاماُ إلى الوراء ، إلى عام 1978 ، العام الذي مُنحت فيه جائزة نوبل للسلام مناصفة لكل من الرئيس السادات والصهيوني بيغن ، اللذان وقعا اتفاقية السلام في كامب ديفيد ، سلام بين دولة شرعية متجذرة في التاريخ الإنساني وبين كيان غير شرعي نشأ بالقوة العسكرية بعد أن تم طرد غالبية سكانه الأصليين من أرضهم التي أقيم عليها الكيان الصهيوني ، فكيف تُمنح هذه الجائزة لسلام مزيف غير حقيقي ، حيث لم يكن الهدف من منح الجائزة للسادات وبيغن نتيجة إنجاز سلام حقيقي بقدر ما كان توطئة لرسالة موجهة إلى الأسرة الدولية بأنّ هذا الكيان الصهيوني ليس كياناً عدوانياً يهدد جيرانه وإنما كيان يسعى لتوطيد السلام في المنطقة ، فالجائزة الممنوحة للصهيوني بيغن بمثابة جواز سفر إلى دول العالم لتقتنع بشرعية الكيان الصهيوني المغتصب للأرض الفلسطينية ، وكان مقدمة ذلك الاعتراف المصري بحق الوجود لكيان غير شرعي على أرض فلسطين المحتلة الذي مهد الطريق للعديد من الدول العربية أن تقبل بالوجود الصهيوني الشرعي وتسعى للتعاون معه في مجالات مختلفة .

ولأنّ جائزة نوبل للسلام غير معنية بتحقيق السلام تم منح الجائزة في عام 1994 لكل من ياسر عرفات وإسحق رابين وشمعون بيريز وذلك لإنجازهم اتفاق أوسلو التاريخي بين المعتدي والمعتدى عليه ، وقد مُنحت هذه الجائزة قبل إنجاز الاتفاق بين الجانبين المتصارعين ، لأنّ مانحي جائزة السلام لا ينظرون إلى السلام بذاته بقدر ما ينظرون إلى هدفهم من السلام ، فالجائزة عندما مُنحت للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات إنما كان ذلك نتيجة اعترافه بحق الوجود لكيان شرعي فوق أرض فلسطين التاريخية مقابل وعداً بإقامة الدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس على الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 ، بينما منح الجائزة لكل من رابين وبيريز لم يكن لإنجاز سلام حقيقي على الأرض وفق ما تم الاتفاق عليه ، وإنما كان لمنح الكيان الصهيوني ورقة رابحة بيده يستخدمها في وجه الفلسطينيين المطالبين بإنجاز ما تم الاتفاق عليه ، دون تحقيق السلام المنشود على مدى اثنين وعشرين عاماً ، فبدل أن يتحقق السلام راح بيريز بعد مقتل رابين يماطل في تنفيذ اتفاق أوسلو من خلال كل المناصب التي شغلها منذ عام 1993 وحتى عام 2016 ، وبدل أن يعمل بيريز على تحقيق السلام راح يعمل على ابتلاع أرض الدولة الفلسطينية التي كان من المفروض إنجازها في أيار 1999 فكان غول الاستيطان الذي بلع أرض الدولة الفلسطينية خدمة للمشروع الاستعماري الصهيوني الاستيطاني ، فلم ينجز بيريز حامل جائزة نوبل للسلام أي سلام على الأرض .

فجائزة نوبل للسلام ، لا تُمنح لسلام حقيقي وإنما لسلام مزيف لا يخدم سوى أهداف الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة العربية ، جائزة يخدعون بها شعوب العالم من أجل سلبهم حقوقهم الشرعية والتاريخية ، فأي جائزة نفتخر بها دون أن تحقق لنا سلاماً حقيقياً على أرضنا التاريخية ، فالجائزة باطلة كبطلان سلامها المزيف ، فلا يوهمنا اسم الجائزة وهدفها الحقيقي ، لأنّ الجائزة يجب أن تعطى لإنجاز سلام حقيقي لا يسلب الشعوب حقوقها ، بل تعطى لسلام يعيد للشعب الفلسطيني حقوقه وفي مقدمتها حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي طردهم رابين وبيريز منها ، جائزة السلام تعطى لمن ينجز القرار الأممي رقم 194 لعام 1948 ويرفع الظلم والقهر والجور عن اللاجئين الفلسطينيين ، هكذا يجب أن نفهم جائزة نوبل للسلام التي مُنحت لرابين وبيريز ، أما دون ذلك فهي جائزة سلام مزيفة .

8/10/2016 صلاح صبحية