القدس بين الهباش واليونسكو

بقلم: صلاح صبحية

في الوقت الذي كانت منظمة اليونسكو تقر الحق الفلسطيني في القدس ، وتسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية ، فالمسجد الأقصى ليس الهيكل ، وحائط البراق ليس حائط المبكى ، كان قاضي قضاة فلسطين المستشار الديني للرئيس الفلسطيني الشيخ محمود الهباش يجلس في بيت رئيس الكيان الصهيوني " روبي ريفلين " - الكائن في القدس - وسط حاخامات اليهود الصهاينة ( يتسحاق يوسف – شلومو برين – موشي ليختن شتاين – دانييل تروفر ) ، ليتوافق الجميع على التسامح الديني بين المسلمين واليهود نبذاً للإرهاب الديني عل حد قول رئيس الكيان الصهيوني ريفلين .

لم يكن مصادفة لقاء الهباش بحاخامات بني صهيون يوم الخميس 2016/9/13، لأنه لم يكن اللقاء الأول ، فهو اللقاء الثاني الذي يجري هذا العام نتيجة لمساع أمريكية استطاعت أن تحدد موعد هذا اللقاء مزامنة مع يوم التصويت على القرار الفلسطيني بشأن الحق الفلسطيني في القدس ، ليكون هذا بمثابة رد فلسطيني – صهيوني مباشر على نتائج التصويت ، فبينما يؤكد قرار اليونسكو على الحق الفلسطيني في القدس ، يخرج من داخل القدس مستشار الرئيس الفلسطيني الهباش ليعلن توافقه مع حاخامات صهيون على رفض العنف الديني والدعوة لحياة مشتركة بين الضحية والجلاد .

ومن قراءة التصريح الذي اتفق عليه المجتمعون في بيت رئيس الكيان الصهيوني والذي جاء فيه ( خلق الله الحياة وتحكم في الحياة لذلك نحن نشجب قتل الأبرياء أو أي نوع من الاعتداء على الآخر ونعتقد أن القتل المتعمد للأبرياء أو محاولة قتلهم يشكل إرهاباً ضد المجتمع ، سواء ارتكب من قبل المسلمين أو اليهود أو غيرهم ) ، نجد في هذه الجزئية من التصريح المشترك أنّ الشيخ الهباش الذي ساوى قبل فترة بين الدم الفلسطيني والدم الصهيوني واعتبر أن كلاهما دما غالياً ، يعود علينا اليوم ليشجب أي نوع من أنواع الاعتداء على الآخر ، ونسأل الشيخ الهباش من هو المعتدي ومن هو المعتدى عليه ، هل الفلسطيني هو المعتدي على الصهيوني الذي يحتل الأرض الفلسطينية ، فأي معادلة هذه التي يريد الهباش أن يقنعنا بصحتها تحت مفهوم جزئي بأنّ الله لا يحب المعتدين ، وأنّ الله لا يحب كل معتد أثيم ، نعم إنّ الله لا يحب المعتدين ، ولكن متى كان الفلسطيني معتد على من أغتصب أرضه ونسف بيته وقلع أشجار زيتونه ، فهل الاعتداء اليهودي الصهيوني على البشر والشجر والحجر جائز في فتاوي الشيخ الهباش ، والأدهى من ذلك أنّ الشيخ الهباش يعتبر هبة القدس اليوم والتي سلاحها السكين الفلسطيني عملاً إرهابياً ، لأنه قتل متعمد للأبرياء ، أي أبرياء هؤلاء الذين يتحدث عنهم الهباش ، فمتى كان الغزاة الصهاينة أبرياء من الدم الفلسطيني وأبرياء من اغتصاب الأرض الفلسطينية ، فهل يحمل الفلسطيني سكينه ليمارس القتل حباً بالقتل ، أم أنّ الفلسطيني بسكينه يقاوم الاحتلال الصهيوني للأرض الفلسطينية التي يعيش فوقها الهباش ، لكن الهباش يساوي بين المسلمين واليهود ، أي يهود هؤلاء الذي يتكلم عنهم الهباش ، فهؤلاء اليهود ليسوا سوى الغزاة الصهاينة الذين جاؤوا من كل أصقاع الأرض محتلين لأرضنا ، وإلا إذا كانوا دعاة سلم وسلام ويشجبون الاعتداء والعدوان ، فلماذا جاؤوا معتدين علينا ، فإذا لم يكونوا غير ذلك فليرحلوا عن أرضنا من أجل أن يعود الستة ملايين لاجىء فلسطيني إلى ديارهم وممتلكاتهم التي طردهم اليهود الصهاينة منها ، أينسى أم يتناسى الشيخ الهباش أنّ الفلسطينيين المسلمين منهم والمسيحين وحتى اليهود لم يذهبوا ليعتدوا على يهود العالم في أوطانهم .

ويمضي تصريح الهباش وحاخامات اليهود الصهاينة ليقول : ( ومن هذا المنطلق نشجع جميع أبناء شعبينا على العمل من أجل قيام سلام عادل واحترام متبادل لحياة الإنسان والحفاظ على الوضع الراهن للأماكن المقدسة والقضاء على الكراهية الدينية ) ، كلام يحمل في طياته طمس الحقائق التاريخية التي عرفناها وآمنا بها والتي هي روايتنا الفلسطينية الصحيحة ، فمتى كان يشكل اليهود المنتشرون في دول العالم كمواطنين أصليين فيها شعباً واحداً موحداً ، وكيف لهؤلاء الغزاة الصهاينة أن نقبل بهم شعباً معترفاً به يعيش فوق أرضنا الفلسطينية ، وكيف يقبل الشيخ الهباش بالمقولة الصهيونية ( أرض بلا شعب لشعب بلا أرض ) ، وكيف يقر الشيخ الهباش دينياً بإحلال جماعات متفرقة محل شعب مقيم على أرضه منذ كانت بدايات البشرية على الأرض ، ونسأل الشيخ الهباش عن كيفية الاحترام المتبادل لحياة الإنسان والغزاة الصهاينة يستولون على الأرض الفلسطينية يومياً ويعلنون أمام العالم عن استمرار الاستيطان فوق أرض الدولة الفلسطينية ، بل الأخطر من ذلك أنّ من يطالب بإيقاف الاستيطان وترحيل المستوطنين إنما هو يمارس العنصرية لأنه يعبر عن لا ساميته.

وأخطر ما جاء في التصريح المشترك هو المطالبة بالحفاظ على الوضع الراهن في الأماكن المقدسة ، فأية أماكن مقدسة يتحدث عنها هؤلاء الحاخامات ، بالتأكيد هم يتحدثون عن جبل الهيكل وعن حائط المبكى حيث يمارس اليهود طقوسهم الدينية ، فمن وسط القدس وبمشاركة فلسطينية رسمية يعلن المجتمعون رفضهم لقرار اليونسكو تثبيت الحق الفلسطيني في القدس ، فأية سخرية هذه بطلها الشيخ الهباش الذي يدعو للقبول بسياسة الأمر الواقع التي يمارسها الصهاينة في الحرم القدسي .

هل الشيخ الهباش مع الرواية الفلسطينية التي أقرتها اليونسكو في الوقت الذي كان مجتمعاً فيه مع الحاخامات الصهاينة ، أم بصفته الرسمية مع سياسية الأمر الواقع التي يمارسها الصهاينة في القدس ، مقراً ومعترفاً بالرواية الصهيونية المزيفة كأمر واقع في مواجهة الرواية الفلسطينية التاريخية التي يناضل شعبنا الفلسطيني من أجل تأكيد حقه التاريخي في فلسطين كل فلسطين ، فلماذا نجعل القرارات الدولية التي تؤيد حقوقنا التاريخية مجرد حبر على ورق ونمنح عدونا الصهيوني شرعية لوجوده فوق أرضنا.

بقلم/ صلاح صبحية